سحقاً لهمجية الأمريكان .... نضال نعيسة

أية رجولة في قتل أناس عزل آمنين أبرياء، وأية بطولة في خرق القانون الدولي، وأية أخلاق في انتهاك حدود الدول المستقلة وذات السيادة؟ وأي هدف هذا، ومهما يكن، يبرر هذه العدوانية والبربرية الهمجية الأمريكية التي فاقت كل حدود، وذهبت ابعد من أي تصور وخيال. فلا ينم هذا الفعل، كما غيره، إلا عن وصول الأمريكي إلى مرحلة متقدمة من الطيش واللوثة السلوكية والعسكرية والاستراتيجية والضياع، وفقدان البوصلة والتوازن والأعصاب. فأي مستقبل يأمل الأمريكيون أن يصنعوه لوجودهم وبقائهم في المنطقة، وهم لم يفلحوا حتى الآن سوى في كسب مزيد من الخصوم والأعداء، نخباً، وعامة، وحتى " أنظمة وحكومات"؟

فهذا الفعل الآثم الجبان، لا يندرج تحت أي بند سوى التعويض، والاستعراض الفارغ لقوة مرّغت في التراب، ووحل العراق على أيدي المقاومين الصناديد الأبطال، الذين لم يهزموا آلة عسكرية جرارة وحسب، بل ومشروعاً جهنمياً وشيطانياً كان يسعى للإطباق والسيطرة على المنطقة، برمتها، وتجييرها لصالح الشريك و"الحبيب" الصهيوني المدلل. فهؤلاء الجنود الأمريكيون المدحورون، والذين هزموا وتراكضوا كالفئران والأرانب المسعورة والجرذان في ساح الوغى والشرف والقتال أمام المقاومين، بحاجة اليوم لأية حركة مسرحية استعراضية تعيد لهم ما ضاع من شرف وهيبة ووقار، حتى لو كانت من طبيعة الهجوم والإنزال المدجج بأحدث التكنولوجية العسكرية على قرية السكرية النائية العزلاء وتفريغ الرصاص الطائش الحاقد في أجساد غضة وبريئة كانت تلهث وراء قوت يومها ولقمة عيشها، ولم يكن لها لا ناقة ولا جمل في كل هذا الصراع. والإدارة الأمريكية التي جلبت العار والهزيمة لنفسها ولحلفائها في المنطقة عاجزة اليوم عن تحقيق أي هدف سياسي وعسكري، ومهما كان تافهاً وصغيراً، اللهم باستثناء قتل الأطفال والنساء والشيوخ في بيوتهم الآمنة والتسلل خلسة، وتحت جنح الظلام، كالوطاويط وخفافيش الظلام لتحقيق عمليات دنيئة وغادرة وإجرامية ودموية ضد أبرياء، فهم يعلمون أن أية مواجهة حقيقية مع الرجال ومع مقاومين بواسل أبطال ستعني هزيمتهم النكراء، ولا محال، وهذا حدث لهم، بالضبط، في كل من كوريا، وفييتنام، وبيرل هاربور، وأفغانستان، والعراق، والحبل على الجرار.

والولايات المتحدة ما تزال على عهدها التاريخي الذي عهدناها فيه، ألا وهو ممارسة إرهاب الدولة المنظم في غير مكان، وبقعة من العالم، وارتبط وجودها، وبقاؤها بممارسة القتل المنظم والإبادات الجماعية الـ Genocide ، في كل مكان. فمن إبادة الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الجديدة، إلى إلقاء القنابل الذرية فوق المدنيين في ناغازاكي وهيروشيما، إلى العدوان البربري الغاشم ضد دول شرق آسيا، إلى الدعم العنصري والانحياز الأرعن والمحموم لكل القتلة والموتورين في العالم وعلى رأسهم الكيان السرطاني العنصري الصهيوني، إلى حرب أفغانستان والعراق، كلها أفعال تقع تحت عنوان الإجرام وإرهاب الدولة المنظم ليس إلا، ومهما غلفت بـ"سيلوفانات" التنميق والدجل والأباطيل والاحتيال. ولم تكن الولايات المتحدة بحاجة لارتكاب مجزرة جديدة لتذكير العالم بإجرامها، ولم يكن غريباً، أو جديداً، على الإطلاق، أن تسعى لزيادة رصيدها الدموي في قرية السكرية في البوكمال السورية. فكلها شواهد وأمثلة حية تكرس تلك الصورة الهمجية والبربرية لحضارة اليانكي وطبيعته العدوانية الدموية، حضارة الموت والخزي والانحطاط. و"ياما في الجراب يا حاوي كما تقول الأمثال"، وصدق الشاعر الإيرلندي أوسكار وايلد( 1854-1900)، حين قال : "إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي انتقلت من طور الهمجية إلى طور الانحلال دون المرور بمرحلة الحضارة".

إن قيام الأمريكان، بمعية حكومة الأمعات والدمى الـ Puppets Governmen ، من صنائع المحافظين الجدد، بهذا الفعل الآثم الجبان، يعطي تصوراً واضحاً عن مستقبل هذا الاحتلال وهذه االنكرات المنبطحة التي ارتضت لنفسها أن تكون ممراً ومقراً ومعبراً للاعتداء على الجيران والأشقاء. وهذه هي أولى بواكير تطبيق الاتفاقية الأمنية التي تتنافى كلية، وبالمطلق، مع سيادة وكرامة العراق والعراقيين، ولن يكتب لها النجاح، ومصيرها الأكيد، هو الموت والفناء وحيث "يرقد" حلف بغداد، وسيرفض شرفاء العراق وأحرارها أن يلعب العراق، عراق المحبة والعراقة والتاريخ والمجد والحضارة والفخار، تلك الأدوار القذرة التواطئية التآمرية العدوانية الإرهابية التي يجرهم إليها مجرمو الحرب الأمريكان الملطخة أياديهم بدماء مليون ونصف المليون عراقي، ناهيكم عن نهب منظم وممنهج لثروة العراق بلغت مئات المليارات من الدولارات، وعمليات بدونة وترثيث متعمد لبلد الحضارات.

أن ردود الأفعال وتلك التعليقات والتحليلات الساذجة والشامتة أحياناً، التي صدرت هنا وهناك، ولكل أسبابه، لا تنطوي على أي قدر من الفهم العميق لطبيعة هذه الإدارة الرعناء التي دأبت على ارتكاب الحماقات المتتالية في كل مكان من العالم، وتساير إلى حد كبير موجة التطبيل للأمريكان. فلن يستطيع أحد ردع أي أحمق عن ارتكاب أية حماقة، وهناك فرق، ولا شك بين البطولة والفعل الفروسي وبين الحماقة. وإن كل ما قامت به الولايات المتحدة في المنطقة لا يتسم إلا بالحماقة والطيش والرعونة التي أدت إلى سلسلة الفضائح والانهيارات التي لحقت ببوش وإدارته، وتقع، حكماً، ضمن نطاق إرهاب الدولة المنظم وترتقي إلى مراتب جرائم الحرب الدولية التي يطالها القانون الدولي، ومن هنا كان سعي العسكريين الأمريكيين الحثيث لتضمين فقرة في الاتفاقية الأمنية المشينة لمنع ملاحقة ضباطها وجنودها قانونياً لعلمها اليقين بأنهم يرتكبون المجازر ولا يقومون بأي فعل نبيل آخر ومهما حاول بوش "الصغير" قول غير ذلك، ويبدو أنها نجحت في ذلك إلى حد بعيد، فحكومة الدمى الـ Puppets Governmen، لا عمل لها، في الواقع، سوى تنفيذ ما يمليه عليها الجنرالات الأمريكيين.

اتسم الرد السوري، حتى الآن، بغاية الهدوء والحضارية والدبلوماسية المطلوبة، المتمثلة باللجوء إلى الهيئات والمؤسسات الدولية المختصة وصاحبة الشأن، وبعيداً عن أية ضوضاء وجلبة وتخرصات وانفعالات وبطولات دونكيشوتية عرجاء، أوتصريحات نارية خرقاء، وإن كان ينقصها حتى الآن، وبرأينا المتواضع، سحب السفير السوري من بغداد، حتى تعود، كما عهدها، مدينة للحب والسلام، وعدم إعادته إليها، إلا بعد إعلان توضيح، وتقديم تعويضات مناسبة وعادلة لأهالي الضحايا والشهداء، فالدم السوري المقدس أغلى من سلالة هؤلاء الموتورين الأشقياء، وتقديم اعتذار علني صريح لا لبس فيه، عن هذا الفعل المشين الذي لا يقوم به سوى الأوباش، والسفلة، والقتلة، والأوغاد.

وسحقاً، وألف عار لهمجية الأمريكان، ولحكومة الدمى في بغداد.

(93)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي