أدونيس.. حين يصير المسجد دمويا والحسينية ثورة

(ثورة علمانية لا يمكن تحقيقها عبر أشخاص يخرجون من المساجد) ...هكذا يصف الشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر) ثورة شعبه التي خرجت تهتف لإسقاط النظام، ومن بعيد يطلق صيحاته في المحافل الدولية مدافعاً عن نظام القتل والبراميل، بنفس لغة النظام الذي اتهم الثورة بأنها طائفية منذ اللحظات الأولى...نفس المنطق الذي يعتبر المسجد دعوة دموية ويرى في الحسينية ثورة، والخميني قائداً مغيراً بينما ضحايا السوريين من الأطفال والنساء مجرد إرهابيين مأجورين.
يذهب ابن النظام البار – دون الولوج في قصيدته- إلى أبعد من الاتهام حين يتناسى البدايات السلمية لثورة الناس البسطاء ضد الظلم والبطش ليقزم ما حصل، وأن أصحاب الثورة تركوها هرباً من دموية المسجد: (الجماهير المدنية التي شاركت في الثورة أصبحت خارج الفعل. اليوم من يقاتل في سوريا؟ معظم المقاتلين جاء من الخارج. مَن يقاتل في الأرياف ليس الشعب. فقد حصل تحوّل هائل حتى ما عاد بإمكاننا تسميتها لا ثورة ولا انتفاضة... هناك حرب حقيقية الآن تجري في سوريا ذات طابع أهلي وطائفي).
هي هكذا ببساطة الأرياف التي ما زالت تقاتل النظام في كل الريف السوري ليسوا سوى مرتزقة قادمين من الخارج، وأن الغوطة الشرقية والغربية ووادي بردى التي يصب الآن النظام جام حقده عليها ليست أريافاً سورية بل أريافاً محتلة من الخارج، وسكانها هربوا إلى الخارج...
أي نفاق من شاعر يدعي أنه سوري الهوية فيما تخرج من فمه كلمات الخطاب الإقصائي الطائفي الذي يردده ليل نهار المحتلون الإيرانيون وميليشياتهم، ويبتعد الكبير أدونيس في كل حواراته عن ذكر دور إيران فقط كرمى لعيون مرجعية الطائفة الحاكمة.
في أحد أهم الردود التي تختصر الحالة الأدونيسية إن صح تسميتها فهي تنطبق على أغلب المثقفين الذي يدعون معارضة النظام وتحولوا لحظة انطلاق الثورة إلى طائفيين يخشون على العلمانية التي يرفعونها شعاراً مزيفاً...أحد أهم الردود جاء على لسان وليد جنبلاط الزعيم الدرزي الذي لا يمكن اتهامه بالوهابية والتكفير حين قال: (الدخول في النقاش الفلسفي مع ادونيس مضيعة للوقت ويبدو أنه لم يسمع بما حدث لعلي فرزات أو إبراهيم القاشوش أو حمزة الخطيب ولا يرى الشاعر الكبير بين هلالين البراميل التي تقتل يوميا الأبرياء").
يأتي الوصف الأهم في كلمات جنبلاط حينما يقترب من قراءة مواقف أدونيس من موقعه كمفكر وشاعر فيلسوف:(من يدري فإن أدونيس من كبار الفلاسفة مثل نيتشه وهايدغر الذي استوحى منهم هتلر وخرج لاحقا في نظريته الفاشية المجرمة هو وأمثاله من ما يسمى بالمثقفين، فوق البشر، لكن يتسترون بقشرة موز واهية، عقدتهم السلطة لا يمكن للمرء إلا أن يتقيأ قرفا أمام تنظيراتهم الخاوية").
نعم ببساطة هم مفكرو وشعراء السلطان والديكتاتور والقيصر على مر الزمن، يفلسفون القتل ويشّرعونه، ويرسمون خرائط الموت على أنها فتوحات العلمانية ضد قوى التكفير والظلام.
أدونيس الذي يلهث وراء نوبل منذ عقود لن يجد ضالته إلا إمعانه في ذم المسجد والاحتفال بالموت، وتقديس القتل، ففي حفل استلامه لجائزة (إيريش ماريا ريمارك) في مدينة "أوسنا بروك" الألمانية وجد نفسه وحيداً مستغرباً الانتقادات الهائلة لموقفه...في حين رفضت رئيسة بلدية جزيرة لامبيدوزا استلام جائزتا إلى جانبه، وحتى الإيراني الألماني (نفيد كرماني) فقط لأنه تهرب من إدانة نظام القتل في دمشق.
أدونيس الذي قدم نفسه على مدار عقود معارضاً للنظام السوري، يصب لعناته على ثورة السوريين، والآن يقدم نفس النظام على أنه أحد أطياف العلمانية في الشرق العربي الذي يدمره الأسد شعباً وتاريخاً وحضارة.
يكتب أدونيس تحت عنوان مدارات في صحيفة الحياة: (لم أعُدْ أخافُ من موتِ البشر، وحدهم. صرتُ أخافُ أيضاً من موت الأشياء. موت الشوارع، والصّور والتماثيل، والحدائق، والجدران... إلخ.)...السؤال ترى من يقتل البشر والشوارع والتماثيل والحدائق والجدران في سورية؟.
يذهب أدونيس إلى صب اللعنات على كل الربيع العربي وثورات الشعوب حينما يقوّلها ما لم تقل: (أنا "الربيع العربيّ"، أعترف وأقول لكم:
سيأتي يومٌ تبدو فيه الكتابةُ باللغة العربية شكلاً من أشكال الحِداد الشّامل، ليس على اللغة وحدها، وإنّما كذلك على هذا العالم الذي يُسَمّى عربيّاً.).
التاريخ لا تصنعه الجوائز، والعظماء الذين يخرجون على إرادة شعوبهم سيخرجون منها إلى النسيان.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية