ربما يستحق العام 2016 أن يكون عام التهجير القسري بجدارة، كيف لا وقد سجّلت خلاله أكبر عملية تهجير قسري بحق سكان العاصمة الاقتصادية والصناعية في سوريا وإحدى أكبر المدن السورية، باتفاق روسي إيراني ومباركة تركية.
فصل تهجير سكان مدينة حلب من سكانها الأصليين بدأ بحصارها وقبل ذلك بكثير، حين دقت "زمان الوصل" ناقوس الخطر عبر تقرير نُشر على موقعها في الربع الأول من "عام التهجير" تحت عنوان "دومينو" الحصار يهدد حلب.. الطيران الروسي يرسم خريطة جديدة على الأرض المحروقة"، والذي نقل فيه مراسلنا في حلب معلومات كشفت لأول مرة عبر مصدر عسكري من المقاومة السورية عندما قال إن إحدى الدول "الصديقة" -كان يقصد تركيا- أبلغت الفصائل المقاتلة في ريف حلب بأن قوات النظام وميليشياته ستبدأ حملتها العسكرية على ريف حلب الشمالي من محور بلدة "باشكوي" والتقدم نحو "نبل" و"الزهراء" بهدف الوصول إليها وفك الحصار عنها وقطع الطريق بين ريف حلب الشمالي والمدينة بداية شهر شباط فبراير.
وأشار المصدر آنذاك، إلى أن "الدولة الصديقة" أكدت أيضاً للفصائل أن القوات الروسية تعهدت لقوات النظام بإسناده جوياً بـ1500 غارة جوية، والتي كانت كافية لفتح الطريق أمام قوات النظام والميليشيات الأجنبية المساندة لها نحو بلدتي "نبل" و"الزهراء" بريف حلب الشمالي وكسر الحصار عنهما.
في الثاني من شباط فبراير/2016 نجحت قوات النظام وميليشياته بكسر الطوق المفروض على بلدتي "نبل" و"الزهراء" اللتين حولهما النظام وميليشياته إلى أكبر ثكنتين عسكريتين بالمنطقة، بعد أن شنت قواته هجوماً واسعاً على بلدات "دوير الزيتون" و"تل جبين"، وسيطرت عليها في وقت قصير نتيجة كثافة الغارات الروسية عليها.
واستكملت قوات النظام وميليشياته تقدمها نحو "الزهراء" وتمكنوا خلال وقت قصير من السيطرة على بلدتي "حردتنين" و"معرستة الخان"، لتسقط بعدهما بلدة "ماير" الملاصقة لبلدة "الزهراء" نارياً، ويصبح الطريق الزراعي الواصل بينها وبين "الزهراء" سالكاً للقوات المترجلة والتي بدأت على الفور بفتح طريق إمداد عبر الأراضي الزراعية ونجحت بإدخال عدة عربات عسكرية وناقلات جند إلى داخل "نبل" و"الزهراء".
*عزل الريف الشمالي وتقطيع أوصاله - شباط 2016
مع سيطرة قوات النظام وميليشياته على بلدة "معرستة الخان" أصبحت معظم بلدات وقرى ريف حلب الشمالي الواقعة تحت سيطرة المقاومة السورية معزولة بشكل كامل عن المدينة وأريافها، وأصبح سكان بلدات "كفرنايا، مسقعان، كفر ناصح، أحرص، تل رفعت، اعزاز، دير جمال، كفين" محاصرين من الجهات الأربع، حيث كان تنظيم "الدولة الإسلامية" يسيطر على أجزاء من الريف الشمالي المحاذي للريف الشرقي، بينما كانت القوات الكردية تسيطر على البلدات المتاخمة لريف حلب الغربي، في حي تُغلق تركيا حدودها بشكل كامل بما فيها البوابة البرية الواقعة في بلدة "سجو" المحاذية لمدينة "اعزاز".
واضطر آلاف المدنيين من سكان القرى المذكورة إلى ترك منازلهم هرباً من القصف الجوي الذي استهدف بلداتهم وقراهم نحو الحدود السورية التركية، وتجمع النازحون داخل معبر "باب السلامة" الحدودي على أمل السماح لهم بالدخول إلى تركيا التي لم تستجب بدورها لجميع المناشدات التي طالبت حكومتها بفتح المعبر واستقبال النازحين، ما اضطرهم للمبيت في العراء أياماً طويلة في ظل انخفاض درجات الحرارة وبرودة الطقس.
وبلغت أعداد النازحين المتواجدين في المعبر الحدودي حينها أكثر من 50 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال.
وبث ناشطون صوراً وتسجيلات تظهر تدفق النازحين بشكل كبير نحو معبر "باب السلامة" الحدودي مع تركيا، ولاقت تلك الصور انتشاراً واسعاً عبر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، ما دفع عدداً من المنظمات الإغاثية التركية والأجنبية للتوجه عبر البوابة التركية إلى داخل الأراضي السورية للوقوف على واقع الحال وتقديم المساعدات الغذائية للنازحين.
بدورها عملت هيئة الاغاثة التركية "IHH" على إقامة أكثر من 200 خيمة مؤقتة للنازحين داخل الأراضي السورية قرب الحدود مع تركيا، وقالت بأن تلك الخيم ستؤوي أكثر من 20 ألف شخص، في حين طالب النازحون المتواجدون في المنطقة بالسماح لهم بدخول الأراضي التركية ومنحهم حق الحماية المؤقتة إلا أن مطالبهم لم تلق أي آذان صاغية.
في النصف الثاني من شهر أيار مايو كثف الطيران الحربي الروسي وطيران النظام من حملات القصف على طريق "الكاستيلو" الذي كان يعتبر الشريان الوحيد لمدينة حلب، وأحصت مديرية الدفاع المدني في مدينة حلب وريفها خلال شهر أيار مايو الماضي سقوط 1260 برميلا متفجرا و1700 صاروخ حربي و92 قنبلة عنقودية و56 صاروخ أرض-أرض وأكثر من 2000 قذيفة هاون معظمهم استهدفوا طريق "الكاستلو" أو مدن الريف الشمالي والأحياء الشرقية من حلب القريبة من الطريق.
*الحصار الأول
بتاريخ 27-7-2016 سيطرت قوات النظام مدعومة بالميليشيات الطائفية على مطعم "الكاستيلو" الواقع قرب منطقة "الملاح" في حلب، وتمكنت من الوصول إلى الطريق الذي يعتبر شريان المدينة بعد 18 يوما من رصده نارياً بعد أن تقدموا عقب تمهيد جوي كثيف من قبل الطيران الحربي التابع للنظام والروس، ونجحوا أيضاً بالسيطرة على منطقة كراجات "الليرمون" الملاصقة لطريق "الكاستيلو".
بتاريخ 2016-08-01 أعلنت فصائل المقاومة السورية في الشمال السوري عن بدء معركة "تحرير حلب" وأطلقوا عليها اسم "غزوة الشهيد إبراهيم اليوسف" والتي تهدف للسيطرة على كلية المدفعية الواقعة في مدخل المدينة وتمكنت خلال وقت قصير من السيطرة على منطقة "الجمعيات" جنوب مدينة حلب وغنمت كميات من الأسلحة الخفيفة والذخائر.
بتاريخ 2016-08-06 أعلنت المقاومة السورية رسميا تمكنها من فك الحصار عن أحياء مدينة حلب الشرقية، بعد نحو أسبوع من إطلاق "ملحمة حلب الكبرى" بعد إحراز تقدم كبير ومهم على حساب قوات ومرتزقة النظام في منطقة "الراموسة" والكليات العسكرية الموجودة فيها، مهد لفك الحصار عن الأحياء الشرقية المحررة، وفتح لها طريقا إلى الريف الجنوبي.
*درع الفرات
بتاريخ 2016-08-24 أعلنت المقاومة السورية عن بسط سيطرتها الكاملة على مدينة "جرابلس" الواقعة بريف حلب الشرقي، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلانها عن بدء عملية "درع الفرات" التي انطلقت صباح اليوم ذاته بدعم تركي.
وتمكنت الفصائل المشاركة في العملية خلال وقت قصير من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من كافة بلدات وقرى ريف حلب الشمالي ومعظم قرى وبلدات الريف الشرقي لتصبح اليوم على تخوم مدينة "الباب" الاستراتيجية وتحاصر التنظيم فيها.
*الحصار الثاني
بتاريخ 2016-09-08 سيطرت قوات النظام والميليشيات المساندة له على منطقة "الراموسة" بعد معارك عنيفة دارت بينها وبين المقاومة السورية التي اضطرت للانسحاب من عدة نقاط في منطقة "الراموسة" لتتقدم إليها قوات النظام وميليشياته، لافتاً إلى أن الأخير سيطر صباحاً على "معمل الغاز" و"الدباغات" ومبنى البلدية والفرن ومبنى البريد.
*غزوة الشهيد أبو عمر سراقب
بتاريخ 2016-10-28 أعلنت فصائل المقاومة السورية عن بدء "غزة الشهيد أبو عمر سراقب" والتي كانت تهدف لفك الحصار عن مدينة حلب وتمكنت خلال وقت قصير من تحرير حاجز "الصورة" الذي يعتبر مفتاح الدخول إلى "ضاحية الأسد" على أوتوستراد حلب -دمشق الدولي، إضافة إلى تحرير مناشر "منيان" في المنطقة نفسها غرب حلب.
جاء ذلك بعد إعلان "جيش الفتح" بدء دخول "الاقتحاميين" من محور "ضاحية الأسد" غرب حلب، وكسر خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام وميليشياته، ضمن هجوم شامل شنته فصائل المقاومة السورية في الشمال السوري لينتهي بسيطرتها على كامل ضاحية الأسد وقرية "منيان" وأجزاء من مشروع 3000 شقة في حي "الحمدانية" وتصبح على تخوم ثكنة "الأكاديمية العسكرية" التي تعتبر من أشد قلاع جيش النظام تحصيناً في المنطقة، وتتوقف بعد ذلك المعركة لأسباب مجهولة.
*نقطة الصفر
بتاريخ 2016-11-12 استعادت قوات النظام والميليشيات الأجنبية المساندة لها في حلب، السيطرة على كافة المواقع التي خسرتها خلال "غزوة أبو عمر سراقب" بعد معارك عنيفة ضد فصائل المقاومة السورية، لعب فيها الطيران الحربي دوراً بارزاً، وأجبر القصف الجوي العنيف فصائل المقاومة السورية على الانسحاب من "ضاحية الأسد" وقرية "منيان" و"معمل الكرتون" في المدخل الغربي لمدينة حلب.
جاء ذلك عقب بدء قوات النظام مدعومة بأعداد كبيرة من الميليشيات الأجنبية هجوماً عنيفاً على المواقع التي سيطرت عليها المقاومة السورية خلال "غزوة أبو عمر سراقب"، لتتمكن من السيطرة على آخر نقطة وهي "معمل الكرتون" الواقع بالقرب من "ضاحية الأسد".
*محرقة حلب
بتاريخ 2016-11-19 أعلنت "مديرية صحة حلب الحرة" أن القصف الممنهج والمستمر لطيران النظام والروس أخرج كافة المشافي العاملة في أحياء حلب الشرقية المحاصرة عن الخدمة.
وأشارت المديرية في بيان لها اطلعت عليه "زمان الوصل" إلى أن تدمير المشافي سيتسبب بحرمان "الشعب الصامد والمحاصر" من فرص إنقاذ أرواحهم وتركهم للموت الذي يسعى له النظام بتركهم دون أي مرفق صحي يقدم لهم العلاج.
بينما أكد مصدر طبي في المدينة المحاصرة، أن آخر المشافي التي تقدم الخدمات الطبية لسكان الأحياء الشرقية من حلب تم استهدافه في وقت لاحق بشكل مباشر بعشرات القذائف المدفعية والصاروخية، ما أدى لوقوع أضرار مادية كبيرة في مبنى المشفى وإصابات في صفوف الكادر الطبي والمراجعين.
*السقوط الكبير
بتاريخ 2016-11-28 سيطرت قوات النظام والميليشيات المساندة لها على حي "مساكن هنانو" الواقع في المدخل الشمالي للمدينة لتسيطر بعد ساعات قليلة على كافة الأحياء المحيطة به وسط انسحاب مفاجئ لفصائل المقاومة السورية نحو القسم الجنوبي من الأحياء الشرقية المحاصرة.
وخلال وقت قصير تمكنت قوات النظام والميليشيات المساندة لها من السيطرة على أكثر من 70% من الأحياء الشرقية المحاصرة، دون حدوث أي مقاومة تذكر من قبل المقاومة السورية التي كانت تتراجع بشكل سريع حتى انحسرت في مساحة جغرافية لا تزيد عن 2 كم، في أحياء "الزبدية" و"السكري" و"الأنصاري" و"المشهد".
*مبادرة ورفض
بتاريخ 2016-12-07 طرحت فصائل المقاومة السورية المحاصرة في الأحياء الشرقية من مدينة حلب عبر "مجلس قيادة حلب" مبادرة إنسانية لإنقاذ المدنيين في أحياء حلب المحاصرة تضمنت هدنة فورية لمدة 5 أيام من أجل إخلاء الحالات الطبية المستعجلة وإخلاء المدنيين الراغبين بالخروج.
وتضمنت المبادرة التي وصلت لـ"زمان الوصل" نسخة منها، 4 بنود أساسية، أبرزها تحديد وجهة الراغبين بالخروج من المدينة سواء من المدنيين أو الجرحى إلى ريف حلب الشمالي وليس إلى محافظة إدلب، باعتبار الأخيرة لم تعد منطقة آمنة بسبب القصف الروسي والسوري، إلا أن النظام وحلفاءه رفضوها.
*التهجير الكبير
بتاريخ 2016-12-15 أكد مسؤول التفاوض عن المقاومة السورية في حلب، الفاروق أبو بكر، في تصريح لـ "زمان الوصل" التوصل لاتفاق بينهم وبين مندوبي روسيا وإيران والنظام في حلب من أجل إخلاء المحاصرين من المدينة، ونص الاتفاق على تفريغ الأحياء المحاصرة من كافة المدنيين والعسكريين ونقلهم بواسطة باصات النقل إلى نقطة "عقدة الرقة" الواقعة بالقرب من منطقة "الراشدين" بريف حلب الغربي.
واستمرت عملية تهجير سكان مدينة حلب إلى الريف الغربي لمدة 7 أيام متواصلة تخللها عدة عراقيل من قبل الميليشيات الإيرانية من التي احتجزت إحدى القوافل والتي كانت تقل أكثر من 800 مُهجر لساعات طويلة، وقامت حينها بتصفية 7 منهم على الأقل ميدانياً قبل أن يستأنف الاتفاق بعد إضافة بند جديد ينص على إخراج أكثر من 2000 شخص من بلدتي "كفريا" و"الفوعة" المحاصرتين إلى حلب.
بتاريخ 2016-12-23 خرجت آخر قافلة من القوافل التي كانت تقل المحاصرين من داخل أحياء حلب الشرقية إلى الريف الغربي، ليعلن نظام الأسد عن تمكنه من "تحرير" كامل مدينة حلب بعد تهجير أكثر من 50 ألف شخص كانوا محاصرين داخلها وسط ظروف إنسانية صعبة.
أحمد بريمو -حلب -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية