سعي نظام بشار الأسد ومن وراءه إيران وروسيا، ولايزال، لتجنيد أكبر عدد ممكن من شباب منطقة شرق سوريا، ضمن ميليشيات "حشد الجزيرة والفرات" و"الفيلق الخامس –اقتحام" و"الدفاع الوطني" وغيرها، يوازيه سعي حثيث لتجنيد شيوخ ووجهاء عشائر لاستخدامهم كأوراق رابحة في الداخل والخارج، فيكون الأثر نفسيا على عشائرهم وإعلاميا وسياسيا لدى الدول الغربية.
في الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة عبر وكيلها حزب "الاتحاد الديمقراطي" لتجنيد وتدريب كتائب صغيرة مشكلة من أبناء العشائر كما يحصل في "منبج" والرقة والحسكة، بهدف تبرير دخول الحزب الكردي بدعم أمريكي إلى منطقة الفرات ذات الطابع العربي العشائري، وبالتالي السيطرة على معظم موارد سوريا الاقتصادية الاستراتيجية، بذريعة القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية".
هنا يبرز دور استمالة النظام لـ"نواف البشير" شيخ قبيلة "البكارة" كبرى قبائل الجزيرة، والذي بالغت إيران بالاهتمام بعودته إلى النظام، حتى قالت وكالة أنباء "فارس" الرسمية الإيرانية: إن "زياد الحسن" المعروف بـ "الحاج باقر" قائد "لواء الإمام الباقر" الذي قاتل بحلب، تواصل مع "البشير" من تركيا لنقله إلى روسيا ومن ثم إلى إيران، مدعية أنه ذو تأثير كبير على أعداد كبيرة من المقاتلين ضد النظام وسيؤثر على المعارضة السياسية، التي لم يكن له وجود فيها أصلا، في خطوة يراها مراقبون ترويجا إيرانيا لسيناريو عراقي في الجزيرة السورية.
سبق "البشير" إلى حضن الإدارة الذاتية "أحمد الجربا" وتياره، وبالتالي تم احتواء جميع أقطاب قبيلة "شمر" بسوريا من قبل "الاتحاد الديمقراطي"، وهذا يؤكد فرضية، أن معركة السيطرة على حوض الفرات أعيد الترتيب لها من جديد بسبب عدم تنفيذ خطة عزل الرقة السورية عن الموصل العراقية، التي بدأت معركتها في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نتيجة عجز "جيش سوريا الجديد" عن الوصول إلى مدينة "البوكمال" والهزيمة التي لحقت به على يد التنظيم، إلى جانب توقف تقدم الميليشيات التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" قرب بلدة "أبو خشب" شمال دير الزور.
وبالتزامن مع فشل التفاهمات الروسية والأمريكية بشأن سوريا، والتحول إلى قطيعة دبلوماسية بينهما، جاءت خسارة الحليف غير المعلن في الحرب على تنظيم "الدولة"، وهو جيش النظام المدعوم بالقوات الجوية الروسية لمدينة تدمر، ما جعل الحديث عن فك حصار التنظيم عن مدينة دير الزور وقطع طريق إمداده من العراق عبر البادية السورية، كلاما غير واقعي حالياً.
هؤلاء شيوخ لقبائل لم تعد مسلحة ولا متماسكة، كما هو الحال قبل التوطين، وهناك الكثير من طالبي الجاه العشائري في هذا المنطقة المهمشة، وبينهم "البشير" و"الجربا" يطمعون في منطقة يحكمونها، حتى لو كانت ناحية، وهذا ما قلص طموح الجربا الكبير (حميد الدهام الهادي) من "إمارة الجزيرة" إلى حكم كانتون في إدارة حزب "الاتحاد الديمقراطي".
فهم، حسب ناشطين سوريين، لا يختلفون عن مشاهير المعارضة على مواقع "التواصل الاجتماعي" تهمم الشهرة والجاه والمال، دون أن يدفعوا قطرة دم واحدة، عدا عن عدم قدرتهم حشد بضع عشرات من المقاتلين إلى جانبهم في حال قرروا السير في طريق معينة، سواء كانت إلى جانب الثورة السورية أو إلى جانب نظام بشار الأسد أو حتى في الطريق الثالث إلى جانب الولايات الأمريكية المتحدة.
أسست الولايات المتحدة عبر وكيلها على الأرض حزب "الاتحاد الديمقراطي" مجلس دير الزور العسكري، فيما سعت رئيس "مجلس الشعب" لدى النظام "هدية العباس" إلى دعم تشكيل ميليشيا خاصة لتعبئة شباب المنطقة في كتائب من المرتزقة يجذبها الراتب السخي من قبل النظام، فهو سباق بعد "معركة حلب الأخيرة" نحو شرق سوريا، والتي أطلق عليها النظام بعد تسلم بشار الأسد الحكم إثر وفاة والده حافظ الأسد عام 2000 ، اسم "سلة سوريا الغذائية".
يرى محللون سياسيون ومتابعون للوضع في الجزيرة السورية أن العشائر ستكون في واجهة سباق أمريكي –روسي للسيطرة على المنطقة المليئة بالثروات، وهذا ما يدركه العائد إلى حضن "النظام" والأصح "حضن إيران وروسيا"، "نواف البشير"، كردة فعل "ارتجالية" بعد إفشال تركيا مشروعه بالمشاركة ضمن عملية "درع الفرات" بفصيل أسسه بدعم أمريكي بعد لقاء مع وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه".
الجزيرة السورية منتجة للخامات النفطية والزراعية والحيوانية إلى جانب المخزون المائي الكبير، ما يجعلها مصدراً هاماً للطاقة الكهربائية أيضاً، وجميعها تصب في مصافي ومصانع وأسواق حلب ودمشق ومدن "سوريا المفيدة" كثيفة السكان الواقعة بينهما، وعبر عن ذلك "فابريس بالونش"، مدير الأبحاث في "جامعة ليون2"، في دراسة نشرت في معهد واشنطن، بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير2017، بقوله إن منطقة الجزيرة والفرات كانت تشبه "مستعمَرة داخلية" في البلاد، فهل سيقبل أبناؤها بذلك مجدداً؟
وقال الباحث في دراسته: إن هذه العلاقات الاقتصادية تُظهر سبب رغبة النظام المستمرة في إعادة إحكام قبضته على شرق سوريا وبالمثل، تُظهر أن كل من يسيطر على الشرق سيمارس نفوذاً كبيراً على نظام الأسد.
وتتقاطع آراء مصادر مطلعة على الوضع في أن هذا ما تسعى إليه أمريكا بالجزيرة السورية عبر استخدام حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي يهيئ لها كتائب يجندها "إجبارياً" أو عبر الإغراء بالمال لأبناء القبائل والترويج لسلطة صورية لبعض الوجهاء، الأمر الذي دفع روسيا وإيران وتركيا للتفاهم لمحاولة تغيير المعادلة ومواجهة هذا المشروع.
ما يجب إدراكه، أن العشائر تحولت بحكم التطور لمجرد عائلة كبيرة، وهي أحد جدران المجتمع في الجزيرة السورية، في حين أن العائلة لبنة صغيرة في هذا البناء الضخم، وهذا يدركه نظام الأسد والأنظمة الأخرى في إقليم الجزيرة، لكن دولا غربية (عن دراية) وجزءا كبيرا من المعارضة والكثير من الإعلاميين و"منظري" الثورة، إن صح التعبير (عن جهل)، مصرون على تقديمها على أنها فصيل مسلح أو حزب سياسي، وعلى هذا الأساس يكيلون لها الثناء أو السباب والشتائم وفق معارضتها أو تأييدها، وفق تعبيرهم.
والحقيقة أن نظام الأسد والإدارة الذاتية وحتى تنظيم "الدولة الإسلامية"، هم الوحيدون الذين عرفوا هذه النقطة واستخدموها استخداما شكليا لأغراض سياسية بحته ورسائل للخارج والداخل، بينما لم تستفد المعارضة السورية من أي شخصية عشائرية، سواء تلك التي تحمل المبادئ والمتمسكة بالشهامة والعادات الأصيلة أو الشخصيات الطموحة والساعية إلى الجاه والمال.
محمد الحسين - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية