أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خطيئة فتح وخطؤها الفادح ... أ.د. محمد اسحق الريفي

كان على حركة فتح، في أعقاب خسارتها في الانتخابات التشريعية أمام حركة حماس، أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي، وتشن عملية إصلاح شامل داخل صفوفها ومؤسساتها، وتعيد بناء رؤيتها الإستراتيجية للقضية الفلسطينية، آخذة في الحسبان معطيات خريطة القوى السياسية الفلسطينية، وأن تتبنى برنامجاً للتنافس الحزبي يعزز الجبهة الداخلية.

ولكن حركة فتح أهملت عملية إصلاح ذاتها، وبدلاً من ذلك انتهجت سياسة خاطئة مبنية على ممارسة الإقصاء السياسي وإلغاء الآخر تجاه الفصائل المنافسة لها؛ عبر وضع شروط تعسفية للمشاركة السياسية وتداول السلطة بين القوى السياسية، وهذه الشروط مستوحاة من الخطة الصهيوأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية لصالح الدولة اليهودية. وتلك هي خطيئة فتح الكبرى، التي تتضمن فرض وصاية شاملة وأبدية غير مبررة على الشعب الفلسطيني، واحتكار الحكم والسلطة، والاستقواء بجهات أجنبية معادية لنا والاستعانة بالأنظمة الرسمية العربية الدائرة في الفلك الأمريكي على حركة حماس من أجل تحقيق مكاسب حزبية ضيقة!

وكان الأولى بحركة فتح أن تنتهج سياسة أكثر حكمة وواقعية ووطنية في التعاطي مع تنامي قوة حركة حماس وبروزها كقوة محلية ذات عمق إقليمي لا يمكن تجاهلها أو إقصائها، وذلك بإعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، لتستوعب الفصائل الفلسطينية الفاعلة، كحركتي حماس والجهاد الإسلامي والألوية الشعبية، التي تعبر عن خيارات الشعب الفلسطيني وطموحاته. وكان عليها أن تتهيأ لاستحقاقات مرحلة حاسمة في تاريخ الصراع العربي-الصهيوني، حيث تتضمن هذه المرحلة تقرير مصير القضايا التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية، وذلك بتعزيز الجبهة الداخلية، وتوحيد الصف على أسس صحيحة، وحشد القوى السياسية الفلسطينية وتوظيفها من أجل تحقيق الأهداف الوطنية.

غير أن حركة فتح أهملت نفسها وأخذت تعلق أخطاءها على شماعة حركة حماس، وأخذت تعاديها وتستعدي العالم عليها وتحرض الشعب ضدها؛ بالتحكم في رواتب الموظفين وإحداث بلبلة وفوضى أمنية في المجتمع الفلسطيني، وبتعمق الانقسام الداخلي واتساعه. كما اتخذت حركة فتح من هواجسها تجاه سيطرة حركة حماس والحكومة التي تتولاها على غزة؛ وتصاعد قوتها في الضفة مبرراً لممارساتها الخاطئة المتعلقة بالتسوية السياسية.

وقد انعكست هذه السياسة الخاطئة لحركة فتح على مجمل مواقفها السياسية وممارساتها في الضفة وغزة؛ وحتى خارج فلسطين المحتلة. وتظهر هذه المواقف بشكل واضح في مضمون رد أمين سر مركزية حركة فتح في الداخل حكم بلعاوي على تصريحات أمين سر مركزية حركة فتح في الخارج فاروق القدومي، حيث دعا القدومي في تصريحاته التي أطلقها قبل يومين إلى إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، معتبراً أن سلطة أوسلو غير شرعية، ورافضاً الاعتراف بها وباتفاقيات أوسلو.

وبغض النظر عن مواقف القدومي من السلطة وعملية التسوية السياسية برمتها، ودوافعه، فإن تصريحاته تجسد حقيقة الانقسامات المزمنة والمستعصية التي تعاني منها حركة فتح، إضافة إلى الصراع المتصاعد بين قادتها على الصلاحيات والمواقع القيادية ومراكز صناعة القرار، ولا سيما أن حركة فتح لم تنجح حتى الآن في عقد مؤتمرها العام السادس، رغم كل الجهود المبذولة في هذا السياق منذ أكثر من سنتين.

وأثارت طريقة تعاطي بلعاوي مع انتقادات القدومي الشكوك حول إمكانية إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وحول تشكيل تيار إصلاحي يكون قادراً على وقف حالة التدهور التي تعيشها حركة فتح، وتصحيح مسارها. كما تضمن رد بلعاوي على تصريحات القدومي ما يشكك في إمكانية إنجاح الحوار وإنهاء الانقسام الداخلي، إذ حرص بلعاوي على توجيه مسار الاهتمام -عبر تصريحاته- من الصراع الداخلي في حركة فتح إلى صراع بين حركتي فتح وحماس، الذي يعمل التيار الذي ينتمي إليه حكم بلعاوي على تأجيجه وتوسيع دائرته!

فقد اختزال بلعاوي القضية الفلسطينية في سيطرة حماس على غزة في أعقاب الأحداث المؤسفة التي شهدتها قبل نحو سنة ونصف، وكأن الشعب الفلسطيني لا يعاني من الاحتلال الصهيوني ولا من الحصار الصهيوأمريكي المفروض على غزة ولا من الأجندة القمعية التي ينفذها الاحتلال في الضفة المحتلة بمشاركة الأجهزة الأمنية لحكومة رام الله غير الدستورية، وبإشراف وتمويل أمريكي وغربي.

كما يهدف بلعاوي من رده على تصريحات القدومي إلى التغطية على العملية التي يقودها محمود عباس لإعادة صياغة حركة فتح بطريقة تتناسب مع قواعد لعبة التسوية الجديدة، خاصة بعد سقوط رؤية الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لحل الدولتين، وبعد فشل عباس في تحقيق أي من الإنجازات التي وعد بتحقيقها للشعب. إضافة إلى التهرب من استحقاقات المرحلة القادمة، ومحاولة إفشال الحوار، والاستنكاف عن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

إن تصريحات بلعاوي والتصريحات الأخيرة لغيره من المسؤولين في السلطة وقادة حركة فتح، التي تزامنت مع مساعي إنجاح الحوار، تأتي ضمن سعي تيار التسوية السياسية لتضليل الشعب الفلسطيني، وحرف مسار مشروعه الوطني التحرري، وتكريس الانقسام الفلسطيني، والإجهاز على ما تبقى من حركة فتح، وتمكين الاحتلال من إقامة دولة يهودية، وذلك في سياق الانقلاب الشامل على المبادئ والمعايير الوطنية والدينية والأخلاقية...

هذه هي خطيئة حركة فتح الكبرى، وهذا هو خطؤها الفادح، فمتى ينهض الشرفاء ليعيدوا الأمور إلى نصابها، وينقذوا ما يمكن إنقاذه من حركة فتح قبل فوات الأوان، ويضعوا حداً للعبث بمصير الشعب الفلسطيني..!!

26/10/2008

(95)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي