برحيل المفكر صادق جلال العظم مساء أمس الأحد عن عمر 82 عاما، في ألمانيا، يكون الوسط الثقافي السوري والعربي قد خسر قامة فكرية كبيرة، لطالما أثارت الجدل وحتى آخر يوم في حياته.
فمنذ كتابه "نقد الفكر الديني" في الستينيات من القرن الماضي، إلى وقوفه إلى جانب ثورة شعبه السوري في العام 2011، وأنه معها مهما كان شكلها ومضمونها، سواء تأسلمت أو تعلمنت، بحسب قوله، ظل العظم مثيرا للجدل والاختلاف حوله. لكنه من جهة ثانية أثبت للجميع أنه الفيلسوف المنسجم مع نفسه وفكره وطوحات شعبه.
ولعل ما كتبه عن الثورة السورية، حاسما بذلك موقفه النهائي معها في مواجهة المنتقدين له، سوف يظل لفترة طويلة مادة دسمة في الأخلاق الإنسانية الرفيعة، وفيها قال:
"الثورة السورية هي ثورة، سواء تأسلمت أو "تعلمنت"، هي كاشف أخلاقي وإنساني وثقافي لكل البديهيات القديمة. هي ثورة ضد التبرير والقبول الكاذب لواحد من أكثر الأنظمة الشمولية تفسخاً وعنفاً. كل من هو منخرط في جوهرها لا يخشى منها ولا يخشى عليها. كل من هو جالس على حافتها... سيصيبه الرعب منها. أصلا الرعب واحد من أهم سمات الثورات. الثورة السورية هي من أعمق ما قامت به جماعة بشرية في منطقة جغرافية على امتداد العالم. إيقافها مستحيل، ببساطة لأنها نضجت بفعل الزمن، ولا أحد يستطيع إيقاف الزمن. وانا العبد الفقير لله وحرية الإنسان سأبقى معها... حتى لو التهمتني، حتى لو كنت من ضحاياها... حتى لو دفعت الثمن غالياً جداً لا يقل عن حياتي... سأبقى منحازاً لها ما دمت قادراً على التنفس".
ولد صادق جلال العظم في دمشق عام 1934، وتخرّج بدرجة امتياز في قسم الفلسفة في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1957، ليحصل بعدها على الدكتوراه من جامعة "ييل" في الولايات المتحدة الأميركية باختصاص الفلسفة المعاصرة، حيث قدّم أطروحته حول الفيلسوف الفرنسي "هنري برغسون".
شغل عدّة مناصب، من أهمها أستاذ للفلسفة والفكر العربي الحديث والمعاصر في جامعة نيويورك والجامعة الأميركية في بيروت التي سيُفصل منها لاحقاً بعد الضجة الكبيرة التي أثارها صدور كتابه "نقد الفكر الديني" ثم يغادر بيروت التي سُجن فيها لمدة بسيطة على خلفية هذا الكتاب للتدريس في الجامعة الأردنيّة، قبل أن يعود إلى دمشق ليعمل أستاذاً في جامعتها.
ترأّس صادق جلال العظم تحرير مجلة "الدراسات العربية" الصادرة في بيروت، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في كلية الآداب بدمشق بين عامي "1993-1998".
بعد تقاعده تنقل العظم بين جامعات عدّة في العالم، حيث عمل أستاذاً في جامعتي برنستون وهارفارد في أميركا، وفي جامعات هامبورغ وهومبولت وأولدنبورغ في ألمانيا، وفي جامعة توهوكو في اليابان وفي جامعة أنتويرب في بلجيكا، وهو عضو في أكاديمية العلوم والآداب الأوروبية.
رحم الله المفكر والفيلسوف صادق جلال العظم.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية