يفضل أبو علي اللاجئ السوري المهجر من منطقة "القصير" بريف حمص أن يطلق على هدير بابور الكاز (سمفونية الفقراء)، سمفونية لطالما شكلت في تناغمها مع أصوات (مزاريب) أمطار كوانين ما يدخل السكينة والطمأنينة والنوم أحيانا في طفولته في حقبة الثمانينات كما يقول.
أبو علي الذي لم يحمل من متاعه في لحظات الوداع الأخير عن وطنه غير هويته الشخصية وكنزه النحاسي الأصفر "بابور الكاز"، لم يتخيل يوما أن التراث الريفي الذي رافقه يذكره بوطنه سيصبح المنقذ والمنجد الوحيد له، ولبناته الأربع من عواصف جرود "عرسال" اللبنانية وصقيعها التشريني المفاجئ.
غير أنه لا كاز هنا ليملأ به أبو علي موقده الأصفر، لذلك استعاض عنه بخلط ليترين من المازوت مع ليتر واحد من البنزين كوقود بديل ليشغله عند كل صباح بارد.
فقدان الكاز ليس المشكلة الوحيدة التي تعيق مهمة "أبو علي" في تشغيل بابور الذكريات، فتبرز مشكلة غياب "النكاشة"، قبل أن يتغلب عليها بصناعة واحدة يدوية لتنظيف مجرى الوقود (الفالة) بهدف تأمين وصول الوقود إلى النار، ما يزيد النار لهيبا، ويمنح "أبو علي" فسحة من الدفء يتحلق من حولها مع بناته الأربع وزوجته في صباحات تشرين الباردة.
ورغم ضرره بصحة بناته وتلويثه لجو الخيمة بما ينفثه من دخان وروائح، يبقى البابور هو الخيار الوحيد في الوقت الحالي على الأقل، كما يقول، إلى أن يتسنى له الحصول على قسائم المازوت للتدفئة.
مئة ألف لاجئ أو نحوهم، بحسب إحصائيات رسمية، يقيمون في بلدة "عرسال" اللبنانية قرب الحدود السورية يتوزعون على 124 مخيما، لا زالوا ينتظرون أن تفرج الأمم والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن قسائم المازوت ومخصصاتهم الأممية منه عبر رسائل تستهدفهم بها، حيث لم ترسل إلا لعدد محدود منهم بحسب ما أضاف أبو علي.
*متلازمة البابور والمتة
لوحة من الأصالة والتراث والماضي الحميم الذي يعني لأبي علي من الذكريات الشيء الكثير، حول وطن وأجداد و"أيام خوالٍ" كان فيها "البابور" نجم البيوت الطينية الفقيرة في أرياف وقرى بلدته "القصير". نجم عاد ليفرض حضوره مجددا على حياة لن يدفئها بابور ولا مدفئة كما يضيف أبو علي، ويردف "حياة لن تنقشع البرودة وصقيع الجليد عنها إلا تحت سماء بلادنا وفوق أرض وبساتين القصير".
عبد الحفيظ الحولاني -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية