في سجن سري كان مدرسة من طابقين أقصى شمال مدينة "عين العرب" أمضى "محمد أبو حسن" حوالي 4 أشهر بعد اعتقاله من قبل ميليشيا "قوات سوريا الديموقراطية" بتهمة الانتساب لتنظيم "الدولة"، وتناوب على التحقيق معه خلالها محققون أكراد وأمريكيون.
ووصف أبو حسن، وهو الاسم المستعار الذي اختاره المعتقل السابق لأسباب خاصة، كيف كان يتم التمييز في معاملة السجانين للعرب مقارنة مع الأكراد السجناء الذين يتم الإفراج عنه خلال أيام من اعتقالهم، أما العرب وخاصة أبناء "صرين" و"القريتين" و"تل أبيض" والقرى المجاورة، فلا يتم إخلاء سبيلهم إلا بعد أربعة أشهر، وقد تصل مدة اعتقالهم إلى سبعة أشهر بعض الأحيان.
بتاريخ 3/6/2016 دخل إلى أحد محال باعة الدخان في مدينة "منبج" مسلحون من تنظيم "الدولة" واعتقلوا صاحب المحل "أبو حسن" بتهمة بيع وترويج الدخان، وفي اليوم التالي من اعتقاله في المنفردة تم نقله مع عشرات السجناء إلى مدينة "الباب" خوفاً من حصار "منبج"، وتم إطلاق سراحه بعد مضي 20 يوماً على الاعتقال، وفور إطلاق سراحه انتقل إلى ريف "منبج" الذي كان تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية عبر طرق تهريب بين شجر الزيتون والحقول والمزارع".
يقول أبو حسن: "عندما وصلت إلى منطقة تُدعى الشويحة التي تقع على بعد 3 كم غربي منبج المحاصرة تم إيقافي على أحد نقاط التفتيش التابعة للأكراد نظراً لأن بطاقتي الشخصية مدوّن فيها أنني من مدينة السفيرة المغضوب عليها من قبل الأكراد".
ويضيف محدثنا: "تم اقتيادي إلى سجن مؤقت بمنطقة سد تشرين، وهناك تم الاعتداء عليه-كما يؤكد- بالضرب حتى كسروا جزءاً من أنفه وبدأت الدماء تنهمر منه بشكل كثيف، وضربوه على أذنه اليمنى حتى فقد السمع منها لمدة 20 يوماً ولا يزال يعاني من مشاكل في السمع إلى الآن -كما يقول- مضيفاً أن السجانين عرضوا عليه التعامل معهم مقابل عدم اتهامه بالارتباط بتنظيم "الدولة"، رغم أنه أوضح لهم أنه كان سجيناً سابقاً لدى التنظيم بالأدلة والقرائن، غير أنهم لم يقتنعوا وأحضروا له أشخاصاً يلبسون أقنعة خاصة كي يتعرف عليهم، هل هم من تنظيم "الدولة" أم لا.
وبعد ذلك تم نقل "أبو حسن" إلى سجن "عين العرب" الذي يشرف عليه إلى جانب الأكراد قوة أمريكية، وكان السجن -كما يقول- عبارة عن مدرسة مؤلفة من طابقين ومزوّدة بقبو كبير يمتد على مساحتها.
وكان السجن يضم -كما يؤكد محدثنا- 6 زنزانات (مهاجع) كبيرة في كل غرفة منها نحو 80 سجيناً ماعدا الرابعة التي قُسمت إلى منفردات لا تتسع لأكثر من 25 شخصاً، أما هو فتم وضعه في قبو المدرسة.
وكان السجن سرياً والدليل -كما يقول محدثنا– أن سجانيه كانوا يطلبون من المعتقلين أثناء فترة التنفس في باحة السجن أن يخفضوا أصواتهم لأن "أهل المدينة لو علموا بوجودكم لن ينتظروا أن يفهموا أن لا صلة لكم بتنظيم "الدولة" سيقتحمون السجن ويقتلونكم، كون غالبيتهم فقد أخاً أو ابناً أو أباً على يد التنظيم، وكانت السيارات التي تنقل المعتقلين مدنية مغلقة بشوادر بيضاء وليست عسكرية كي لا تثير ريبة أهل المنطقة.
طوال فترة اعتقال "أبو حسن" في سجن "عين العرب" كان عدد من المحققين الأكراد ومعهم أمريكي يتناوبون على التحقيق معه وبعد أن يتم التحقيق معه من قبل المحقق الأمريكي كان يظل 25 يوماً بلا تحقيق، ثم تبدأ رحلة أخرى من التحقيق من قبل محققين أكراد وكانت أسماؤهم -كما يقول- "الحجي"، "أوسو"، "علي أبو سهر"، "بانكين" والأخير هو رئيس قسم تابع للفرع في بلدة "صرين".
وأكد محدثنا أن المحقق الأمريكي كان لديه غرفة خاصة يحقق فيها مع المعتقلين بوجود مترجم عراقي الجنسية، وعندما لا تعجبه صراحة المعتقل كان يشتمه ويهدد بتحويله إلى "الشباب مفتولي العضلات".
وكشف أبو حسن أن المعتقلين أثناء تحقيق الأمريكي معهم يكونون معصوبي العينين بقطعة جلدية، ويقوم شخص ما بضرب شيء طري بعصا غليظة، فينتج صوت عنيف يأتي من خلف المعتقل الواقف على قدميه، فيجعله في حالة خوف وتوتر دائمين، وكان المحقق الأمريكي –حسب أبو حسن- أفضل بكثير من الأكراد، فالأكراد غالباً لا يقيدون اسم المعتقل الذي تبدو عليه آثار الضرب المبرح في سجلاتهم إلا بعد شفائه، تلافياً لعرضه على الأمريكي وهو بحالة سيئة لأن الأمريكي يطلب اسم المعتقل من السجلات التابعة للسجن ولا يعلم ما بداخل المهاجع.
وروى المعتقل السابق أن شخصاً ادعى أنه مدير السجن وهو عراقي الجنسية، حسب ما علم فيما بعد دخل إلى المعتقلين في سجن "عين العرب" وطلب فرز من تم التحقيق معهم عن غيرهم فوقف محدثنا -كما يقول- في طرف غير المحقق معهم وبدأ الضابط العراقي يتفرّس في وجوه المعتقلين ويسأل كلاً منهم عن التهمة التي اعتقلوا بسببها، وأغلب المعتقلين لم يكونوا يعرفون ما هي تهمتهم.
وكان الضابط المذكور ينزعج جداً عندما يقول له أحد إنه أُوقف لدى مروره على حاجز.
وتابع محدثنا: "عندما جاء دوري وقبل أن يسألني عن التهمة بمجرد أن قلت له إنني من مواليد السفيرة –ريف حلب- شتمني وضربني وقال لي: "أنتم من قتل أهل كوباني أنتم كلكم "دواعش".
وكان بعض المعتقلين ممن ثبتت صلتهم بتنظيم "الدولة" في حال أفضل من باقي المعتقلين–كما يؤكد- المعتقل السابق إذ لم يكن هؤلاء معصوبي الأعين أثناء التحقيق، بل يجلسون بكل طمأنينة ويدخنون مع كوب الشاي أثناء ذلك، أما من لم تثبت صلته بالتنظيم فمعاملته سيئة للغاية.
وخلال 119 يوما من اعتقاله دون تهمة واضحة تعرّض أبو حسن -كما يقول- لثلاث جلسات تحقيق وفي كل مرة كان يُقال له إن التحقيق القديم تم إلغاؤه لأن المحقق انتقل إلى مكان آخر، وفي المرة الأخيرة أتت لجنة من المحققين قيل إنهم من المحكمة العسكرية وطلبوا من المعتقلين -حسب محدثنا- أن يختار كلُ منهم تهمة محددة والويل لمن يقول إنه كان يمشي في الطريق وتم اعتقاله دون سبب.
بعد أن أمضى أبو حسن فترة اعتقال امتدت لقرابة الأربع أشهر، وقّع إخلاء سبيله وأمضى في غرفة العزل مع 55 شخصاً آخرين أكثر من 10 أيام حتى أُفرج عنه تحت ضجة إعلامية تباهى الأكراد خلالها بديمقراطيتهم المثقوبة بالتمييز العنصري -حسب تعبيره- مضيفاً أنه سمع بعد إخلاء سبيله مع 56 معتقلاً آخر، أحد المتحدثين العسكريين على ميكرفون قناة "روهانا" الكردية يقول إن الإفراج عن المعتقلين تم بعد ثبوت عدم تورطهم مع تنظيم "الدولة".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية