في أحد مراكز تركيب الأطراف الصناعية في الغوطة الشرقية بدت الطفلة "ماسة" 3 سنوات وهي تلهو بلعبتها فوق سرير المعاينة، وتمارس شيئاً من طفولتها البريئة التي حرمتها الحرب منها مبكراً، فلم تتجاوز الشهر التاسع من عمرها حين أصيبت في "دوما" أثناء سقوط قذيفة هاون أمام والدها ووالدتها التي كانت تحملها في الشارع.
لـ"ماسة" وغيرها من الأطفال والنساء المبتورين ولد "فريق الامل الإنساني" الذي أخذ على عاتقه التنسيق بين هؤلاء الأطفال والنساء والجهات الإغاثية والمتبرعين من أجل تركيب أطراف لهم، وجاءت فكرة المبادرة -كما تقول- صاحبة المشروع "رزان خبية" لـ"زمان الوصل" بعد تزايد الهجمات العنيفة على الغوطة الشرقية وخاصة بالقذائف العنقودية التي تسبب حالات بتر كثيرة.
وتشير إحصائيات إلى وجود ما يزيد عن 1500 حالة بتر بين المدنيين في الغوطة الشرقية وحدها من رجال ونساء وأطفال.
وتروي "رزان" وهي موظفة في مكتب الموارد البشرية بالمجلس المحلي لمدينة "دوما" إن فكرة المبادرة جاءتها بعد إصابة شقيقها العشريني وما عاناه من سوء خدمة العلاج وبعد ذلك عاينت –كما تقول- العديد من الحالات الإنسانية لأطفال فقدوا أطرافهم ومنهم "ياسر" الذي بترت قدمه بتراً مزدوجاً، وكانت حالته سيئة لدرجة أنه لم يكن يستوعب فكرة بتر قدميه فكان يصرخ بأعلى صوته "أعيدوا قدمي".
بعد ذلك زارت "رزان" منزل "ياسر" وشاهدت حالته النفسية المدمرة وباتت على قناعة-كما تقول- بأن الأطفال هم الأولى بالعلاج والأكثر احتياجاً لمن يمد يد العون لهم ويبلّسم جراحهم".
ضمت المرحلة الأولى من مبادرة "فريق الأمل الإنساني" 5 أطفال و3 نساء و5 شبان من مدينة "دوما"، وهناك -حسب "رزان" أسماء وأعداد أخرى لأطفال ونساء في الغوطة كمدينة "حمورية" و"سقبا" وغيرها.
بعد هذه المرحلة بدأت "رزان" بالبحث عن باقي الأطفال وفوجئت بالأعداد الكبيرة ممن يعانون من بتور ولا أحد يستجيب لندائهم، وانطلقت المبادرة -كما تقول- بكادر قليل من الشبان والفتيات المتطوعين وبدعم ذاتي قليل، بهدف دعم هؤلاء الأطفال نفسياً وزرع الأمل في نفوسهم من خلال تقديم الخدمات الطبية والإنسانية لهذه الفئة من المجتمع بالدرجة الأولى فهم لا ذنب لهم في الحرب.
وتروي محدثنا قصة أحد الأطفال الذين تحسنوا بعد تقديم الدعم النفسي لهم من قبل فريق المبادرة، وكان هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره واستشهد والده وأخوه أثناء إصابته يحبس نفسه بغرفة معزولة كي لا يشاهده أصدقاؤه.
وعندما تبنى الفريق علاجه فوجئت "رزان" -كما تقول- بجمال ابتسامته كما أضحكها عندما كشف لها أنها المرة الأولى التي يركب فيها سيارة، وهنا -كما تقول- أحست بتحسن العلاج وأهمية الدعم النفسي في حياة هؤلاء الاطفال.
ولفتت محدثتنا إلى تبني مجلس محافظة ريف دمشق في الغوطة الشرقية للمبادرة وتقديمه الدعم لها إيماناً بفكرتها، حيث قدم سيارة لنقل الأطفال المبتورين إلى مركز العلاج وإعادتهم إلى منازلهم، منوهة بالجهد المبذول من المدير التنفيذي للمشروع "بلال" الذي كان يحمل الأطفال على ذراعيه من منازلهم إلى وسيلة النقل وبالعكس، وكان لمؤسسة "فرحة" للأطراف الصناعية في الغوطة الشرقية -كما تقول- دور في إنجاح المشروع من خلال تقديم العلاج للأطفال المبتورين.
وأثنت مديرة المشروع على دعم مجلس محافظة ريف دمشق في الغوطة وعلى رأسه المحافظ المهندس "أكرم طعمة" للمبادرة وتشجيعها مادياً ومعنوياً.
وناشدت المنظمات الإنسانية ذات الشأن بالمبتورين لتقديم الدعم للمبادرة لأن الأطفال ضررهم في الحرب مزدوج، فهم خسروا أطرافاً من أجسادهم كما خسروا أياما قضوها باليأس والتفكر بالمستقبل.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية