أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عيد اللاجئين.. ذكريات معلقة على حبال الخيام

صالون "أبو خالد" - زمان الوصل

"صالونه" عبارة عن خيمة جهزها على عجل في غفلة عن أعين الحاسدين، "عدته" مقص وطاسة والكثير من الحكايات التي تفوح منها روائح الذكريات السورية.

أما زبائنه فهم من أولئك المراهقين الذين ملوا من رتابة أجواء المخيمات وهاموا على وجوهم متقمصين دور الفرح والبهجة في صباحية عيد علقوا ذكرياتها على حبال خيامهم.

طقوس العيد كانت مخيمة على ساحات المخيمات وممراتها في عام غربتها السادس، طقوس تعود لتجتر نفسها مع كل ومضة فرح عابرة تفرّخها شهور الغربة بعملية قيصرية بائسة لتلقيها في طريق اللاجئين.

عجوزان تعقدان مناحة وهما تحصيان أعداد الغائبين من أولادهما وأحفادهما، مسن يتحايل على نظارته لكي تحافظ على ثباتها وهو يحدق في وجوه العابرين باحثاً عن شبيه لولده الذي دفن على عجل قرب الحدود التركية من دون أن يلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة. أرملة لم تبلغ العشرين تجدد قسمها وعهدها بأن لا ترتبط برجل آخر بعد استشهاد والد طفليها اليتيمين.

أربعينية تمسح حدود الخيام باحثة عن بقعة أرض طالتها تغطية الإنترنت لترسل رسالة لأمها التي لم ترها منذ أربع سنوات عبر "واتس أب".

مشاهدات سردها الشاب وسيم ابن 16 عاماً وهو يغمض عينيه على كرسي الحلاقة في خيمة "صالون" حلاق المخيمات "أبو خالد"، مشاهدات وصور فرضت بؤسها على خيال "وسيم" وهو يمارس هوايته في الاسترخاء على كرسي "أبو خالد" الذي يشبه الأرجوحة، استرخاء يزيد من عمقه تلك الموسيقى الصادرة عن مقص "أبو خالد". 

"وسيم" لا يهتم بشكل الحلاقة وموديلها كما يقول، ولا يطالب الحلاق بحصته من الكولونيا غير المتوفرة أصلاً لدى "أبو خالد"، فهو يأتي لصالون "أبو خالد" ليمارس هوسه وإدمانه في ممارسة لعبة الاسترخاء التي لا تكتمل إلا على صوت وجلبة مقص حلاق المخيمات.

لعبة قد لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، لكنها كافية لوسيم بأن يسافر في خياله لمحافظته حمص، ويقطع شارع "الدبلان" ويمر من قرب سينما حمص ومسجد خالد بن الوليد ويمارس عشقه في الطواف حول ساعتها الجديدة.

كرسي "أبو خالد" يتأرجح كأرجوحة مجنونة بجسد الشاب "وسيم" وموسيقى مقصه تزداد خفة ورشاقة، خيال "وسيم" يبتعد ويبتعد، وفجأة تستقر كلمة "نعيماً" كطلقة قاتلة في أذنيه، ينهض عن أرجوحته، يضع 2000 ليرة لبنانية قرب طاسة الحلاق، لا ينظر في المرآة ليشهد زينته التي أنجزها حلاق المخيمات في رأسه، ويبدأ بسرد خيالاته التي عاشها وهو يتأرجح على الكرسي.

ربما فشل حلاق المخيمات في تزيين رأس وسيم الذي أثقلته الغربة واللجوء، لكنه لن يعلن فشله في العثور على أرجوحة أخرى وفي مكان آخر تمكن خياله من السفر بعيداً ليطير به ويحمله إلى محافظته حمص وشارع الدبلان.

عبد الحفيظ الحولاني -زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي