أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

زيارة رايس القادمة- تسويق للأوهام من جديد (2-2) ... رشيد شاهين

عندما تتحدث رايس عما قالت التقارير إنها تحدثت عنه وان الإدارة الأميركية الحالية إنما تغادر البيت الأبيض بينما منطقتنا وكذلك العالم في حال أفضل عما كان عليه قبل استلام بوش للسلطة فهي إنما تحاول أن تدغدغ نفسها بمثل هذا التزوير للحقائق التي أصبحت معروفة للجميع والتي لا يمكن أن تمر حتى على السذج من الناس.
إن مجرد "حسبة" بسيطة ونظرة لا تحتاج إلى كثير من العمق تقول بأن العالم والمنطقة ليست أفضل حالا عما كان الحال عليه قبل قدوم بوش "الصغير" إلى الحكم. فإذا ما تحدثنا عن المنطقة فان ما قامت به الإدارة الأميركية الحالية يعتبر الأسوأ منذ انسحاب القوات الأميركية تجر أذيال الخيبة وتحمل عارها الذي لا زال ماثلا للشعوب الأميركية من فيتنام، فهي قامت بثلاثة حروب في المنطقة احتلت خلالها دولتين واحدة عربية والأخرى إسلامية، وكانت الحرب الأولى في العام 1991 حيث قامت بتدمير العراق بشكل لم يسبق له مثيل بحجة إخراج القوات العراقية من الكويت، وكان من الواضح أن الغرض لم يكن إخراج القوات العراقية من دولة الكويت بقدر ما كان يهدف إلى تدمير العراق وكل ما فيه من "انجازات" وليكون عبرة لمن يعتبر من الدول العربية التي قد تتجرا على التفكير في الحصول على ناصية العلم والتكنولوجيا، كما كان ذلك جليا من خلال الحصار الظالم الذي فرضته أميركا ومن دار في فلكها من عرب وعجم بعد أن غادرت القوات العراقية الأراضي الكويتية، وكذلك من خلال وقتل ما يزيد على المليون عراقي جلهم من الأطفال والنساء والمرضى كما تسبب - الحصار- بوجود كوارث إنسانية وبيئية قد يستغرق التعامل معها عشرات السنين.
وأما الحرب الثانية فقد قامت بها ضد أفغانستان بعد أن دمرت هذا البلد الذي هو أصلا يعاني من دمار وتخلف سببهما حكم طالبان والقاعدة وهو لم يكن بحاجة إلى المزيد من الدمار، ولقد ألقيت من القنابل على مدنه - إذا كان ثمة مدن بالمعنى الحقيقي للكلمة في أفغانستان- وعلى أبناءه ما كان يمكن من خلال تكلفتها أن يتم اعمار هذا البلد، وقامت بعد ذلك باحتلاله وتنصيب واحد من رجالاتها وقالت بأنها إنما جلبت لهذا البلد الحرية والديمقراطية، وكان ذلك كما ادعت أميركا ردا على تدمير برجي مركز التجارة العالمي، وبعد ما يقارب الثماني سنوات ها هي أميركا تفاوض طالبان في إشارة واضحة على فشل سياساتها تجاه هذا البلد.
الحرب الثالثة التي قامت بها الولايات المتحدة كانت ضد العراق والتي جاءت بناء على معلومات وأكاذيب تم تلفيقها من قبل المخابرات الأميركية ضد النظام العراقي السابق، وقامت بغزو البلد واحتلاله وتدمير بنيته التحتية واستأصلت الدولة العراقية من جذورها واستقدمت مجموعة من "عراقيي اللسان" الذين ترعرعوا في كنف المخابرات الغربية بشكل عام واتوا على ظهور الدبابات الأميركية.
لقد رفع بوش -الصغير- شعارا يقول "عالم أفضل بدون صدام" وانه "حرر العراق من الديكتاتور" فماذا كانت النتيجة، هل فعلا أصبح العراق أو العالم أفضل بدون صدام وهل قام بوش بتحرير العراق من الديكتاتور، من الواضح أن بوش لم يحرر العراق برغم تخليصه من "الديكتاتور" فهو وجيشه ارتكب ما عجز الديكتاتور عن ارتكابه، وقسم البلاد والعباد وقتل وجيشه وحلفاؤه ما يزيد على المليون من العراقيين، وشتت ما يزيد على أربعة ملايين عراقي خارج وطنهم، وما يقارب المليونين من البشر داخل العراق، عدا عن انه حاول جر البلاد إلى حرب طائفية وأهلية كان من الممكن أن تأخذ البلاد إلى التهلكة، كما أصبح العراق من أكثر دول العالم فسادا وسوء إدارة، وتم تدمير بناه التحتية، وبعد ما يزيد على خمس سنوات من الاحتلال لا زالت البلاد تعاني من عدم الأمن أو الاستقرار، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والمجاري، هذا عدا عن تدمير النظام التعليمي والصحي والاقتصادي والنفطي وغير ذلك.
لقد قام بوش وإدارته المتصهينة بالحربين الأخيرتين تحت شعار الحرب على الإرهاب والتي شرعن من خلالها ارتكاب كل الموبقات ضد أي دولة في العالم، كما سمح للأنظمة الديكتاتورية بان ترتكب الجرائم وقمع الحريات تحت هذا المسمى أو العنوان، وحول العالم إلى إقطاعية تجول فيها قواته ومخابراته كما تشاء، وأوجدت المخابرات الأميركية سجونا في دول كثيرة من العالم وخاصة العربي لخدمة شعار بوش في محاربة الإرهاب.
بوش الذي تقول رايس انه سوف يغادر بينما العالم والمنطقة أفضل استعدى إيران وكان من الممكن أن يقدم على حماقة أخرى تتمثل في ضربها لولا تورط قواته في المستنقع العراقي، كما انه لم يتهاون في الموضوع السوري وزاد من عداء الولايات المتحدة لها، وأميركا من خلال رايس عبرت عن الرغبات الأميركية الهادفة إلى السيطرة على المنطقة من خلال مواقفها وتصريحاتها التي يعلمها الجميع خلال الحرب على لبنان.
طبعا لا بد من الإشارة هنا إلى أن بوش وعلى المستوى الدولي لم يقم بما هو أفضل مما قام به على مستوى المنطقة ويمكن لمن يرغب بالتمعن أن يرى العلاقات الأميركية الروسية، وافتعال الحرب في القوقاز، وكذلك مع دول أميركا اللاتينية، هذا عدا عن علاقات أميركا ببعض الدول الإفريقية كالسودان، هذا بالإضافة إلى حالة الدمار التي خلفها على الاقتصاد العالمي والتي تعتبر الأسوأ منذ العام 1929 بحسب المحللين الاقتصاديين.
وعودة إلى زيارة رايس التي من خلالها تريد أن "تبيعنا" أوهاما من جديد، فقد كان من الواضح إن الولايات المتحدة الأميركية التي قامت بكل ما قامت به لم تستطع ولم ترغب أن تفعل شيئا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية برغم الوعود المتكررة والمواعيد شبه الأكيدة التي قطعها بوش على نفسه في هذه المسالة، وقد اقر الجميع بما فيهم فريقي التفاوض الفلسطيني والإسرائيلي وكذلك الطرف الأميركي، بان لا إمكان لعمل شيء خلال هذا العام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقد كان آخر ما قيل في هذا الشأن على لسان احمد قريع الذي أكد أن لا مجال لعمل شيء في هذا الصدد كما إن صائب عريقات قال - الأحد- بأنه لا يعتقد أن هناك إمكانية لاستمرار المفاوضات في فترة الحكومة الانتقالية في إسرائيل. إذن وبعد هذا ما الذي يأتي برايس إلى المنطقة؟ وما الذي تحمله في جعبتها هذه المرة؟ من الواضح انه ليس موضوع المفاوضات ولا وعود بوش حول قيام الدولة لفلسطينية، إنها لا تحمل سوى الخيبة برغم ما كل ما يمكن أن تقول، أخيرا فإننا نقول للوزيرة رايس إن المنطقة لا بل والعالم سيكونان أفضل بعد أن يغادر بوش وإدارته البيت الأبيض.


2008-11-3
[email protected]

(98)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي