"يوسف محمد ناصيف" رضيع ربما أنصفته الحياة بأن ولدته حياً، وربما زادت في إنصافه بأن جعلته من أبوين لا يعرفان القنوط، وهما ينظران كل دقيقة في بطنه المنتفخة المتكورة كبالون يوشك على الانفجار.
لكن السعادة عرفت كيف تخذله من اللحظة التي فصلت فيها مشيمته عن رحم أمه.
"يوسف" الصغير، ابن الشهور الستة ليس من حقه أن يبلل حفوضته ويغرقها كباقي الأطفال، ومحروم كذلك من لذة أن يركل برجليه أصابع والدته "ياسمين" كلما حاولت أن تؤدي تلك الطقوس التي تعشقها وتسعد بها كل أمهات الكون، تلك اللحظات التي يلتقي فيها طهرهن وحنانهن مع شقاوة طفلهن الرضيع عندما يبدأن بتبديل حفوضته المبللة بأخرى.
ستة شهور مضت و"يوسف" يعاني انسداد في الأمعاء، وهو مرض وصفه طبيه "عدنان زقريط" من الهيئة الطبية في "عرسال" بالمرض المؤلم، فانسداد الأمعاء عند الأطفال من الأمراض التي تعاني منها الأمهات كونها تسبب ألما شديدا للطفل.
وينتج هذا المرض عن تشوهات ولادية خلقية تسبب انسداد كلي أو جزئي عند الطفل أو التصاقات تتكون داخل الأمعاء تسبب التفافها وانسدادها أو من الممكن أن تكون بسبب فتق في البطن أو التهاب معين. وتعتبر حالة الرضيع "يوسف" من النوع الأول، أي حالة انسداد كلي.
ويتسبب انسداد الأمعاء بآلام حادة في البطن تأتي على شكل تقلصات وانقباضات تتوقف لدقائق وتعود مرة أخرى، وكذلك يتسبب بانتفاخ ظاهر في بطن الطفل، مع حالات متكررة من التقيؤ.
*الرحلة البالونية لـ"يوسف"
تقول أم الطفل، "ياسمين"، اللاجئة السورية من بلدة "فليطة" في القلمون الغربي إن العمل الجراحي الأول ليوسف تطلب نقل فتحة خروجه إلى الجهة اليمنى من البطن ليتمكن من طرح الفضلات عبرها بعد انسداد فتحته الشرجية منذ ولادته وعرفت وهذه العملية تعرف باسم (هير شبرنك) Hershpring.
تضيف "ياسمين": "تكلفة العمل الجراحي الأول ليوسف بلغت 14 ألف دولار تكفلت الأمم بتسديد 12 ألفا منها لمستشفى "رياق العبدالله" اللبناني وتعهد الأب بتسديد 2000 دولار المتبقية.
ولأن الأب محمد عبدالله ناصيف وهو اللاجئ المعدم لم يتمكن من تسديد المبلغ فقد لوحت إدارة المستشفى بإبقاء ولده الرضيع "يوسف" تحت (الإقامة الجبرية) في المستشفى ريثما يتم حصولهم على بقية تكلفة العمل الجراحي.
الإفراج عن الرضيع "يوسف" من المستشفى، كما تقول "ياسمين"، تم بعد أن "كفلنا أحد الإخوة اللبنانيين أمام إدارة المستشفى".
وبعد مضي 3 أشهر من تنفيذ العمل الجراحي عادت الأم وابنها إلى المستشفى نفسه لنقل فتحة الإطراح من الجانب الأيمن لبطن "يوسف" إلى مكانها الطبيعي أي الشرج وهي عملية تسمى "تصحيح فتحة الخروج" وتكلفتها 9 آلاف دولار.
تكفلت الأمم بتسديد 7500 دولار منهم، وتعهد الأب بتسديد 1500 دولار بقية المبلغ المتبقي.
الديون التي أطبقت بمخلبيها على رقبة الأب المعدم جراء العمليتين الجراحتين مضافاً إليهما النظام الغذائي الخاص لطفله "يوسف" وقوامه حليب نباتي مرتفع الثمن يسمى "إبتاميل"، إضافة لحقن يومية خاصة يحقن بها الطفل ليتمكن من خلالها طرح الغازات والفضلات التي تتجمع في بطنه المنتفخة، والتي ستبقى كذلك كما يقول الأطباء لسنة ونصف السنة.
تراكم الديون على الأب الذي ابيضت عيناه حزنا وحسرة على طفله "يوسف"، جعلته يتمنى لو أن الذئب يأتي ليريح يوسف من عذاباته وألمه، "يوسفه" الذي ألقاه العالم في غيابات الإهمال والفقر والموت، تاركاً إياه يحلم بأحد عشر كوكبا في عالم تحول كل من فيه لذئاب تراقب عذاباته وآلامه من دون أن يرف لها جفن، أو تختلج داخل أفئدتها الميتة خالجة أمام طفل رضيع كتب عليه أن يبدأ عمره فارا من وجه العدالة الطبية اللبنانية.
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية