أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من قصص اللجوء.. قاصرات سوريات يدخلن قفص الخيمة الذهبي

صورة تعبيرية - أرشيف

"عبير ونغم وإسراء وريتا" جيل من القاصرات السوريات اللاتي لم يكتب لهن أن يكملن فصل طفولتهن الأخير هنا في مخيمات "عرسال" اللبنانية، ربما لأنها "القسمة والنصيب" كما تقول "عبير" (15 عاماً)، أو لأنها "سنّة الكون" التي لا هروب منها ولا محيد عنها كما تقول "نغم" (17 عاماً).

فصل طفولة لم يستطع أن يكمل طريقه إليهن، إذ سرعان ما تعثر بخاتم ذهبي، إنه خاتم الزواج، "عبير" لم تكن تتوقع أن تصبح في هذه اللحظة من حياتها بطلة لقصة تأخذ فيها دور الزوجة وربة المنزل والكنة المدللة وهي لاتزال مسكونة بحكايات "هايدي" وجبال "الألب" وغيرها من برامج الأطفال الساحرة، لكنها كما تقول أدركت وفي لحظة ما، أنه شتان ما بين جبال "الألب" الساحرة التي ضمت "هايدي" وجدها في ذلك الكوخ الساحر المدهش الذي يحيط به الثلج والنعاج طيلة أيام العام، والتي كانت تأسرها وتجعلها تسافر في أخيلتها وعواملها المدهشة الغرائبية أمام شاشة التلفاز، وبين جبال "عرسال" الموحشة الباردة التي تضم آلاف الخيام المحاطة بحواجز الجيش اللبناني ورشاشاته الثقيلة والتي تحوي أهلها وأبناء منطقتها من لاجئي القصير.

ولتدرك لاحقاً، كما تضيف، أن البنت ليس لها إلا بيت زوجها وعائلتها التي تؤسسها مع شريكها الجديد بحسب ما كن يقلن لها نسوة قد عاركن الحياة وعرفنها من قرابتها وذويها.

"محمود الدعيم" (20 عاماً) كأي مراهق أحب أن يكتشف جمالية تلك المؤسسة الدافئة وحنانها وسكينتها الأبدية التي تسمى الأسرة، لم يأتِ "محمود" على حصان أبيض كذلك الذي يشبه الحصان "جوبيتير" والذي لطالما عشقته "عبير" في برامج الأطفال أيضاً. فلا مكان بين المخيمات وأزقتها الخانقة لاستيعاب أحصنة بيضاء.

أتى "محمود" كما يأتي كل راغب في الزواج داخل المخيمات، ممتطيا صهوة حزنه وانكساره الذي يخفيه خلف قناع فيه من الفرح والسعادة ما يوحي بالإصرار على متابعة الحياة حتى آخر شهيق، على سنّة الله ورسوله وبحضور شاهدين وكاتب عقد.

نقل "محمود" القاصر "عبير" من عالمها الطفولي الطاهر إلى عالم المسؤولية والزواج وتكوين العائلة وإنجاب الأطفال.

ربما سألوا "عبير"، كما تسأل كل بنت عن قبولها لعرض عريسها، هل تقبلين بـ"محمود الدعيم" بعلاً لك؟، وربما وافقت بالإجابة بالقبول أيضاً، "محمود" كتب مهراً بما يرضي الله وعبير وأهلها، مقداره ألف دولار معجل وألفان مثلها مؤجل، وكلاهما غير مقبوضين على أن يظلا ديناً في ذمة العريس حتى يتوفرا بين يديه.

أصبحت "عبير" ربة خيمة تنجز كل واجبتها الزوجية التي غاب عنها أكثرها، شأنها شأن أي عروس تدخل إلى بيت الزوجية في هذا العمر المبكر.

لا تختلف قصة "نغم عامر" عن قصة عبير، فهي الأخرى تزوجت وعمرها (15 عاماً) من "محمود عبد النبي" (21 عاماً). وإن كانت تميزت عنها بأنها تمتلك لعبة، لعبة تعوض عليها شيئاً مما فاتها من طفولة، لعبة تحبها كثيراً وربما تعلمت مؤخرا كيف تطعمها وتنظفها، إنها باكورة أطفالها وعمره الآن عامان.

*جواز الزواج بين الشرع والقانون
ما بين الشرع والقانون هناك فسحة للخلاف في الرأي حول موقف كليهما من زواج القاصرات، فبينما يرى القانوني "عبد الرحيم الأسعد" أن الفتاة قانوناً هي من بلغت 18 عاما من عمرها بحسب التعريف الدولي للطفل والمعتمد من هيئات أممية مثل  "يونسيف"، وكل ما دون ذلك تسمى طفلة ولا يجوز تزويجها أو تسجيل عقد زواجها في المحاكم والمؤسسات ذات الصلة، إلا إذا رأى القاضي ما فيه من المصلحة والفائدة خلاف ذلك بحسب تقديراته ورؤيته للقضية.

يرى الشرع بحسب إفادة "زكريا حاميش" خريج كلية الشريعة من جامعة دمشق أن الأب يحق له تزويج ابنته بتوفر شرطين لا ثالث لهما، بلوغها سن الزواج من جهة، واستئذان البنت وأخذ موافقتها من جهة ثانية، مشيرا إلى أن سكوت الفتاة موافقة لها على القبول بالزواج.

ظاهرة زواج القاصرات انتشرت بين السوريين بشكل ملفت خلال سنوات الحرب التي تشهدها سوريا وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تيسير عمليات الزواج والتسريع فيها بعدما صارت أغلب العائلات تغض الطرف عن قضية المهر والأثاث وباقي الشروط التي كانت تفرض على الشاب قبل الثورة، لتصبح خاتما وليس بالضرورة أن يكون من الذهب وبعض الألبسة كما تقول "أم وحيد" وهي التي زوجت ثلاث بنات من بناتها بهذه الشروط.

فيما يرى الأخصائي الاجتماعي "محمد صفوح الزعبي" أن زواج القاصرات له ما له وعليه ما عليه، ومن أخطر سلبياته على الأسرة السورية هو ارتفاع نسب الطلاق بين القاصرات بعد فترة قصيرة من الزواج وذلك لعدم قدرتهن وخبرتهن الكافية للإمساك بدفة القيادة داخل الأسرة الجديدة والوصول بها إلى بر الأمان، وغالباً ما تكون نتائج الطلاق كارثية على البنت القاصر.

"عبير ونغم وإسراء وريتا" هن زوجات الآن يقمن في عش زوجية قوامه خيمة، يخضن تجربة ربما لازلن صغاراً عليها، وقد يسعين بكل ما لديهن من إرادة وحب ليكن نواة لعائلات سورية تثبت للعالم صمودها ورغبتها في البقاء والحياة وتحدي الموت حتى من داخل خيمة.

عبدالحفيظ الحولاني - عرسال - زمان الوصل
(153)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي