قبل مغيب شمس يوم 24 آب/أغسطس 2016، أحكمت مجموعات من الجيش الحر –بمؤازرة تركية واضحة- قبضتها على مدينة جرابلس، منهية بذلك تفرد تنظيم "الدولة" بالمدينة لمدة تزيد عن عامين ونصف، وتغلغله فيها لأكثر من 3 سنوات، حينما كان يتسمى بـ"دولة العراق الإسلامية"، ثم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".. فما الذي خسره تنظيم "الدولة" بفقدان جرابلس؟
حاولت "زمان الوصل" أن تجيب على السؤال أعلاه بالعودة إلى النماذج الخاصة بتنسيب آلاف المقاتلين القادمين من خارج سوريا بين عامي 2013 و2014، وهو الأرشيف الذي كانت جريدتنا أول وسيلة إعلام حول العالم تقوم بنشر تقرير أولي عنه ونماذج منه (راجع التقرير.......... ).
يكشف الأرشيف وبالأرقام أن تراجع التنظيم عن مدينة "جرابلس" أفقده بوابة واسعة من بوابات تجنيد العناصر، بل ربما تكون البوابة الأوسع له على الإطلاق بين كل المعابر التي سيطر عليها في كل أنحاء سوريا والعراق.

وبلغة الإحصاء التي تضع لغة الإنشاء جانبا، يتضح أن أكثر منفذ حدودي تكرر ذكره في الأرشيف هو "جرابلس" بمعدل يقارب 4 آلاف 700 مرة، مقابل تكرار أقل لمنافذ مثل: اعزاز، الراعي (تكرارهما يتراوح بين 2500 و2700 مرة)، وهذا ما يثبت أن "جرابلس" شكلت الرقم الأصعب والأهم في مجموعة المدن والبلدات الحدودية التي سيطر عليها التنظيم يوما ما، وأن خسارتها شكلت ضربة متعددة الأبعاد للتنظيم.
فمن ناحية فقد التنظيم بوابة عبور المقاتلين الأعرض، ومن ناحية ثانية خسر آخر منفذ حدودي له مع تركيا (ومع العالم الخارجي تلقائيا)، ومن ناحية أخرى تقلص حضور التنظيم في ريف حلب الشمالي إلى حد غير مسبوق، منذرا بأفول نجم سيطرته في المنطقة بشكل نهائي.
*معركة الكشف عن التكتيك والخطاب
تعد "جرابلس" من أولى المناطق السورية التي بادر تنظيم "الدولة" فيها لإعلان "إمارة"، كما إنها من أوائل المدن السورية التي سعى التنظيم للسيطرة عليها وإنهاء وجود الفصائل الثورية والجهادية فيها، وقد تم له ذلك بالفعل، بعد قتال شرس ومرير، حيث أظهرت قيادة التنظيم إصرار بالغا على التمسك بالمدينة وعدم الانسحاب منها، رغم محاصرة عناصرها واقتراب الفصائل الثورية من تحرير المدينة بدايات عام 2014.
معركة جرابلس لم تكن مجرد فرصة لكشف التنظيم عن تكتيكاته العسكرية وخططه المبيتة للاستيلاء على المناطق السورية وانتزاعها من يد الثوار، بل كانت أيضا شرارة إطلاق التنظيم لخطابه الحقيقي تجاه الثوار، بوصفهم "صحوات" و"مرتدين" و"عملاء"، لتهيمن هذه المفردات فيما بعد على خطاب التنظيم، وتصبح بندا قثابتا في بنود حربه الإعلامية ضد كل من ينتقده أو يخالفه.
ولكن أهم ما كشفت عنه معركة جرابلس تمثل في جرعة التوحش التي أفرغها التنظيم في رؤوس عناصر من الفصائل الثورية، سبق له أن قتلهم أو أسرهم في تلك المعركة، حيث فتح التنظيم الباب واسعا لسياسة قطع رؤوس الثوار والعبث بها وتعليقها، وهو الباب الذي لم يغلق حتى الآن، ولا يبدو إغلاقه ممكنا قبل تراجع التنظيم عن كامل الأراضي السورية.
ايثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية