أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ابنه يروي لـ"زمان الوصل"..هكذا اغتال النظام المحامي "أحمد الموسى" واعتقل أمي وأخي في سجن تدمر

الصورة الوحيدة لأحمد الموسى المتوفرة لدى عائلته - زمان الوصل

كانت مدينة حلب أواخر السبعينات وبداية الثمانينات كغيرها من المحافظات السورية تبدو كالجمر تحت الرماد، خاصة بعد حادثة مدرسة المدفعية في 16/6/1979 التي أحكم النظام قبضته بعدها على كل شبر من البلاد بالنار والحديد.

وكان معظم المحتجين على نظام الأسد الأب من جيل الشباب، طلبة الجامعات ومن في حكمهم، وطلبة الثانوي كرديف، وكان القضاء عليهم هدفاً أساسياً لحافظ الأسد آنذاك. 

ومن بين هؤلاء المحامي "أحمد الموسى" الذي كان مثالاً للشباب الطموح الرافض للطغيان والظلم، كما يروي ابنه "نزار".

وينحدر "الموسى" من بيئة قروية تعتز بانتمائها إلى جبل "الزاوية"، درس وجدّ في دراسته حيث كان يقطع كل يوم 12 كم ذهاباً وإياباً الى المدرسة حيث لم تكن في قريته مدرسة.

ويقول "نزار الموسى" لـ"زمان الوصل" إن والده "تابع دراسته في إدلب ومنها التحق بدار المعلمين ليعمل معلماً، حيث أمضى 20 عاماً من عمره متنقلاً بين القامشلي شرقاً وسراقب والجزائر معاراً لمدة سنتين، ليستقر أخيراً في حلب، كمعلم وموجه في عدة مدارس، قبل أن يستقيل من التربية ليعمل بشهادة الحقوق التي أتم دراستها وهو معلم في المدارس.

وشارك "الموسى" –كما يؤكد ابنه- في حرب الـ67 برتبة مرشح، وتقدّم بعد وقف إطلاق النار بخطة لاسترجاع عدة قرى في الجولان المحتل، فجاء الرد بتسريحه على الفور.

وفي 18/أيلول-سبتمبر/ 1980 كان منزل المحامي "أحمد الموسى" يغصّ بمجموعة من الشبان الجامعيين، ومن بينهم طبيب متخرج واثنان طلاب طب وخريج علوم وطالب رياضيات، وكلهم كانوا من تلاميذه أيام دراستهم الأولى.

وروى "الموسى" أن والده ومن معه نووا الصيام في اليوم التالي الذي كان يوم الخميس وصلّوا الفجر جماعة، وبعدها بلحظات انتبه مع زوّاره لصوت جلبة في الخارج، وأخذ بعض احتياطاته ريثما تأكد فعلاً أن هناك تفتيشاً للبناء وأن عناصر جيش النظام يملؤون المكان.

وبعد وقت قصير طُرق الباب، فماطل والده -كما يقول- في فتحه ريثما يكون الجميع قد أخذوا أماكنهم، وريثما تضع والدته التي كانت في غرفة ثانية الحجاب على رأسها.

ويمضي محدثنا الذي كان لا يزال في الـ15 من عمره آنذاك قائلاً: "استيقظنا جميعاً على الطرق العنيف للباب، وبعد فتحه انتشر الجنود داخل المنزل باحثين مفتشين"، وعمد زوّار الفجر لتقييد يدي والدي إلى الخلف وبعد عدة إهانات تم اقتياده إلى خارج البناء".

ويروي "نزار" أن "معركة عنيفة جرت بعد ذلك بين الشبان وقوات النظام"، مشيراً إلى أنه خرج إلى الشارع فرأى والده يقف بعيداً ويحرسه عنصر تمركز ملقماً سلاحه ولسانه لا ينطق إلا سبابا وإهانات وكفرا". 

ويضيف: "بعد اقترابي من والدي طلب العنصر منا الانبطاح أرضاً، وبعد عدة مجادلات معه انبطحنا"، لكن الأمر -كما يقول- لم يستقم "فليس من شيم والدي أن لا يكون رجلاً في مواقف الرجولة وقد كان مضرب مثل برجولته".

ويتابع محدثنا أن والده "عاود الوقوف رافضاً أوامر العسكري ومكبّراً ومهللاً وشاتماً لـ"حافظ الكلب" -كما كان يدعوه- الأمر الذي أرعب ذلك العسكري الجبان ليطلق النار علينا، والدي المقيّد إلى الخلف وأنا الولد ابن الـ 15 عاماً، فسقط والدي شهيداً على الفور وأصبت أنا إصابات بالغة". 

ودارت إثر ذلك معركة عنيفة في الداخل ملأ المكان فيها صوت الرصاص والقنابل وقذائف "آر بي جي" الحارقة، واستمرت هذه المعركة 4 ساعات ونصف واستشهد فيها كل من كان في المنزل من الشبان، وقُتل من الجيش عدد كبير برواية الناس ولم يقر النظام كعادته بالحقيقة. 

أسعف "نزار الموسى" إلى مشفى الرازي بعد إصابته في يده وخاصرته، أما إخوته وأمه-كما يروي- فقد أُخذوا إلى فرع السياسية لمدة يومين ليسلّم إخوته بعدها لجده رحمه الله، أما أمه "فاطمة حمودة" فتم اعتقالها وجرى التحقيق معها وتهديدها عدة مرات بالقتل والاغتصاب إن لم تعترف بأسماء من كانوا يترددون على زوجها وحينما يئسوا من الحصول على اعترافات منها نقلوها إلى سجن حلب المركزي، حيث أمضت وراء القضبان 6 سنوات أصيبت خلالها بسرطان الثدي، فأفرج عنها حتى لا تموت عندهم. 

أما محدثنا فتم إبقاؤه في المشفى الرازي واقتيد بعدها إلى فرع الأمن السياسي ليُوضع في المنفردة رغم حداثة سنه، وتعرض -كما يقول- لتحقيق شديد من قبل الرائد آنذاك "محمد شوشة" ورافق التحقيق تعذيب شديد بكل أنواع العصي والكابلات ومن ثم بساط الريح إضافة إلى الصعق الكهربائي وهذا –كما يقول- كان أخطر أنواع التعذيب وأكثرها ألماً بالنسبة له".

وروى محدثنا أن طبيب المشفى حين ضمد له جرح خاصرته همس في أذن الرائد آنذاك: "بلا الدولاب ما بيتحمل" ليمضي بعدها في سجون النظام 12 عاماً منها 7 سنوات في سجن تدمر الرهيب. 

ولم يكتف نظام الأسد الأب بقتل المحامي "الموسى" وسجن زوجته وابنه لسنوات طويلة بل أحرق منزل العائلة بالكامل، ومن ثم تم بيعه إلى أحد عناصر المخابرات العسكرية، وكشف "نزار الموسى" أن فرع المخابرات السياسية في حلب استولى على المنزل، وحين علم بعض العناصر أن البيت ليس مفروغاً تآمروا مع عنصر من الأمن العسكري على شراء البيت من صاحب البناية الأساسي.

وتابع "الموسى" أن عناصر الفرع جاؤوا إلى والدته المعتقلة في سجن حلب المركزي وأخبروها أنهم سيبيعون البيت، وأنها أولى بشرائه طالبين منها مبلغ 83 ألف ليرة سورية ثمناً له".

ويردف محدثنا أن "عناصر السياسية أحضروا الشخص الذي كان البناء باسمه وأفرغوا البيت باسم أحدهم تحت التهديد والاتهام بصلته مع والد فوقّع مرغماً وبيعَ البيت".

واستمرت مضايقات النظام لعائلة "الموسى" بعد ذلك وتراوحت بين المنع من الوظيفة إلى عدم الترقية، وإلى الاستدعاء كلما حدث أمر ما.

وأشار إلى أن شقيقه الأصغر كان يخدم في الجيش وكان قائده يمنع عنه الإجازات لفترة ويشدد عليه حتى أحال فترة خدمته جحيماً انتقاماً من والده "الشهيد".

وذكر "نزار" أن شقيقه المذكور قضى في الأحداث الحالية في حي "الأنصاري" بحلب ببرميل من طيران النظام قرب مدرسة "عين جالوت" عام 2014.

ومع الذكرى (36) لاستشهاد المحامي "أحمد الموسى" لم يبق في قلب "نزار الموسى" الخمسيني سوى طعم المرارة والحسرة على ما آلت إليه حال السوريين، ولا يزال –كما يقول- يبحث عمن استفاد مما حدث، وعمن فهم الدرس، وأحس أن والده الإنسان عندما ضحى بنفسه وماله وولده وزوجته-رحمها الله- "كان فقط يبحث عن كرامتنا، وعن مستقبلنا دون قيد، وعن حياتنا كبشر لا كعبيد في مزرعة".

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(134)    هل أعجبتك المقالة (122)

أحلى خال

2022-01-08

الله يرحم تراب الخال و جدي الشهم.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي