تراجع إنتاج القطن وزراعته بشكل مخيف في ريف الحسكة الشمالي، فيما غابت المساحات المزروعة بالقطن في الريف الجنوبي والشرقي بشكل شبه كامل، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج والعجز عن تأمين مستلزماته إلى جانب صعوبة تصريفه بالأسعار المحددة أو المناسبة لتغطية هذه التكاليف الباهظة.
أقلع ثلاثة فلاحين كانت "زمان الوصل" تواصلت معهم العام الماضي للوقوف على واقع إنتاج القطن، أقلعوا هذا العام عن زراعة القطن في منطقتي "رأس العين" و"أبو رأسين"، أهم مناطق زراعة القطن مستقرة الإنتاج شمال المحافظة، لتوفر مصادر المياه بتكاليف أقل من غيرها من المناطق، من خلال الري السطحي من الأنهار والأودية أو من الآبار الجوفية المنتشرة بكثافة في المنطقتين.
وأرجع هؤلاء الفلاحون قرارهم إلى أنهم لا يستطيعون توفير "تمويل" لعملية زراعة القطن بسبب تكاليفها الكبيرة، بالدرجة الأولى، وغياب الدعم المقدم من "الدولة" وغياب أي دور لمؤسسات الزراعة، سواء بتوفير البذور أو الأسمدة والمبيدات الحشرية، وهذا يجعل إنتاجها متدنيا إلى درجة لا يسد ربع التكاليف المصروفة عليه، من فلاحة وسقاية أيدي عاملة، .... الخ.
وقال الفلاح "نايف الحسو" لـ"زمان الوصل" إن زراعة القطن تراجعت على حساب زراعات أخرى كالعدس والكمون والفول والشعير، والقمح لأنها أقل تكلفة، فالقطن أكثر المحاصيل حاجة للأعمال الزراعية والاهتمام، منذ البداية حتى النهاية وإنتاجه قليل يتراوح بين (150 -160 كغ /دونم مقابل 400 -500/ سابقاً) ، فالفلاح يدفع لصاحب الجرار الزراعي نحو 2000 ليرة لتجهيز الأرض للزراعة، ويدفع 500 ليرة تقريباً للعمال لزراعة الدونم الواحد (تقبيع أو جكاك)، ثم تأتي مرحلة جديدة أكثر صعوبة وتكلفة بعد بدء الري، فالقطن يحتاج إلى نحو 15 رية خلال أكثر من 5 أشهر من عمره تقريبا.
وتابع "الحسو" حديثه "تبدأ بعد أول ريّة عمليات العزيق والتسميد ومكافحة الأمراض وجميعها مكلفة، إذ يدفع الفلاح لكل عامل 500 ليرة يومياً، فيما حلقت أسعار الأسمدة فالسماد الآزوتي وصل سعره حتى 900 ألف ليرة سورية، والسماد الفوسفاتي والمعروف محلياً بالترابي لم يعد موجوداً، مضيفاً أن أي عطل في محركة مضخة الري كان يكلفه 50 ألف ليرة أجرة يد معلم "الطورنو" (المصلح)، وعند تصليحه بشكل كامل (تجفيت) فإن تكلفة ذلك 500 ألف ليرة سورية.
وأشار الفلاح إلى أنه ينتظر تحسن الأسعار بعد أن أنهى القطفة الأولى، ليبيع ما جنى من المحصول، وأنه على الأغلب سيبيع لتاجر اسمه "الكوم" صاحب محلج قرب قرية "المشيرفة" شرق "رأس العين"، والذي يشتريه نقداً بـ215 ألف ليرة، فقد باع جيرانه بـ 205 آلاف ليرة أو 206 آلاف ليرة، لافتاً إلى أن وزارة الزراعة في حكومة النظام حددت سعر 235 ألف ليرة لشراء القطن بشرط تأمين وصوله إلى حماة، وهذا الدور يقوم به التجار على الأغلب، لأن الفلاح لن يستطيع ذلك، ورغم السعر المرتفع فإن ضعف الإنتاج يجعل الخسارة حتمية.
تقول السيدة "زهرة"، إحدى العاملات في قطاف القطن، إنها في المواسم السابقة كانت تجني لوحدها ما يعادل "شل" (كيس خيش سعة 150-200 كغ)، وذلك خلال يوم ونصف، أمّا اليوم فهي وعائلتها المكونة من 5 أشخاص تجني بصعوبة قطناً يملأ "الشل".
وأوضحت السيدة الأربعينية لـ "زمان الوصل"، أن ذلك يعود إلى سوء نوعية القطن عازية ذلك إلى قلة الأسمدة وعدم مكافحة الأمراض إلى إصابته بالديدان التي حولت الجوز فحما أسود يلوث أيدي العاملين في الحقول وثيابهم.
وأضافت أن شخصاً واحداً في قريتها (الخربة) لديه حقل قطن هذا العام، فجميع الأهالي يعملون لديه، ورغم ذلك فأعداد العمال تعتبر قليلة لأن أغلبهم هاجروا إلى تركيا وهم يعملون بالزراعة هناك أيضاً.
من جهته، الناشط، "ملاذ اليوسف" قال إن أغلب مساحات الأراضي بالريف الشرقي والجنوبي تحولت إلى الزراعة البعلية قليلة التكاليف، وخاصة الشعير والقمح، إلى جانب توجه عدد كبير من الفلاحين نحو زراعة الكمون جنوب القامشلي.
ونوه الناشط إلى توقف الآبار الارتوازية عن العمل بنسبة 90 % خلال هذا الموسم لما تحتاجه من تكاليف، إضافة لقلة وغلاء المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي، ما جعل زراعة القطن تنحصر بشمال المنطقة، وبمساحات صغيره جداً مقارنة بالسابق تصل إلى أقل من ثلث المساحات بالوضع الطبيعي، وأقل من النصف بالنسبة للعام الماضي.
ويعتبر محصول القطن من أكثر المحاصيل، التي تحتاج لجهد كبير وعمل مستمر على مدى 6 أشهر، من نيسان/ابريل إلى تشرين الأول/أكتوبر، من كل عام، تبدأ بالفلاحة وتجهيز الأرض، والزراعة، والعزيق (الركاش) لتنظيفها من الأعشاب الضارة، ثم التسميد والتفريد، مع سقايات مستمرة ومنتظمة، تحتاج لمراقبة دقيقة، إلى أن يحين موعد القطاف في بداية شهر أيلول/سبتمبر، وجميعها عمليات مكلفة، لحاجتها لعدد كبير من العمال، والمحروقات خاصة في ظل الظروف الراهنة في البلاد.
وقدرت مديرية الزراعة التابعة لحكومة النظام بالحسكة، إنتاج محصول القطن للموسم الحالي بنحو 15 ألف طن من المساحة الفعلية المزروعة المقدرة بنحو 4800 هكتار من أصل 57 ألف هكتار مخصصة له، فيما بلغ إنتاج المحافظة من محصول القطن العام الماضي نحو 22 ألف طن، شحن نصفها إلى مناطق النظام في المحافظات الأخرى، واحترق النصف الثاني المخزن في تموز /يوليو الماضي، ولم يبقَ سوى 200 طن فقط مخزنة بمدينة الحسكة.
الحسكة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية