في بهو داخلي لمؤسسة "فرحة" للأطراف الصناعية في الغوطة الشرقية بدمشق بدت الطفلة "غدير" وهي تختبر طرفاً صناعياً تم تركيبه لقدمها اليمنى جيئة وذهاباً، ثم تصعد درجاً رخامياً بهمة تخفي وراءها غصة وألماً ليس بمقدورها أن تنساهما بعد أن فقدت أمها وثلاثة من أشقائها ونجت هي ولكن بقدم مبتورة.
ولم تكتفِ آلة الحرب بسلب قدمها فبعد تركيب طرف صناعي لها ووقوفها من جديد، أصيبت الطفلة بشظايا في جسدها نتيجة القذائف العنقودية التي انهالت على مدينة دوما.
كانت "غدير -12 عاماً" برفقة والدتها وأشقائها في زيارة عائلية عندما سقط بالقرب منهم صاروخ أطلقته قوات النظام، فقضت أمها وأشقاؤها الثلاثة على الفور، بينما بترت قدمها اليمنى، وبعد إسعافها إلى مشفى ميداني، أفاقت من غيبوبتها في غرفة الإسعاف وأبلغتها الممرضة أن قدمها بُترت وسبقتها إلى الجنة أمها وأشقاؤها، فدخلت في نوبة صراخ انتهت بغيبوبة امتدت لساعات.
ولم تنته فصول المأساة في حياة "غدير" عند هذا الحد، فما إن تم تركيب طرف صناعي لها وعاشت فرحة مسروقة في غفلة من الزمن وعادت إلى منزل ذويها، حيث يعيش والدها وزوجته الجديدة حتى سقط صاروخ آخر لتُصاب بشظايا متفرقة تركزت في رئتيها وصدرها.
وتروي الناشطة "رزان خبية" مديرة فريق "الأمل الإنساني" الذي تولى تأهيل "غدير" والاهتمام بها أنها تعرفت على الطفلة "غدير" أثناء مرحلة علاجها الفيزيائي، وعندما علمت بقصة الطفلة وكونها باتت يتيمة، أصرت –كما تقول- على السعي لتركيب طرف صناعي لها ليساعدها في متابعة تعليمها وحياتها.
وأشارت "خبية" إلى أن أكثر ما دفعها لحب الطفلة هو الابتسامة الرائعة المرتسمة على وجهها، والتفاؤل البادي على محياها كل الوقت رغم الإصابة، ورغم كلام الناس الباعث على الشفقة أمامها، إلا أنها في منتهى الثقة بنفسها".

وأضافت محدثتنا أنها زارت "غدير" بعد إصابتها الثانية لتطمئن على وضعها الصحي، وبعد أن خرجت من عندها لم تستطع أن تمنع نفسها من التأثر الشديد إلى حد البكاء لأن "آلة الحرب ظالمة تطحن أجساد الأطفال بلا رحمة".
وأكدت "رزان" أن "الطفلة تجاوزت الآن مرحلة العلاج وباتت في حالة نفسية جيدة نوعاً ما، وتحاول –كما تقول- التأقلم مع وضعها الجديد، رغم صعوبته بالنسبة لمن هم في عمرها".
ولفتت محدثتنا إلى أن "غدير" تتنقل من بيت والدها إلى بيت جدتها لرعايتها صحياً، ولا يكف أصدقاؤها عن زيارتها بشكل يومي، مشيرة إلى أنها ستعود إلى مدرستها قريباً بإذن الله.
وحول دور "فريق الأمل الإنساني" لرعاية المبتورين في الاهتمام بـ"غدير" ورعايتها لفتت "رزان خبية" إلى أن: "الفريق في الأصل يرعى الأطفال المبتورين من كافة النواحي، الطبية والنفسية ومتابعة علاجهم.
ويسعى –كما تقول- لتقديم كل ما يلزم للأطفال المبتورين وبخاصة إذا كانوا ممن يعانون الفقر والحاجة.
ولفتت محدثتنا إلى أن فريق "الأمل الإنساني" لم يميز "غدير" عن غيرها كي لا تشعر بالتمييز القهري، وإنما اكتفى بمراقبتها ومتابعتها، مشيرة إلى الفريق "اعتاد على زيارة الطفلة مرتين أسبوعياً منذ تركيب الطرف الصناعي لها لتشعر أن الجميع بقربها، وتمكن الفريق من تقديم الدعم التعليمي كي لا تشعر بالتقصير عن زميلاتها، إضافة للدعم الطبي لتتماثل للشفاء العاجل.
وكشفت "رزان خبية" أن "غدير" مجتهدة جداً وأسرت لها في إحدى الرحلات التي شاركت فيها مع الفريق أنها تطمح لأن تصبح معلمة لأنها ترغب ان تكون شخصية اجتماعية محبوبة ولديها طلابها المحبوبون.
وتشير إحصائيات إلى وجود ما يزيد عن 1500 حالة بتر بين المدنيين في الغوطة الشرقية وحدها 20 % من بينهم أطفال.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية