أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شوارع الطائفة.. القتلة يقرؤون أيضاً ويفعلون

من شوارع دمشق - أرشيف

لم يكن آب 2012 شهراً عادياً لسكان حي "التضامن" بدمشق، وفوق اقتحام النظام مرات له جاءت الهجمة البغيضة من أولئك الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن نظام مستبد ضد إخوتهم وجيرانهم، وحتى ضد من أمنوا لهم العمل، وفتحوا لهم بيوتهم كنازحين ومنبوذين.

حي "التضامن" من أبسط أحياء العاصمة وأكثرها فقراً وازدحاماً، ويجمع في أزقته الصغيرة وبيوته التي تتكئ على بعضها مزيجاً من كل السوريين عرباً وتركمان وكرداً، ومن كل أطياف المذاهب السنة والدروز والعلويين الذين تجمعوا في شارع (نسرين)، وفيما بعد صاروا سكينه الدامية.

ذبح برابرة شارع (نسرين) بلا أدنى إنسانية شباناً من أبناء الحي الذين ضمهم، واعتقلوا الكثيرين بعد أن فتحوا سجوناً في حيّهم للمنتفضين (السنّة) على نظام لم يقدم لهم وظيفة شاغرة، أو حتى معونة عل اعتبار أغلبهم من نازحي (الجولان) الذين تم تهجيرهم في عام 1967 من قراهم في (عين فيت وزعورة)... القرى العلوية التي عاشت آمنة هانئة وسط بيئة سنية لم تنل يوماً من معتقدهم الباطني.

المفاجأة كانت صاعقة لبعض الأحياء التي كانت تجاور هذه التجمعات الطائفية، وحتى بعض المدن الصغيرة في ريف العاصمة عانت من ويلات من حوتهم عندما جاؤوها فقراء متطوعين في الجيش أو موظفين في الدولة في نهاية ستينات القرن الماضي، وبادروا إلى إعطائهم أراضيهم التي تحولت بيوتاً ومن ثم تجمعات أطلقت على أبنائهم النار في "المعضمية" و"داريا" و"قطنا" و"جديدة عرطوز".

في "المعضمية" و"داريا" كانت الجبال المطلة منصة للمدافع التي دمرت المدينتين، وفي داخل "المعضمية" كان الحي الشرقي والحي المجاور للمطار محطات انطلاق القتلة نحو مظاهرات الأهالي السلمية حينما استخدم الرصاص باكراً لقتل السوريين، وأما في "جديدة عرطوز" فكانت ضاحية "باسل الأسد" و"سرايا الصراع" كفيلتين بارتكاب المجازر في البلدة القديمة، وذبح أهالي حي (الفضل) في أكبر المجازر التي مارسها أعوان النظام حيث قضى أكثر من 1000 مواطن ذبحاً بالسكاكين.

أما في قلب العاصمة فتحولت أحياء مثل "مزة 86" و"عش الورور" إلى خزانات لتجميع الشبيحة، وتدريبهم، وكذلك مستودعات الأسلحة نقلت إليها عندما خرجت مظاهرات "برزة" و"الشيخ سعد" و"بساتين الرازي"، وفي "المزة 86" كانت البنادق تخرج من البيوت لتطارد المتظاهرين في كل أحياء العاصمة مع هتافات التأييد والوعيد التي تحولت إلى لطميات شيعية فيما بعد.

في المقابل كان لا بد أن تواجه أحياء الميدان ودمشق القديمة نيران "الإخوة" شيعة العاصمة، وهنا شكل جديد كان برعاية إيرانية محضة، وتدريبات خارج البلاد للدفاع الوطني وبالذات شيعة حي "الجورة" الذي انضووا في أغلبهم تحت لواء أبي الفضل العباس، وصارت نعوات قتلاهم تعلق علة جدران جامع زيد بن ثابت في شارع خالد بن الوليد.

وهنا يسأل سائل كيف غفلنا عن كل هؤلاء، هل عاش هؤلاء بيننا كقتلة مؤجلين، وينتظرون اللحظة التي تسنح لهم لحز الرؤوس، أم مغرر بهم كما يدافع عنهم البعض حتى من هم في سياق الثورة، وبعض مثقفيها.

قبل عشر سنوات كانت تباع السيوف العلوية في بسطات شوارع العاصمة، وكان (الجفر) أحد الكتب التي تحمل نبوءة نهاية الطائفة يوزع بالمجان، ثم في السنة الأولى للثورة صار يباع بكثرة في بسطات الكتب المتناثرة في دمشق، وشهد سيف الإمام "ذو الفقار" حالة من الازدهار على أعناق فتيات الطائفة وشبيحتها، ومن ثم صارت تصاميمه أجمل وأكبر.

قبل أكثر من ربع قرن كان كتاب نبيل فياض (أم المؤمنين تأكل أبناءها) أكثر الكتب السرية في بيوت أبناء الطائفة، وكذلك كان حظ كتاب (ثم اهتديت) الذي يدعو للتشيع، ويحض عليه وينتهك مشاعر السنة بصفاقة.

كل هذا برعاية سرية لنظام ينتظر لحظة ثورة الشعب على الظلم والإقصاء لثلاثة أرباع السوريين، وهو يعد عسكره ليوم يعلم جيداً أن الثورة ستجتاح كل سوريىا، وحماة التي كانت وحيدة في الثمانينات ستكون كل البلاد، وهكذا كان لا بد من إيقاظ أموات الفتنة في وقتها، والأدوات الفكرية والتضليلية جاهزة، والشركاء في إيران وحزب الله سيهرعون لنصرة المراقد التي حماها أهل الشام قروناً، وبالتالي سيكون القاسم المشترك تلك المظلومية التاريخية التي ستوحد فقراء الطائفة مع أسيادها في الداخل والخارج.

ربما يرى البعض أن رائحة طائفية يثيرها هذا التداعي، ولكنها الحقيقة التي هربنا منها كثيراً لنصحوا على دمائنا المسفوحة.

ناصر علي - زمان الوصل
(138)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي