هم ليسوا كغيرهم من الأطفال، فليس من حقهم أن يغادروا خيمتهم لأن قاتلهم يتربص بهم في الخارج، إنه شمس لبنان المحرقة التي تسيطر بلظاها على هذه المخيمات والجرود القاحلة، هي الأخرى قد تشارك في قتل الأطفال اللاجئين، لتهمة بسيطة وهي أنهم ينتمون لحزب "أطفال القمر".
"عدي" ابن السنة الواحدة وأخته "نور" ابنة الأربعة أعوام وأخته "نغم" ابنة الثلاثة أعوام لم ينتسبوا لهذا الحزب بإرادتهم، بل وقعوا بين براثنه نتيجة عامل وراثي كما قال الطبيب لوالدهم، "عدي ونور ونغم" ليس من حقهم أيضاً أن يمتلكوا بشرة صحية كباقي الأطفال، فأصحاب هذا المرض يمتلكون بشرة بيضاء جداً ومنقطة بنقط بنية اللون مما يجعل وجوهم تشبه شكل القمر، ومن هنا أتت تسمية هذا المرض بـ"أطفال القمر".
يقول الطبيب "محمد الزغل" المتخصص بأمراض الجلد بأن هذا المرض وراثي يعاني فيه المصاب من حساسيّة مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية، سواء القادمة من الشمس أو من أنواع معينة من الفوانيس.
ويتابع الطبيب "محمد الزغل" الذي شخّص العديد من المرضى- إن هذا المرض هو سرطاني بالنسبة للمرضى غير المحميين، ويتكاثر في الوجه ويمكن أن يشوهه، ويعيش المريض بين 10 و15 عاما ثم يموت، ولكن بإمكان من يقي نفسه أن يعيش إلى 70 أو 80 عاما.
ويضيف أن العلامات الأولى لهذا المرض تشمل وجود القليل من الجفاف في بشرة المصاب به، وكلما اقترب من مصدر الضوء يصعب عليه تحمل تلك الإضاءة، لتبدأ بعدها البقع البيض والبنية بالظهور، وأما عن علاج هذا المرض فيتابع الطبيب بأنه لم يتوصل العلم حتى الآن إلى اكتشاف علاج ناجح ضد هذا المرض لكن تبقى "الاحتياطات" والتدابير اللازمة أفضل وأهم بالنسبة للمريض .
وتتمثل هذه التدابير في عدم التعرض لأشعة الشمس أو لأي نوع من الأشعة سواء كانت طبيعية أو اصطناعية، وهو ما يفرض على المصاب نمط عيش خاص وقاس، إلا أنه ضروري لتخفيف وتيرة تطور المرض بشكل سريع.
كما يلزم المريض استعمال مراهم مركزة وحمل نظارات شمسية وأقنعة خاصة أثناء التعرض للشمس.
أبو عدي "زياد رعد" اللاجئ من منطقة القصير والد "أطفال القمر" الثلاثة لا يطلب أكثر من أبسط أدوات الوقاية لأولاده والذين يعانون من ترقق كبير في شبكية العين وانحراف، هو يريد نظارات طبية لهم، ومع ذلك ورغم طرقه لكل أبواب المشافي وأصحاب الشأن في "عرسال" إلا أنه عاد خائباً، هو لا يحلم كما يقول بأكثر من أن يراه أطفاله، عندما يرتدون نظاراتهم الطبية، أن ينظروا في وجهه ليعرفوا كم يحبهم وحزين لحالتهم ووضعهم المأساوي، ومع ذلك يقف عاجزاً عن تبرئة ضميره أمامهم كأب لا يستطيع حتى تأمين نظارات طبية لهم.
تقول "نور" بنت القمر الكبرى أخاف أن ألعب بين رفاقي في ساحة المخيم لأنني أعرف أنني لا أشبههم وشكلي مختلف عنهم، ولا أقدر أن أفتح عينيّ في الخارج بسبب أشعة الشمس القوية.
"أم عدي" قامت بصبغ شعر بنتيها باللون الأسود منذ فترة لتجعلهن يشعرن أنهن كباقي البنات، غير أن ذلك سرعان ما انتهى بعودة لون شعره لسالف عهده لامعاً كضوء القمر، هي لعنة الاسم تلاحق أطفال "أبو عدي" أينما حلوا كما يقول الأب، فشتان ما بين أطفال لأب لاجئ فقير معدم يسكن في خيمة لاحول له ولا قوة غير قادر على تأمين حتى نظارة لأطفاله، وبين "أبناء القمر" ذلك الكوكب الذي لم يره في سماء بلاده منذ أكثر من 5 أعوام قضاها لاجئا في لبنان هنا بعيداً عن وطنه وقمره.
عبدالحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية