لم تكن الطفلة السورية "مايا الحلاق" قد أتمت السنة الأولى من عمرها عندما شدّ انتباهها صوت البيانو الكريستالي أكثر من ألعاب الأطفال المعتادة لمن هم في عمرها، حيث اعتادت أصابع شقيقها العزف عليه، ونما الإحساس الموسيقي في داخلها وكبر قبل أن تتعلم الوقوف على قدميها بعد.
وتروي والدة مايا "أنوار العمر" لـ"زمان الوصل" أن ابنتها انجذبت للموسيقى في السنة الأولى من ولادتها، ولم يكن يقطع صوت بكائها حين تبكي سوى النغمات الشجية التي اعتاد شقيقها "شام" عزفها على بيانو المنزل.
وأوضحت أنها أخذت طفلتها ذات مرة إلى حفلة لابنها شام ولم يكن عمرها قد تجاوز الثمانية أشهر وكانت المفاجأة أنها لم تصدر أي صوت بكاء وظلت تسمع العزف لنهاية الحفل بانتباه شديد.
وقبل أن تكمل مايا التي تعيش في مدينة "نيوماركت" التابعة لمقاطعة "أونتاريو"، السنوات الخمس بدأت بتعلم العزف، ودأبت على تقديم معزوفات بشكل سنوي لأطفال سوريا وشعبها وثورتها، وفي هذا العام تزيّنت الطفلة المولودة في كندا بعلم الثورة، كما تقول والدتها، مضيفة أن "الكثير من الكنديين ممن حضروا الحفل سألوها عن ماهية العلم فكانت فرصة كما تقول لشرح ما يجري في سوريا".
ورغم أن مايا ولدت في كندا وتكاد تعرف شيئاً عن بلدها الأصل ولكنها دائمة التأثر بما يجري في سوريا، وكشفت والدة الطفلة أنها تساءلت ببراءة ذات يوم "ماما ليش اسرائيل عم تقصف سوريا؟" لأنها كانت تعتقد أن لا أحد يقصف السوريين سوى إسرائيل، فاحتارت الأم وترددت في الإجابة.
ومضت فترة كانت "مايا" فيها -كما تؤكد والدتها- في حالة صحية سيئة وترفض الطعام، وبالذات عندما كانت تشاهد الأطفال الغرقى في رحلات اللجوء إلى أوروبا، وساهمت بمشروع خيري كبير خُصص ريعه لتأمين عائلة سورية لاجئة وصلت حديثاً لكندا حتى أنها -كما تقول والدتها- شاركت في أول مظاهرة للسوريين بكندا وحملت لافتة تطالب فيها بالسلام وإيقاف الحرب ورددت أغنية عن الثورة ولم تكن قد تجاوزت الخامسة من عمرها.
تتعلم مايا الآن في معهد للموسيقى والعزف تابع لمؤسسة RCM وهو أعلى معهد للموسيقى بكندا، حيث تتلقى هناك –كما تقول والدتها –برنامج الكونسرفتوار الكندي الذي يتضمن معزوفات كلاسيكية، أما في المنزل فتتدرب دائماً على العزف خارج أوقاتها الدراسية، وخصوصاً أن التدريب على العزف يحتاج لوقت وجهد وتركيز شديدين.
ولفتت محدثتنا الى أن "مايا تعتمد على ذاكرتها في عزف النوط الموسيقية وتتمتع بذاكرة موسيقية نشطة، وغالباً ما تعزف دون النظر الى ورقة التنويط"، مشيرة إلى أن مدرّسة مايا في المعهد أكدت لها أنها من الأطفال النادرين الذين يحفظون المقطوعة كلها دون قراءة من الورقة.
وتابعت أن المعهد يشجعها غالباً على قراءة النوتة وعدم حفظها من أجل المقطوعات الطويلة مستقبلاً، وهي الطريقة الأفضل من الناحية الأكاديمية ولكن "مايا" تصرّ على اتباع طريقتها الخاصة في الاعتماد على الذاكرة.
وبالتوازي مع موهبتها في العزف على البيانو تتابع "مايا" دراستها في الصف السادس بمدرسة Stone Haven وتعزف على آلة "الفلوت" في الفرقة الموسيقية الخاصة بالمدرسة، كما أنها تتردد ليوم واحد في الأسبوع على مدرسة عربية لتتعلم لغة أهلها وأجدادها، وهي تتقن الكتابة والقراءة باللغة العربية رغم أنها مولودة في كندا، وتعشق الطفلة ذات السنوات الـ 11 الرسم والفن اليدوي، ولها تجربة في هذا المجال، كما تمارس رقص الباليه على الجليد وهو الأمر الذي لا ينفصل عن شغفها بالموسيقى.
وتشير الأبحاث النفسية والاجتماعية الحديثة إلى أهمية المرحلة العمرية من 6 - 7 سنوات في ارتقاء الإحساس الموسيقي لدى الأطفال وإلى أن السنوات الأولى من الطفولة تشكل الأرضية التي يتآلف فيها الطفل مع الموسيقى كما يبدأ تجاربه الأولى من الإدراك والمحاكاة للأغاني التي يسمعها ويحرك جسمه كله بشكل إيقاعي فريد يشعر خلاله بالمتعة، وعند سن السادسة يكون قد اكتسب علاقة نشطة مع الرموز الموسيقية ومن ثم يقوم بالعزف والأداء والإدراك بدرجات متزايدة من الدقة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية