إعادة توزيع الثروة ؟ نعم ( لكن ليس كما يقترح أوباما )... بول ستريت

بحسب النيويورك تايمز "الليبرالية" فإن فرص جون ماكين المتراجعة للحاق بباراك أوباما في الانتخابات الرئاسية ازدادت بعض الشيء بسبب "تعليق غير ملائم من السيد أوباما" . تصريح أوباما السيئ كان "تعليقا على ( جو ) السباك في أوهايو الذي سأله عن اقتراحه عن زيادة مستويات الضرائب على العوائل التي تكسب أكثر من 250 ألف دولار سنويا , التي أكد فيها السيد أوباما أن هناك حاجة "لتوزيع الثروة" .
كما تقول التايمز فقد "استغل ماكين الجو

اب ليكرر هجومه إنه سيرفع ضرائبكم الذي لقي تاريخيا صدى ما في ولايات كفلوريدا و أيوا و نيو هامشاير" ( ا. ناغورني , كيف يأمل ماكين في تحدي الاستطلاعات و الفوز , النيو يورك تايمز , 24 - 10 - 2008 أ1 , أ 19 ) .
في الواقع هذا ما قاله أوباما بالضبط لجو السباك في أوائل هذا الشهر :
"ليس أنني أريد أن أعاقبك على نجاحك . أنا أريد فقط أن أضمن أن كل شخص خلفك , يملك فرصة للنجاح أيضا . موقفي هو أنه إذا كان الاقتصاد جيدا للأشخاص من الأسفل إلى الأعلى , فيجب أن يكون جيدا لكل شخص ... إنني أعتقد أنه عندما توزع الثروة فهذا جيد لكل فرد" .

أوباما "كاشتراكي"
تخفف التايمز من الاستخدام الرجعي للجمهوريين لتعليق أوباما . أكثر من مجرد الزعم بأن أوباما سوف "يزيد الضرائب" , فقد استخدمت ماكينة الدعاية الجمهورية تعليق أوباما الوسطي و "المحافظ بشدة" الحربي لتدعم الإدعاء المكارثي الجديد المنافي للواقع أنه مناصر يساري لإعادة توزيع الثروة . اقترحت سارة بالين , سين هانيتي و بقية كلاب هجوم أقصى اليمين , اقترحوا أن تعليق أوباما يعكس أرجحية أن يكون السيناتور صغير السن من إيلينوي "اشتراكي" ( 1 ) . حاول المتحدث باسم ماكين ميكايل غولدفراب أن يستخرج شيطانين من "تعليق أوباما غير المواتي" . فاستخدمه غولدفراب ليربط بين الزعم السخيف بأن المتسابق الديمقراطي هو "يساري" بالتهمة التي تساويها في السخافة أن أوباما "يساير" الأعداء الكونيين الرسميين . "إذا كان هدف باراك أوباما كرئيس أن يوزع الثروة" كما أبلغ غولدفراب الفوكس نيوز "فربما أن اجتماعه غير المشروط مع هوغو تشافيز , راؤول كاسترو , و كيم جونغ إيل ليست فكرة مجنونة إلى هذا الحد - إذا لم يقوموا بأي شيء آخر فيمكنهم نصح إدارة أوباما فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية" .

الموجة الصاعدة و المساواة في الفرص ضد إعادة التوزيع الراديكالية و المساواة في الظروف
لدي أربع تعليقات من اليسار الحقيقي على كلام أوباما , و معالجته للثقافة السياسية الأمريكية , و مشكلة انعدام المساواة . أولا على العكس من هستيريا اليمين فإن الدعوة إلى "توزيع الثروة" هي ليست نفس الشيء مثل الدعوة إلى توزيع عادل للثروة . في إيديولوجيا رأسمالية الدولة الغربية المهيمنة التي ينتسب إليها كلا من ماكين وأوباما ( لا يوجد مرشح يرفض هذه الإيديولوجية يمكنه أن يشارك بشكل جدي في التنافس على الرئاسة الأمريكية ) , لقد زعم صانعو السياسة "السائدة" ( التي تقرها الشركات ) منذ وقت طويل أن حل الفقر و انعدام الأمان المادي هو "النمو الاقتصادي" - تكبير الكعكعة عوضا عن تقسيمها بطريقة أكثر عدالة" . "إن الموجة الصاعدة أو المد" كما تقول الحجة "سترفع كل الزوارق" , بحيث أنه لا داعي لأي كان ليقلق عمن يملك أكبر المراكب أو أكثرها بذخا . و الزعم بأن مدراء الاقتصاد السياسي يمكنهم أن يخلقوا ما يكفي من الوظائف و الدخل بحيث يمكن إشباع الحاجات المادية للناس دون أي نزاع اجتماعي على المشاكل "التي بطلت بالتقادم" للتوزيع .
عندما تتحدث النخب الأمريكية الرأسمالية و السياسيون عن زيادة المساواة فإنهم يعنون فقط المساواة في الفرص , لا المساواة في الظروف . بالنسبة لليسار التاريخي الحقيقي على العكس من ذلك تشمل "المساواة" الفعلية النتائج , و ليس فقط "الفرص" . إنها ليست عن منح كل شخص فرصة متشابهة ليصبح غنيا بشكل خرافي أو فقيرا بائسا في توافق مع نسيجه الخاص من الموهبة , الاجتهاد , و الحظ . يرى الراديكاليون أن الفروق الاجتماعية الاقتصادية الهائلة التي تقسم الحياة الأمريكية و العالمية اليوم لن تكون أقل عدائية أو ضررا إذا صعد كل شخص في القمة إلى موقعه من انطلاقا من "ملعب أفقي متساوي" . كما علق نعوم تشومسكي مجيبا على أحد سائليه عما يميز انعدام المساواة الأمريكية باستخدام استعارة أو مثال "متسابقين في الركض" : يبدأ أحدهما عند خط البداية و يبدأ الآخر على بعد خمسة أقدام من خط النهاية"
"هذا تشابه جيد , لكني لا أعتقد أنه يقود إلى النقطة الرئيسية . من الصحيح أنه لا يوجد أي شيء أبعد من مساواة الفرص في هذا البلد , لكن حتى لو كان هناك مثل هذا النظام فإنه سيبقى لا يطاق . افترض أن لديك متسابقين يبدآن من نفس النقطة تماما , و لديهما نفس الحذاء و ما إلى ذلك . ينهي أحدهما السابق أولا و يحصل على كل شيء يريده أما الثاني فينهي السباق في المركز الثاني و يجوع حتى الموت" ( 2 ) .
لم يسع اليسار الحقيقي أبدا نحو تنافس عنيف أحمق عادل بشكل سطحي فقط - بداية عادلة لكن نهاية غير متساوية .

"أعظم أصولنا":الرأسمالية
ثانيا أن أوباما الذي ترعاه الشركات بقوة قد قدم بشكل متكرر البرهان على أن فكرته عن "مشاركة الثروة لا تذهب أبعد من الأفكار البرجوازية المحدودة عن تكبير الكعكعة و المساواة في الفرص . استمع ( على سبيل المثال بين أمثلة عديدة ) إلى المقطع التالي الذي يكشف الحقيقة من كتاب حملة أوباما لعام 2006 الذي يبجل السلطة بشكل لا يلين "جرأة الأمل" :
"قال كالفن كوليدج ذات مرة أن "العمل الأساسي للشعب الأمريكي هو البزنس ( أي عمل رأس المال ) نفسه" و بالفعل سيكون من الصعب أن نجد بلدا في الأرض كان أكثر ملائمة و ترحيبا بشكل دائم لمنطق السوق . يضع دستورنا امتلاك الملكية الخاصة في قلب نظام حريتنا . تحتفل تقاليدنا الدينية بقيمة العمل الجاد و تعبر عن القناعة بأن الحياة الفاضلة ستؤدي إلى جزاء مادي . عوضا عن أن ذم الأغنياء , فإننا نعتبرهم نماذج وظيفية ... و كما في قول تيد تيرنر ذائع الصيت , في أمريكا المال هو كيف نفوز " .
"إن نتيجة ثقافة البزنس هذه كانت رخاء غير مسبوق في تاريخ الإنسانية . يتطلب الموضوع رحلة إلى خارج البلاد لتقدر بشكل كامل كم تملك أمريكا من الخير ,حتى فقراءنا فإنهم يعتبرون أن البضائع و الخدمات شيئا مسلما به - الكهرباء , الماء النظيف , إيصال المياه إلى البيوت , التلفونات , التلفزيونات , و الأجهزة المنزلية - التي لا تمكن حيازتها بعد في معظم العالم . لقد أنعم على أمريكا ببعض أفضل الأملاك في العالم , لكن من الواضح أن مصادرنا الطبيعية لا تبرر لوحدها نجاحنا الاقتصادي . إن أكبر مصادرنا كانت نظامنا للتنظيم الاجتماعي , نظام شجع الإبداع المستمر لأجيال , و المبادرة الفردية و التوزيع الفعال للموارد ... إنه نظام سوقنا الحرة" ( 3 ) .
مشيرا إلى نفسه على أنه "رجل السوق الحرة" و مذكرا النخب و الآخرين بأنه"يحب السوق" ( 4 ) , فإن أوباما لا يفعل و لا يطالب بأي شيء يتساءل و لو بشكل محدود عن صحة أو درجة الإخلاص لهذه الأنشودة المريعة لنظام الأرباح . إن قبوله بخطة الإنقاذ الفيدرالية لنخبة الشركات الأمريكية المالية ( بما في ذلك الكثير من أكبر داعميه ) هو مثال قريب عن التزامه الصارم بما غرسه في الأذهان بقوة فكر رأسمالية الدولة من مدرسة القانون في هارفارد و راعيه الأساسي غولدمان ساكز .

"إنني أعني "توزيع الفرصة" "
لقد طور أوباما موقفا برجوازيا بقوة من انعدام المساواة و التحريك الاجتماعي . بعد الزعم بأن الولايات المتحدة هي "منارة للحرية و الفرصة" لأولئك الذين يساندون "الاجتهاد و المثابرة" , فإن خطابه في قرار الحزب الديمقراطي عام 2004 ذائع الصيت يشيد بالأمريكيين للاعتقاد بأنه " فقط بتغيير بسيط في الأولويات , يمكننا أن نضمن أن كل طفل في أمريكا لديه فرصة جيدة في الحياة , و أن أبواب الفرص مفتوحة أمام الجميع" , جرى تكرار هذه الفكرة في "جرأة الأمل" ( 5 ) .
بالانطلاق من هذا المنظور المحافظ المعياري عن معنى المساواة كمساواة في الفرص ( و ليس في الظروف ) كان لدى أوباما التالي ليقوله في دفاعه الشخصي بعد أن بدأ الجمهوريون يستغلون "تعليق أوباما غير الملائم" "لجو السباك" :
"النقطة البسيطة التي كنت أحاول قولها هو أنه حتى لو افترضنا أنه في وضع يريد فيه أن يشتري شركة ما يأمل بأنها سوف تعطيه أكثر من 250,000 دولار , فإن النقطة التي أردت طرحها هو أن قبل عشرة أو خمس سنوات أو حتى قبل سنة من الآن عندما كان يكسب أقل من ذلك بكثير , فإنه كان يمر بوقت صعب ... إننا لا نمانع أن يصبح الأشخاص فاحشي الثراء بسبب مهاراتهم و مواهبهم و قيادتهم . لكننا نريد دوما أن نضمن أن الملعب مصمم بحيث أن كل فرد لديه أفكار جيدة ستكون لديه فرصة للنجاح . أن لكل فرد الفرصة ليحصل على التمويل . و أن كل فرد يعمل بجد سيكون قادرا على إعالة أسرته . أن لكل فرد الفرصة إذا تصرف بصورة مسؤولة ليرسل أطفاله إلى الجامعة و أن يتقاعد بكرامة و احترام . و بهذا المعنى فإن هذا يعني أن نقوم بتوزيع الفرص" ( 6 ) .
بالطبع كل من يتفحص بجدية عملية اختيار أمريكا للمرشحين و انتخابهم يعرف أن فرص "شخص يطالب بإعادة توزيع راديكالية" للوصول إلى الحد النهائي للرئاسة هزيلة لدرجة الصفر . لن يحصل أي شخص يعد بتفريق الثروة المركزة و توزيع الموارد بالتساوي بين الشعب على رعاية الشركات و على موافقة الإعلام المطلوبة ليشكل متنافسا قابلا للحياة للرئاسة في ظل "ديمقراطية السوق" الأمريكية ( 7 ) . يدرك أوباما و مدربوه هذا جيدا , يمكننا أن نكون واثقين بهذا تماما . إنهم يلعبون للفوز .

انعدام المساواة ضد الديمقراطية
ثالثا من المشين أن أوباما لا يمكنه أن يدعو إلى المساواة حتى لو أراد ذلك . هناك تقليد أمريكي و غربي فلسفي و سياسي قوي - ليس اشتراكي فقط - يمكن اقتباسه أو الإشارة إليه دعما لإعادة توزيع الثروة . في سياسة أرسطو , و هو أساس معظم النظرية السياسية الغربية التالية ( بما في ذلك آباء الولايات المتحدة المؤسسون ) , يفهم أن أي ديمقراطية ذات معنى يجب أن تكون تشاركية بالكامل و موجهة نحو الصالح العام . هذا لا يمكن تحقيقه كما يرى أرسطو في غياب مساواة اجتماعية نسبية , بما في ذلك "ملكية معتدلة و كافية" للجميع ( طبعا أنكرت أثينا المشاركة و المنافع على النساء و العبيد ) .
رأى أرسطو أنه لا يمكنك الحديث بجدية عن الديمقراطية في مجتمع يتميز بتطرف في الغنى و الفقر . إن انعدام المساواة الهائل في الثروة و الديمقراطية لا يمكن أن يوجدا معا في مجتمع ما لأن أصحاب الثروة الهائلة يملكون موارد جيدة ليؤثروا في السياسة لصالح مصالحهم الأنانية الخاصة . إذا كان أرسطو على حق فهناك أسباب جيدة إذا "للقلق من الأشخاص الذين أصبحوا مفرطي الثراء" - مهما كانت الوسائل المؤدية لذلك ( و معظم الثروة الخاصة ترجع أساسا إلى الظروف الاجتماعية الخارجية , و ليست القوة الفردية للأفراد الأثرياء ) - في مجتمع يضم مواطنين آخرين الذين هم فقراء أو باختصار أقل ثراء . فكرة أن هناك نزاع مركزي بين انعدام المساواة الاقتصادية و الديمقراطية السياسية يشترك فيها العمالقة التاليين للفكر و السياسة الغربيتين , بما في ذلك آدم سميث , ألكسيس دي توكفيل , فيلهلم فون هامبولد , جون ستيوارت ميل , توماس جيفرسون , و جون ديوي - و لم يكن أيا منهم اشتراكيا ( 8 ) .
أرسطو , جيفرسون و الليبرالية الغربية الكلاسيكية قلقون بصدد التأثير الذي يؤدي إلى الشلل للثروة المركزة و التفاوت الاقتصادي على حكم الشعب الذي ينتج بشدة من السياسة الأمريكية الراهنة . إن ال 1 % الذين في القمة يسيطرون على 40 % من ثروة أمريكا و 57 % من إدعاءات الثروة ( الأسهم , العوائد و ما إلى ذلك ) , تاركين لبقية ال 99 % أن يحاربوا لقاء أقل من ثلثي ثروة الشعب . يملك ال 10 % الذين في القمة أكثر من ثلثي ثروة الشعب و حصة أكبر ربما من سياسيي الأمة و صانعي سياساتها .
على العكس من الأسطورة الشعبية فإن البنية الطبقية الصارمة الأمريكية هي ثابتة نسبيا . إن "الحلم الأمريكي" بالصعود من الفقر إلى الثروة قابل للتحقق بشكل أقل في الولايات المتحدة منه في معظم الدول الرأسمالية المتقدمة . "إن أقصى ديمقراطية يمكن للمال أن يشتريها" ( بحسب وصف غريغ بالاست للنظام السياسي الأمريكي ) هي منح إعفاءات عملاقة من الضرائب لمفرطي الثراء الفعليين . إنها تدفع لأجل حرب هائلة و ميزانية الإمبراطورية ( 622 مليار دولار هذه السنة ) التي تدعم 730 قاعدة عسكرية منتشرة تقريبا في كل بلد على الأرض و تشكل نصف الإنفاق العسكري العالمي ( كل ذلك باسم "الدفاع" الأورويلي ) . هذا لأن القلة الأمريكية صاحبة الامتيازات ليست راضية بتملك حصة غير متكافئة من الثروة الأمريكية . فهم و واضعو الخطط الإمبرياليون يسعون وراء السيطرة على أكثر ما يمكنهم من ثروة العالم و موارده ( احتياطات النفط خاصة ) . في نفس الوقت فإن الحرب , العسكريتاريا , مبيعات الأسلحة , و الاحتلال كلها استثمارات رابحة في ذاتها و لأنفسهم . إن ميزانية البنتاغون هي منحة حكومية عامة هائلة - آلية فعالة لنقل منظم للثروة العامة إلى قطاع الشركات عالية التقنية .
يراقب الأمريكيون اليوم "حكومتهم" و هي تمنح مئات مليارات من الدولارات العامة لخطة الإنقاذ "التي لا يمكن تجنبها" لشركات وول ستريت الطفيلية التي هندست الانهيار المالي الذي يساعد على إطلاق ركود عميق سيلقي بالملايين إلى البطالة . إنها أكثر من مجرد مصادفة أن أكثرنا يتجنب الكارثة بالكاد من راتب إلى آخر . إن الإجلاء من المنزل , حبس الرهن , الإفلاس , و الانتحار في تزايد بين الطبقات العاملة , الدنيا و الوسطى .
سيقف عشرات ملايين المواطنين الأمريكيين في طوابير الحصول على الغذاء كل سنة . كثير من هؤلاء الأمريكيين المحرومين بشدة هم جزء من "فقراء العمال" , و هم مجموعة "التزمت باللعب وفق القواعد" و ما زالوا غير قادرين على رفع رؤوسهم فوق الماء في "أغنى بلد في العالم" .
في المشهد الانتخابي الرئاسي الحالي الذي يجري كل أربع سنوات و الذي تحترفه الشركات و ضيق الأفق و الذي يتركز على الأشخاص تبقى غير مرئية تقريبا بالنسبة لل 37 مليون فقير رسميا . يتحدث المرشحون بانتظام عن مساعدة الطبقة الوسطى لكنهم لا يتحدثون بجدية عن زيادة فقر الجماهير أو عن حالة الفقراء . مثل ميزانية "دفاع" ( الإمبراطورية ) المنتفخة , فإن عمق و درجة انعدام المساواة الاقتصادية هي "خارج طاولة" النقاش الجدي في الثقافة السياسية و الإعلامية الأمريكية السائدة .
لقد منح كبار داعمي أوباما الأمل "التقدمي" العظيم من وول ستريت ( 9 ) عشرات مليارات الدولارات من الخزانة الأمريكية , لكن لم يجر التخطيط لأية خطة إنقاذ مشابهة أو حتى معادلة لها بعض الشيء للأغلبية غير الثرية . في هذه الأثناء يجند أولاد و بنات الطبقة العاملة بشكل اقتصادي ( توفيري ) في خدمة مهلكة في الحروب الاستعمارية الدموية للإرهاب في العراق و أفغانستان - حروب إمبريالية و غير شرعية سيواصلها كلا من مرشحي رأس المال كما هو واضح .
يقف كلا من حزبي رأس المال المسيطر و مرشحيهما الرئيسيين إلى جانب رأس المال الكبير - و الإمبراطورية - و هما يقفان بشكل متقارب على يمين الأغلبية الشعبية الأمريكية بصدد قضايا السياسة الحاسمة ( 10 ) .
يزخر إعلام الأمة "السائد" ( المهيمن و المرتبط بالشركات ) بالأخبار و التعليقات التي تعبر عن القلق من الزوال المحتمل - و الحاجة "لإنقاذ" - "الرأسمالية" . إنها لا تعبر كثيرا عن القلق فيما يتعلق بالحاجة لإنقاذ الفقراء و الطبقة العاملة . إنها لا تقول أي شيء عن الحاجة لاعتماد موارد مالية من ميزانية "الدفاع" ( الإمبراطورية ) الضخمة و المقدسة لتلبية الحاجات الاجتماعية في الوطن و الخارج .
إذا كنا نريد أن نتحدث بجدية عن الديمقراطية في الولايات المتحدة , فإننا بحاجة شديدة إلى إعادة توزيع الثروة في هذا البلد .

الرأسمالية ضد الديمقراطية
أخيرا و ليس آخرا كما أنه لا يمكن لأي مرشح جدي أو أي معلق "رئيسي" للشركات أن يعترف بجدية أنه يوجد وراء كل هذا نزاع أساسي بين ( أ ) المساواة الاجتماعية المطلوبة لديمقراطية ذات معنى و ( ب ) الرأسمالية . قبل 20 سنة لاحظ الاقتصادي الليبرالي ليستور ثيورو أن "للديمقراطية و الرأسمالية اعتقادين مختلفين جدا عن التوزيع المناسب للسلطة . تؤمن أحدهما بتوزيع متساو بالكامل للسلطة السياسية , "شخص واحد , صوت واحد" , فيما تؤمن الأخرى بأنه من واجب القادر اقتصاديا على أن يطرد غير القادر من حيز العمل و أن يمحقه . "البقاء للأقوى أو للأصلح" و انعدام المساواة في القوة الشرائية هي كل ما تعنيه الكفاءة الرأسمالية . هكذا تأتي الأرباح الفردية أولا و تصبح الشركات مجدية بالنسبة للأغنياء . لنضعها في أكثر أشكالها وضوحا , تتوافق الرأسمالية بشكل تام مع العبودية . أما الديمقراطية "فلا" ( ثيورو , مستقبل الرأسمالية , نيو يورك 1996 ) .
بشكل مشابه لاحظ المراسل الاقتصادي للشيكاغو تريبيون ذات يوم ر. سي . لونغوورث , و الذي ليس براديكالي , قبل عقد من الآن , أن "صراع الديمقراطية و الرأسمالية" هو في قلب "الجدال فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي" . نظريا يزعم لونغوورث "أنهما يفترض أن يسيرا جنبا إلى جنب , أن يكونا متلازمين بالفعل . لكن أولويات الديمقراطية هي المساواة أمام القانون , حق كل مواطن أن يتحكم بالقرارات التي تحكم حياته , خلق حضارة تقوم على العدالة و المساواة . أما أولويات الرأسمالية فهي انعدام المساواة في العائد , الربح لموردي رأس المال , جدوى الإنتاج و التوزيع , هي النقطة الجوهرية"( لونغوورث , الأزمة العالمية , شيكاغو , 1998 ) .
هنا نورد كيف يعرف قاموس ويبستر الكامل الطبعة الثانية الرأسمالية : "هي النظام الاقتصادي الذي تمتلك فيه كل أو معظم وسائل الإنتاج و التوزيع بشكل خاص و تدار لغرض الربح , أصلا تحت ظروف تنافسية بالكامل : لقد تميزت عموما بميل نحو تركيز أكبر للثروة و , في المرحلة الأخيرة , نمو الشركات الكبرى" ...
الشركات الكبرى , مثل النيو يورك تايمز , أكثر صحيفة "شائعة أو رائجة" يسارية في ثقافة سياسية و إعلامية وطنية رجعية لدرجة أن أبرز الصحافيين الليبراليين يجدون أنه من "غير المناسب" لمرشح ما أن يسمع و هو يدافع عن فرصة اقتصادية أكبر قليلا فقط للناس الذين هم في أسفل القمم الغنية للتراتبية الهرمية الطبقية شديدة الانحدار للأمة . ثقافة سياسية رجعية لدرجة أن مرشحا برجوازيا عالي النبرة يخاطر بأن يتهم بجريمة أنه "راديكالي" خطير المزعومة لأنه تجرأ على الدفاع عن نسخة أكثر عدالة قليلا من الرأسمالية .
لا تأخذ الحقيقة من رايدكالي حقيقي مثلي . خذها من أرسطو و جيفرسون : إننا بحاجة إلى إعادة توزيع حقيقي للثروة إذا كنا نريد شيئا كالديمقراطية في الولايات المتحدة .
و خذها من قاموس ويبستر : هذا يعني القطع مع الرأسمالية , المرض الحقيقي ( بالمناسبة ) الكامن وراء الأعراض المالية و استجابات حكومة الأثرياء التي تتابعت في الأسابيع الستة الأخيرة .
إن هذه حقائق قاسية لن يعترف بها أبدا نظام الإعلام و الدعاية الأمريكي الحاكم .
ربما يمكننا أن نلتفت إلى هذه القضايا الملحة بطريقة جدية عندما تختفي قصاصات الورق للفورة الانتخابية الرباعية الحالية و عندما تصبح الحقائق الباردة للحياة تحت إمبراطورية رأسمالية الدولة الأمريكية و انعدام المساواة موضع اهتمام أكبر .

ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن www.zmag.org/znet/viewArticle/19257

(100)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي