يعرفه العوام باسم "الشيخ يبرق"، دون أن يكون لهذا الاسم أي علاقة بحقيقة صاحب الضريح ومكانته ومهمته، ومرتبته التي ترفعه إلى مقام المؤسس الفعلي لطائفة "النصيريين" وواضع قواعدها والمبشر بها في بلاد الشام على وجه الخصوص.
فما إن استكمل النظام ومليشياته السيطرة على حلب، حتى عرّج "العقيد سهيل حسن" على مقام "حسين بن حمدان الخصيبي" ليقوم بـ"واجب الزيارة".. زيارة التابع للمتبوع، والمريد للشيخ، والمقدِس للمقدَس.
فالضابط العلوي الملقب بـ"النمر" يدين كما غيره بفروض الطاعة والتسليم والتعظيم لـ"أبو عبدالله الخصيبي"، الذي يقع مقامه في قلب حلب، بعيدا عن المعاقل الرئيسة للطائفة، مخبأ داخل ثكنة عسكرية تسمى "ثكنة هنانو".
*نصفان
يعرفه عوام الحلبيين باسم "الشيخ يبرق"، دون أن يعرفوا أن لهذا الرجل المتوفى قبل نحو 1080 عاما دور مؤثر في تأسيس وتشكيل الطائفة، التي ستتولى –عبر حافظ ومن بعده بشار- رسم خطوط طول القتل وعرض الدمار في خريطة سوريا الحالية، وستعطي حلب منها "نصيب الأسد".
ولد "الخصيبي" أواسط القرن الثالث الهجري وتوفي أواسط القرن الذي يليه، معمرا نحو 100 عام، ويؤكد "الزركلي" في موسوعته الموسومة بـ"الأعلام" أن "الخصيبي" ليس عراقيا كما يشاع بل هو مصري الأصل، لكنه رحل إلى "جنبلاء" في العراق، ومنها إلى حلب التي استقر فيها قرابة 43 عاما حتى وافته المنية هناك، ودفن ضمن ضريح صار يعرف فيما بعد باسم "الشيخ يبرق"، إما جهلا بهوية الرجل، أو تلبيساً على الناس وتقية منهم مخافة معرفة هويته ودوره الحقيقي.
عاصر "الخصيبي" حاكم حلب حينها "سيف الدولة"، الذي اشتهر لكثرة ما كتب فيه "المتنبي" من أشعار المديح، وقيل إن "الخصيبي" أهدى لـ"سيف الدولة" أحد أهم تصانيفه المسمى "الهداية الكبرى في تاريخ النبي والأئمة ومعجزاتهم".
وفيما يبجله أتباعه والمريدون لنهجه ويفرطون في تعظيمه، يرى بعض كتاب السير والمحققين أنه ليس سوى رجل "فاسد العقيدة" أسس لطائفة "فاسدة الاعتقاد"، وهذا ليس قصرا على المؤرخين السابقين حتى يقال إنه كلام طواه الزمن، بل هو قول المعاصرين، ومنهم معممون ومتبحرون في المذاهب من "الشيعة الإثنا عشرية"، الذين يفترض أنهم أقرب الناس للعلويين.
فقد سئل "ياسر الحبيب" أحد غلاة المعممين عن "العلويين"، فأجاب أنهم ينقسمون إلى نصفين، نصف يشاركون الإثني عشرية عقائدهم، وهؤلاء من الشيعة والشيعة منهم، وقسم يتسمى بالعلويين ولكنهم ليسوا علويين وإنما نصيريون تبعا لمحمد بن نصير،الذي جاء بعقائد باطلة وبغلو باطل.. فالعلويين إخواننا لكن النصريين ليسوا بإخواننا، وفق قول "الحبيب" الذي يصف "ابن نصير" بأنه شخص "منحرف".
*ع.م.س
أما "عبد الحليم الغزي" أحد الشيعة المتبحرين في شؤون المذاهب، فيقول إن "الخصيبي" هو المؤسس الفعلي للنصيرية، ويمضي: "قبل الجنبلاني شيخ الخصيبي كان النصيرية يتبعون المذهب الإثني عشري ويأخذون منه ما يعجبهم... ومحمد بن نصير كان شيعيا في بدايته، بعد ذلك ضل وانحرف ولعن من قِبل المعصومين".
ويرى "الغزي" أن "الخصيبي" هو الذي جمع للفرقة النصيرية الحديث ونظّر لهم العقائد، التي تأسست على قواعدها فرقتهم بشكل رسمي وثابت، كما إن "الخصيبي" هو الذي بشر بالنصيرية ونشرها في الشام والعراق وإيران.
ويستدل "الغزي" على فساد وانحراف عقائد "النصيريين"، كما يسميهم، بالرجوع إلى كتبهم، ومنها كتاب "الرسالة الرستباشية" وهي "القرآن العقائدي للنصيرية" حسب وصف "الغزي".
ومما ورد في "الرسالة" في الصفحة 17: "وعلمنا أن المعنى (علي) هو الأزل القديم الأحد وأن الاسم (محمد) مُحدَث (مخلوق)، والمعنى (علي) الحزدِث (الخالق).. والمعنى المرِسل والاسم الرسول (أي إن علياً هو الذي أرسل محمد)... وأنه لا واسطة ولا حجاب بين المعنى والاسم... ولا فاصل أو فرق".
ويقول "الغزي" المعروف بعمق تشيعه إن عقيدة النصيرية تقوم على "ع.م.س"، والمقصود بـ"ع" علي ابن أبي طالب الذي هو الإله لديهم، و"م" محمد (عليه الصلاة والسلام)، و"س" تشير إلى سلمان، الذي يدعونه أحيانا سلسل أو سلسبيل.
ويؤكد "الغزي" أن النصيرية يستحلون "شرب الخمر"، وأن إنكارهم لمعاقرتها يأتي من باب التقية، فهي ذات مقام عال لديهم ويلقبونها "عبدالنور".
ويشير "الغزي" إلى محاربة النصيرية لكتب ومؤلفات تكشف حقيقتهم أو بعضها، ومنه "الباكورة السليمانية" الذي ألفه رجل كان ضمن الفرقة ثم انسحب منها، وكشف "أسرارها وانحرافاتها"، فضلا عن كتاب "تاريخ العلويين" الذي ألفه "علوي" يسمى محمد أمين غالب الطويل، وطبع عام 1924.
ورغم أن نسب "الطويل" يرجع -كما قال هو نفسه- إلى الشخصية النصيرية البارزة "مكزون السنجاري"، فإن "النصيرية" رفضوا الكتاب وصاحبه، بل إن أحد أبرز مشايخهم (عبدالرحمن الخير) انبرى لنقده.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية