افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات السبت الدورة الخامسة لمؤتمره السنوي لقضايا التحول الديمقراطي الذي يخصصه هذا العام لموضوع "الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي".
وتجري أعماله على مدى 3 أيام في معهد الدوحة للدراسات العليا بمشاركة أكثر من 60 باحثًا من المؤسسات الجامعية والبحثية في الوطن العربي وخارجه.
وقدّم المدير العام للمركز الدكتور "عزمي بشارة" محاضرة افتتاحية ضمّنها تحليلًا لما هو قائم من علاقة بين الجيش والسياسة "ليس بوصفها خطأ، أو عارضا من عوارض الابتلاء العربي، بل نتاجا لمراحل تاريخية، وطبيعة الدولة العربية وصيرورة نشوئها وبنيتها، والبنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافة".
وأوضح الدكتور "بشارة" في البداية أنّه لا يوجد جيش بعيد عن السياسة بحكم تعريفه، لأن الجيش يتعامل يوميًا مع شؤون الحرب والدفاع، وقضايا أخرى يطلق عليها تسمية "الأمن" و"الأمن القومي"، وتراوح بين شؤون عسكرية محضة، ومسائل متعلقة بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ورأى أن هذه العلاقة بين الجيش والسياسة قائمة حتمًا في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية، مؤكدا أنّ الحالة التي يدرسها المؤتمر هي تطلّع الجيش إلى السياسة بمعناها الضيق، أي ممارسة الحكم، والاستيلاء عليه، أو المشاركة فيه، أو اتخاذ القرار بشأنه.
وأشار "بشارة" إلى أنّ نزوع الجيش نحو الحكم واتخاذ القرار أخذ صيغة "الانقلاب" في مراحل متعددة من التاريخ في أقطار عربية مختلفة، لافتا الانتباه إلى الفرق بين الانقلاب والثورة بوصفهما مفهومين، على الرغم من أنّ هدف كليهما هو خلع رأس النظام، غير أنّ الثورة تستخدم عادةً في وصف أيّ تمرد أو عصيان شعبي من خارج النظام ضد حاكم، في حين أنّ الانقلاب العسكري يأتي من داخل النظام وغالبًا ما ينتهي بتغيير الحاكم مع الحفاظ على النظام.
وأكد الدكتور عزمي في هذا السياق أنّه من ناحية الديمقراطية والتحول الديمقراطي لم يثبت أنّ الثورة الشعبية أكثر كفاءة للوصول بمجتمع ما نحو الديمقراطية، من الإصلاحات من أعلى سواء أقامت بها قيادة عسكرية بعد انقلاب أم قيادة سياسية، أم كلاهما معا.
وخلص إلى أنّ التمييز بين الثورة والانقلاب لا يرنو إلى المدح أو الذم، إنما الأهم هو التمييز بين الانقلاب لتغيير قيادة والحفاظ على النظام، والانقلاب الذي يأتي ضمن عملية تغيير اجتماعي سياسي.
وأضاف أنّ الجيوش كان لها دور في تأسيس الدولة الحديثة، وتسريع عمليات الانتقال من مرحلة إلى أخرى، مثلما كانت حالة نابليون بعد الثورة الفرنسية، ودور أتاتورك. وهناك حالات تدخّل الجيش لقيادة عملية التغيير في مراحل الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي، كما تدخّل بسبب الفراغ الناتج من ضعف المؤسسات وعجز السياسيين، ووجود ظرف كهذا وميل فكري سياسي لدى الجيش للتدخّل.
ولخّص الدكتور عزمي آخر السمات التي استنبطها في تحليله لعلاقة الجيوش العربية بالحكم تحت عنوان "لا يقوم الضباط بانقلاب من أجل أن يحكم آخرون"، إذ وقعت قوى سياسية واجتماعية في البلدان العربية عدة مرات ضحية الوهم أنّ الضباط يقومون بانقلاب في خدمتها.
وذكر أنّ الضباط لا يقومون بالتخلّي عن الحكم لمصلحة حزب سياسي إلا نادرًا. وفي أحيان كثيرة كان الانقلاب في الدول العربية هو انقلاب النظام القديم على العملية السياسية التي تتجه نحو تغييره، في محاولة للحفاظ على امتيازاته من جهة وعلى النظام الحاكم.
واستهلت الجلسة الأولى للمؤتمر بتقديم مدخل عام من خلال مناقشة "قضايا وإشكاليات نظرية" متعلقة بموضوع المؤتمر. وفي ورقته عن "الأطر النظرية لمعالجة إشكالية الدولة المتخندقة (العسكرية)".
وأشار الدكتور عبد الوهاب الأفندي إلى إشكالية اعتماد الأدبيات البحثية العربية على تجارب وبيانات مُستقاة من الواقع الغربي والديمقراطيات المستقرة، وهو ما يطرح مشكلة التعميم.
وعلى الموجة ذاتها، أكّد الباحث طيبي غماري أنّ نظريات تفسير العلاقة بين الجيش والسياسة لا يمكنها فهم العلاقة بين الجيوش العربية والسياسة، فقد أفرزت الحالات التي أنتجتها الثورات العربية، ردّات فعل متباينةً لم تتوقعها النظريات المذكورة؛ لأنّها تعاملت مع مختلف جيوش العالم بالعقلية الغربية نفسها. وقد تأثرت الجيوش العربية في تشكيلها وتنظيمها بتاريخ المجتمع وتركيبته، وبطبيعة النظام السياسي للدولة التي تنتمي إليها، ومن ثمَّ يمكن عَدّ كلّ جيش حالةً خاصةً أنتجت ردّات فعل خاصة عند قيام الثورات العربية.
من جانبه، أكد الدكتور خليل العناني النقص الملحوظ في الدراسات التي اعتمدت المناهج والاقترابات النظرية التي تُعنى بالتفسير والتفكيك للتحولات التي طرأت على العقيدة السياسية - وليست العسكرية فحسب - للجيوش العربية خلال العقود الخمسة الماضية، وغلبة الاقترابات الوصفية أو الإرشادية.
وبدءا من الجلسة الأولى في اليوم الثاني من المؤتمر، يوم الأحد ستجري الجلسات في مسارين متوازيين متزامنين في قاعتين منفصلتين، فتشمل هذه الجلسة موضوعي: "الجيش والقوى غير النظامية"، و"الجيش والسلطة في حالات الجزائر وسورية والسودان".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية