أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"زمان الوصل" تشرّح رواية وصور الروسي "شاريفولين".. وثق مقتل ضابطين ودخل متحف تدمر المقفل من ثقب جدار

صورة توثق لحظة قتل الضابطين

• المصور الروسي صدّر مجموعته بلقطة له يتناول فيها "المشروب الرسمي لجيش الأسد"
• "شاريفولين" اعترف أن حلب تبدو مثل "ستايتغراد" التي دمرها هتلر
• تحدث الروسي بدهشة عن حميمية وحرفية جنود بلاده في "حميميم"، وكأنه يعاين ذلك أول مرة
• المراسل الحربي الروسي انتقل من حضن النظام إلى "كردستان سوريا" بمرافقة قافلة أمنية


نشر مصور وكالة "تاس" الروسية "فاليري شاريفولين" مجموعة من الصور التي التقطها في سوريا، وتحديدا في مناطق سيطرة النظام، لاسيما في كل من حلب ودمشق وتدمر، مرفقا ذلك براوية خطية.

وكشف "شاريفولين" خلال تعليقه على الصور –وربما من حيث لايدري- عن عدة نقاط مهمة من أبرزها التدمير شبه الكلي الذي طال متحف تدمر، وهرب ضباط جيش النظام من الكاميرا، وتأكيدهم على ضرورة إخفاء وجوههم إن تم تصوريهم، بزعم أن لهم أقارب يخشون على حياتهم كونهم يعيشون في مناطق سيطرة "المسلحين"!

*3 زيارات
الصور والتعليقات التي نشرها "شاريفولين" واطلعت عليها "زمان الوصل" ودققت فيها، يتحدث المصور في بدايتها عن دمشق، حيث كانت أول زيارة له إلى المدينة بعيد تدخل موسكو المباشر في سوريا (خريف 2015)، أتبعها بزيارتين أخريين، (في شباط ثم في آذار، والزيارة الأخيرة حتى نيسان).

"شاريفولين" الذي صدّر مجموعته بصورة له وهو وسط مجموعة من عناصر النظام يشربون "المتة" (يدعوها البعض المشروب الرسمي لجيش الأسد)، تحدث عن دمشق بوصفها "مدينة آمنة"، تعيش حياتها "الاعتيادية"، باستثناء "نقاط التفتيش والجنود في الشارع".

وحرص المصور الروسي على التقاط صور عادية (ليس فيها أي عنصر استثنائي)، من قبل لقطة داخل متجر للقيشاني، وأخرى داخل حمام شعبي، وثالثة داخل مطعم، أما بعيدا عن وسط المدينة فقد ركز عدسته على الأطفال محاولا تجنب إبراز الدمار، الذي ظهر قسم منه رغم ذلك.

وانتقل "شاريفولين" للحديث عن رحلته إلى حلب، مؤكدا أنه زارها مرتين، وأنها تبدو حقا مثل ستالينغراد (المدينة الروسية التي تم تدميرها بشكل شبه كلي في الحرب العالمية الثانية).

[تثير مقارنة المصور الروسي لحلب مع ستالينغراد أكثر من فكرة، أهمها أن المدينة الروسية دمرت خلال معركة دامت أقل من 6 أشهر، أما حلب فما تزال منذ نحو 6 سنوات تتعرض للقصف اليومي، بقنابل وصواريخ شديدة التدمير].

ونوه المصور الروسي بأن حلب تبدو عكس دمشق، فأصوات الانفجارات لاتكاد تنقطع في عاصمة الشمال (دون أن يذكر ما مصدر تلك الانفجارات).

ورغم ضخامة حلب وأهميتها، وقوله إنه زاره مرتين فلم يعرض "شاريفولين" سوى لقطتين اعتيادتين، الأولى من حي صلاح الدين، والثانية لقطة علوية وعامة.

أما القاعدة الروسية في حميميم (ريف اللاذقية)، فيصف المصور جولته فيها بأنها الزيارة الأكثر إثارة للاهتمام، لأنها وثقت بالصور "الحياة اليومية للجنود البعيدين عن الوطن".

*الكلمة للروس
وخلافا لجولاته الأخرى في مناطق سوريا التي كانت تحت إشراف "وزارة الإعلام" وبمرافقة شخص منها، أوضح "شاريفولين" أن زيارته إلى "حميميم" تمت بإشراف وزارة الدفاع الروسية (تؤكد هذه الخطوة الانطباع السائد عن أن القاعدة ومحيطها باتا مستعمرة روسية ليس لنظام بشار الأسد عليهما من سلطان).

وأشار المصور الروسي أن كل تحركاته في "حميميم" ونشاطه لالتقاط الصور محسوب ومبرمج بدقة من قبل وزارة الدفاع الروسية، وأنه لم يكن يستطيع الإتيان بأي حركة هناك دون علم المركز الصحفي التابع للوزارة.

وتابع "شاريفولين" حديثه عن "حميميم" وما شاهده فيها، قائلا: "أكثر ما أدهشني أكثر العلاقات الحارة جدا والرفاقية بين الناس (يقصد عناصر القاعدة)... لقد دهشت أيضا من مستوى التنظيم، فقد كان كل شيء واضح المعالم واحترافيا، لم أشاهد أي هرج أو مرج (فوضى) هناك، وبصراحة، لقد شعرت بإحساس فخر حقيقي بقواتنا المسلحة".

[كشف "شاريفولين" في هذه الفقرة بالذات عن حجم التفكك والفوضى والتدهور الذي تعيشه القوات الروسية إجمالا، فعندما يستخدم المصور كلمة "أدهشني" في سياق حديثه عن ودية العلاقات داخل حميميم، فإن ذلك يستدعي على الفور صورة مقابلة تقول إن بقية الوحدات الروسية، تعاني مشاكل جمة في علاقة أفرادها ببعضهم، وهي على ما يبدو علاقات عدوانية وانتقامية لعلها تشابه ما يسود جيش الأسد الذي تدرب غالبية ضابطه في المدرسة الروسية وتشربوا أبجدياتها.. وعندما يعود المصور الروسي ليسبق حديثه عن التنظيم والحرفية في "حميميم" بكلمة "أدهشني" فإن ذلك أيضا يستدعي صورة الفوضى والتسيب التي تعيشها بقية وحدات جيشه، وإلا لما عبر عن دهشته مما رآه في "حميميم"، ولما ختم حديثه بالتأكيد على أن ما رآه عاينه هناك يشكل مصدر فخر حقيقي بالقوات الروسية، التي يبدو أن صورتها في الداخل الروسي لاتثير الفخر ولا الإعجاب].

[رغم حديثه المستفيض عن "حميميم" وما فيها من تنظيم وودية، فإن "شاريفولين" لم ينشر سوى 3 لقطات يمكن اعتبارها أقل من عادية بل و"مخجلة"، إحداها لعنصر روسي يجري بعض التمارين الرياضية (تم التقاط الصورة بحيث يبدو وجهه عاتما وغير واضح الملامح)، والأخرى لغرفة وضعت فيها 3 غسالات بشكل غير منتظم (ولا احترافي!)، بوصفها "غرفة الغسيل" في قاعدة "حميميم"، وأيضا تم التقاط الصورة بحيث لايظهر وجه العسكريين الاثنين اللذين كانا داخل الكادر].

[تحدث "شاريفولين" بكل وضوح في الفقرة التالية مباشرة عن هروب ضابط النظام من العدسة ومحاذرتهم إظهار وجوههم، بينما لم ينبس المصور نفسه ببنت شفة حول حرص ضباط حميميم وعناصرها على إخفاء ملامحهم رغم أن من يصورهم ابن بلدهم، ومراسل حربي تم اعتماده من وزارة الدفاع التي يتبعون لها.. ولعل أقرب تفسير لإحجام "شاريفولين" عن الخوض في هذا الشأن خوفه من أن يتهم بـ"إضعاف" ثقة الروس بجيشهم، لأن التنويه بقضية إخفاء الوجوه يشير بشكل أو بآخر إلى جبن الجندي الروسي].

*استخفاف بالنظام
تحت عنوان "قصة بدون وجه"، تطرق "شاريفولين" إلى مسألة "السلامة" في الحرب، مضيفا: "كثيرا ما يطلب ضباط الجيش السوري بأن لا تظهر وجوههم، لأن لديهم أقارب يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، ويمكن أن يتم التعرف إليهم (إلى الأقرباء ) وقتلهم".

[تبدو رواية "شاريفولين" المسوغة لإخفاء وجوه ضباط جيش النظام مثيرة للاهتمام، فهي من جهة –وعلى افتراض صحتها جدلا- تسقط رواية النظام عن بأس عناصره وجنوده وتُقدّمهم بصورة جبناء يخشون "الإرهابيين" الذين يدعون محاربتهم وسحقهم ليل نهار. ومن زاوية أخرى تظهر الرواية مدى استهتار "الحليف الروسي" وازدرائه لقوات "حليفه"، وهو استخفاف سيظهر جليا وعمليا في لقطة لاحقة، توثق مقتل ضابط وإسعاف ضابط كبير آخر.. لحظة تقع ضمن الخطوط الحمراء للنظام، ولا يمكن لأحد أن يجرؤ على التقاطها –فضلا عن نشرها- ما لم يكن مستخفا بكل الضوابط التي وضعها له النظام، ومستخفا بهذا النظام تحديدا، بحيث لايخشى نهائيا أي مساءلة أو توبيخ على نشرها].

وخصص "شاريفولين" فقرة للحديث عن مرافقه السوري، مشيرا إلى أن وزارة الإعلام التابعة للنظام وضعت أمامه خيارا لانتقاء المرافق الذي يرغب، وقد وقع خياره على "باسم" الذي يتحدث الروسية بشكل "رائع" ويحمل شهادة جامعية.

وختم المصور الروسي حديثه في هذه الفقرة لافتا إلى ضرورة الحصول على إذن رسمي قبل التقاط الصور، سواء كنت في موقع تم الذهاب إليه بطلب من وزارة إعلام النظام، أو بمبادرة خاصة منك.
ويبدو أن "المبادرة الخاصة" هي التي أوصلت المصور الروسي إلى "عفرين" ضمن ما سماها "كردستان سوريا، حسب حديثه.

ولم يعط "شاريفولين" كثيرا من التفاصيل عن كيفية انتقاله من مناطق سيطرة النظام إلى "كردستان سوريا"، مكتفيا بالقول إن الأمر تعلق بعقد صفقة مع صحافيين موجودين في الجانب الكردي، وتم الالتقاء في نقطة تفتيش (لم يقل لمن تتبع)، ونقلنا إلى عفرين مع قافلة عسكرية وأمنية (لم يوضح أيضا لم تتبع هذه القافلة).

ولم ينشر المصور الروسي من أرض "كردستان سوريا" سوى لقطة واحدة تظهر مجموعة ممن سماهم "مقاتلين أكراد" قرب مدينة اعزاز.

*محظوظ
ووصل "شاريفولين" إلى الفقرة التي تحدث فيها ببعض الاستفاضة عن تجربته في تدمر، لاسيما أنها تزامنت مع المعارك التي كانت حينها (آذار 2016) ناشبة بين تنظيم "الدولة" وبين قوات النظام والمليشيات المساندة له، وانتهت بسيطرة الطرف الأخير على المدينة.

ونوه المصور الروسي بأن الجميع يحاول التنصل من إرسال الصحافي إلى مناطق الاشتباكات، بمن فيهم الجهة التي يعمل لصالحها الصحافي، لعدم رغبتهم في تحمل أي تبعات مثل مقتله.

واعتبر "شاريفولين" نفسه محظوظا لأنه وصل إلى تدمر بالتزامن مع اندلاع القتال للسيطرة على قلعتها التاريخية المشرفة على المدينة، مشيرا إلى أنه شهد لحظة السيطرة على القلعة، وأن الصور التي التقطها هناك كان هي الأعلى قيمة كونها محفوفة بأكبر نسبة من الخطر.

وتابع: "كنت ألتقط صورا لمقاتل سوري (سيتبين لاحقا أنه ضابط كبير) (الصورة الرئيسية للمادة)، يرصد تدمر عبر منظاره، عندما مر صاروخ مضاد للدبابات بيننا، وضرب الجدار الذي يحمي بعض الجنود، ما أسفر عن مقتل اثنين من الجنرالات السوريين".

[بجانب هذه الفقرة نشر "شاريفولين" صورة توثق الجنرالين القتيلين، ولكن مع تعليق يتضارب مع كلامه ومع ما تقوله الصورة نفسها.. تعليق يقول "جندي سوري جريح في قلعة فخر الدين المعني بتدمر"، فيما "شاريفولين" يؤكد بنفسه مقتل ضابطين، فضلا عن أن الصورة لاتكذب، حيث يظهر التدقيق فيها أن هناك ضابطا برتبة ركن مضرجا بدمه وملقى على الأرض، وضابطا أعلى منه رتبة وسنا على ما يبدو محمولا من قبل عنصرين، وبجانبهم عنصر من المليشيات الطائفية (من المؤكد أن الصورة المنشورة ترتبط تماما بالحادثة التي استعراضها "شاريفولين"، ومن دلائل ذلك المنظار الظاهر بوضوح في الصورة).. 

ومن جهة أخرى تثير هذه الصورة التي توثق بكل وضوح مقتل ضابط واحد على الأقل وتظهره غارقا بدمه.. تثير أكثر من تساؤل حول الصلاحيات التي تعطى للروس أو يعطونها لأنفسهم دون الاكتراث بأحد، والتي تخولهم أن ينشروا هذه الصورة، علما أنك لو بحثت في كل مواقع وصفحات النظام عن صورة لعنصر أو ضابط من قواته لحظة مقتله، لما كدت تجد شيئا يذكر، رغم أن قتلاه يعدون بعشرات الآلاف، لأن نشر هذه الصور من أكبر المحظورات، التي لا يتسامح النظام معها، بل إن الموالين يحظرون ويستنكرون إعادة نشر صورة أي عنصر منهم لحظة قتله، حتى ولو كانت هذه الصورة ملتقطة بعدسة الفصائل المعارضة، لأن الأمر في نظرهم جريمة.. ومع كل ذلك يبدو مجرد مصور روسي قادرا على تجاوز كل تلك الخطوط الحمر لدى النظام ومواليه والاستخفاف بها].

*تدمر للأشباح 
وصف "شاريفولين" مدينة تدمر بأنها "مهجورة، ليس فيها مدنيون"، مواصلا: "عندما استولى الإرهابيون (يقصد التنظيم) على المدينة، كل من لم يستطع الفرار أو لم ينخرط في تأييد خط التنظيم تم ذبحه، وهكذا فقد بقي في المدينة فقط مناصرو التنظيم العنيدون، وقبل استعادة الجيش السوري المدينة، كانوا (أي هؤلاء المناصرون) قد فروا بعيدا إلى المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون... لذلك، تحولت تدمر إلى مدينة أشباح".

[يبدو خيال "شاريفولين" واسعا وساذجا في نفس الوقت، حين يزعم أن عشرات الآلاف من أهالي وسكان تدمر كانوا موالين متصلبين للتنظيم أو عنصار فيه، ومن هنا فقد اختاروا الفرار إلى أراض يسيطر عليها التنظيم، ولم يكن خروجهم خوفا من ذبح النظام ومليشياته لهم، ولا نتيجة تهجير قسري أفرغ المدينة من أهلها لتصبح بيوتهم وممتلكاتهم مباحة للمليشيات الطائفية.. ومثل هذه الرواية الروسية البائسة لاتبالي بمصادمة مئات الشهادات، ولا حتى الوقائع العنيدة، ومن أبسطها وأوضحها وجود نحو 70 ألف نازح في مخيم الركبان الصحراوي، جلهم من سكان تدمر ومحيطها.. وهؤلاء جميعا فضلوا الوضع الجهنمي في الركبان على "جنة" النظام، وعلى "نعيم" التنظيم الذي يتهمون بمنتهى السطحية بالعمالة له].

ومضى "شاريفولين" في كشف أحدى أكثر الجوانب كارثية في تدمر التي خرجت من تحت سيطرة التنظيم كليا، وباتت تحت حكم النظام ومليشياته، حيث ادعى المصور الروسي أنه لم يستطع تصوير متحف المدينة خلال اليوم الأول من "تحريرها"، لأنه قضى الكثير من الوقت في الخطوط الأمامية وتصوير "ما تبقى" من المدينة التاريخية.

وعقّب: "لم يتبق وقت للمتحف (زيارته وتصويره)، لذلك عدت إلى هناك (المتحف) بعد عدة أيام برفقة زوجتي، كانت حينها خطيبتي، "يوليا سيمينوفا" مراسلة وكالة تاس... عندما وصلنا إلى المتحف كان مغلقا، وقيل لنا إن مفاتيحه أرسلت إلى دمشق، لذلك فقدنا كل أمل في الدخول، وثم خطرت لنا فكرة أن نتجول حول المتحف، وكان هناك فتحة ضخمة في الجدار أحدثتها قذيفة، وعبرها وصلنا إلى الداخل".

[لايستطيع المرء تجاوز ما قصه "شاريفولين" هنا، أولا لأنه يتحدث عن موقع يضم إرثا تاريخيا مهما للغاية، وثانيا لأن أمام كل عبارة مما قاله ترتسم علامة استفهام كبيرة وعلامة تعجب أكبر.. ولنبدأ من قضية عدم توفر الوقت الكافي لزيارة المتحف، وهل بالفعل كانت المسألة كذلك، أم كانت بداعي الحظر القطعي ريثما يُتِم كل طرف من النظام ومليشياته وحتى الروس "عمله" داخل المتحف؟!، وإذا كانت المسألة ضيق وقت، فلماذا لم يأت "شاريفولين" في اليون التالي وأجّل زيارته للمتحف عدة أيام (7 أيام بالضبط، حيث تمت سيطرة النظام على تدمر في 27 آذار، بينما زار شاريفولين المتحف والتقط صوره في يوم 2 نيسان، كما هو مثبت على تاريخ الصور)؟، ثم كيف لنا ولأي مهتم بالتراث الإنساني -الذي تمثل تدمر أحد ذراه- أن يغض النظر عن المفارقة الفاضحة، بين متحف مقفولة أبوابه ومودعة مفاتيحه بعيدا في دمشق، فيما جدرانه مباحة متاحة!، فهل عجز النظام أن يسد الثغرات التي أصابت جدران المتحف خلال "الأيام العديدة" التي غاب فيها "شاريفولين" عن المدينة، ولو بما تيسر من أحجار وأنقاض؟، وكيف يقول "المؤتمنون" على المتحف إن مفاتيحه في دمشق وإن المصور وخطيبته لايستطيعون دخوله، ثم يدخلانه (وياللصدفة!) من خلال فتحة اكتشفوها في الجدار، فهل كانت هذه الفتحة على وضوحها وضخامتها خافية عمن يحرسون الموقع، وهل خفي كذلك عليهم دخول "شاريفولين" منها؟!.. وإذا كان مصور يستطيع التسلل إلى داخل المتحف ثم الخروج منه، فما بالك بـ"تسلل" من هم أعلى وأوسع منها سلطة داخل المدينة، من جيش وأمن ومليشيات، بمختلف جنسياتها وأطيافها؟!.. وبالمقابل، هل يمكن لمنظمة الثقافة والعلوم الأممية (يونيسكو) أن تأخذ برواية "شاريفولين" وتثبتها في محاضر المنظمة التي ما تزال ترى في النظام ومؤسساته سلطة شرعية وأمينة وحافظة لآثار سوريا؟!].

*كالإدمان
وزاد "شاريفولين" في قصته عن تدمر فصلا جديدا، متحدثا عن لحظة دخوله إلى المتحف من خلال الفتحة: "لم أكن قد قررت بعد، ولم يكن أحد من الجنود السوريين الموجودين معنا يريد الدخول (إلى المتحف)، فقط جندي واحد دخل، كان يبدو مثل عجوز رغم أنه يناهز الأربعين... مشى في القاعات معنا، وكان حريصا جدا على المعروضات، التقط كتابا من الأرض وأزال الغبار عنه أعاده بلطف مرة أخرى إلى الرف، والتقط كسرة فخار ووضعها على الرف، كان واضحا أن كل ذلك عزيز جدا بالنسبة له... لقد كان (المشهد) مؤثرا جدا".

[بالفعل يبدو المشهد الدرامي الذي رسمه "شاريفولين" بكلماته غاية في التأثير، وكأنه انتُزع وأعيد تشكيله من عيون معلقات الشعر، ولاسيما تلك المقاطع التي تتغنى بأطلال الديار والمحبوبة!، كيف لا وهذا الجندي الأربعيني ينتمي لجيش عرف بنزاهته وترفعه عن مد يده للممتلكات الخاصة والعامة، فما بالك بإرث حضاري يعد ملكا للبشرية جمعاء!، ثم إن هذا الجندي أخذته الغيرة على كتاب وقطعة فخار ربما لاتساوي شيئا مقارنة بالتماثيل والمقتنيات التي نُهبت أمام عينيه –أو أمام عيني زملائه- من متحف تدمر ومدافنها السرية، وحمّلت بسيارات "العفيشة" من جيش النظام ومرتزقته الداخليين والخارجيين؛ لتقيّد لاحقا في سجل المفقودات، أو تضاف بكل بساطة إلى سجل تنظيم "الدولة"، الذي يتميز بأنه واسع وقابل للتوسع، أي إنه لديه طاقة تلقائية على استيعاب ما اقترف التنظيم حقا وما لم يقترف".

وختم "شاريفولين" روايته بالإشارة إلى أن "العمل في المناطق الساخنة (مناطق الحروب) مثل الإدمان على المخدرات. نعم، هناك شعور بأنك في زمن الحرب تفعل شيئا أهم بكثير من التقاط الصور في موسكو... أنا مسؤول عن عائلتي وقد تزوجت مؤخرا، وعندما تصبح زوجتي حاملا سأسعى للتصرف بحذر حتى لا أثير قلقها، سأحاول أن لا أخوض غمار مخاطر لا داعي لها، وأن لا أذهب إلى أماكن فرص الخروج منها -على قيد الحياة- ضئيلة، والصورة فيها لاتستحق ذلك".

تنويه: كل ما بين قوسين (...) ومعقوفين [...] هي شروحات وتعقيبات من "زمان الوصل"، تمييزا لها عن رواية "شاريفولين".

إيثارعبدالحق - زمان الوصل
(106)    هل أعجبتك المقالة (93)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي