في ذات اليوم الذي قصفت فيه طائرات النظام السوري ثلاثة مواقع لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في الحسكة في 18/8 الأسبوع الماضي، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتوعد من سماهم بأتباع حزب العمال الكردستاني بالعقاب، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب" (ypg)، قبلها بخمسة أيام فقط أعلن وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" ونظيره التركي "مولود جاويش أوغلو" العداء للتجربة الكردية في سوريا.
في قلب هذه الحركة السياسية، بعد التقارب الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، وخصوصا بعد زيارة "ظريف" إلى أنقرة وفتح إيران قاعدة "همدان" العسكرية أمام القاذفات الروسية، اندفع الأسد للبحث عن دور قد يلعبه في الملف الكردي، واختار ضرب الأكراد ليكون في قلب التقاطعات الإيرانية التركية في المسألة الكردية، سيما وأن وزيري الخارجية الإيراني والتركي اتفقا بصوت واحد على أن أمن تركيا من أمن إيران والعكس صحيح.
أما روسيا، فليس واضحا أنها، ليست في صلب التقاطع الإيراني التركي ضد الأكراد حتى الآن، فممثل حزب الاتحاد الديمقراطي علي "عبد السلام" لا يزال يمثل الحزب في مكتبه في موسكو. إلا أنها تعتبر ما جرى إضعافا للدور الأمريكي الداعم للأكراد وهي في هذه الحالة ستكون مسرورة بكل تأكيد.
في موازاة ذلك، من الواضح تماما أن قرون الاستشعار الأمريكية مازالت بحالة جيدة في سوريا، ففي اجتماع المبعوث الأمريكي لسوريا "مايكل راتني" مع الهيئة السياسية في الائتلاف في العاشر من الشهر الحالي، طلب "راتني" من الائتلاف التحاور مع حزب الاتحاد الديمقراطي، لخلق شبكة متينة –من وجهة النظر الأمريكية- قادرة على التأثير فيها في مواجهة السطوة الروسية على قرار النظام.
وحين شنت مقاتلات النظام السوري ضربات على مواقع حزب الاتحاد، فهمت واشنطن أنها الدولة المعنية أولا بهذه الضربة كونها تمس الحليف العتيد ضد تنظيم "الدولة"، وسارع في 19/8 في اليوم التالي للضربة المتحدث باسم "بنتاغون" الكابتن "جيف ديفيس" إلى إرسال رسائل واضحة، أن بلاده ستحمي مناطق سيطرة "وحدات الحماية" وعلى الأسد أن يفهم أن هذه القوات التي استهدفها هي من تقاتل تنظيم "الدولة"، كما أن الولايات المتحدة تمتلك قوات في هذه المناطق وعليه أن يحذر.. وذهب مسؤول أمريكي آخر إلى أبعد من ذلك بالقول سيخسر الأسد طائراته لو كرر ذلك مرة أخرى.
هنا؛ اكتملت الصورة الإقليمية والدولية حول الاقتراب من الأكراد، توافق إيراني -تركي يكون فيه الأسد موظفا صغيرا بطائراته، وصمت روسي تحركه مستقبلا خارطة الصراع على الأرض وتطور العلاقة مع الأمريكي، وموقف أمريكي يخشى على الحليف من ضربات الآخرين في ذروة المعركة مع تنظيم "الدولة"!؟
طوال السنوات الخمس الماضية من الصورة السورية، كانت عقيدة حزب الاتحاد الديمقراطي العسكرية والسياسية، تقوم على عدم الاشتباك المجاني مع النظام ومادام هذا النظام لا يقترب من خطوط التماس في هدنة معلنة أو غير معلنة، فالأفضل الإبقاء على هذه الحالة الملائمة للطرفين.. "حالة اللاحرب
واللاسلم".
وترسخت هذه العقيدة أكثر، حين ارتفع عدد الأعداء لحزب الاتحاد الديمقراطي، بعد تركيا و"النصرة" وتنظيم "الدولة"، حتى مع بعض فصائل الجيش الحر، فتمسك الحزب بهذه الاستراتيجية على مبدأ قاعدة الخبير العسكري الألماني "كلاوزفيتز" "من يحارب على كل الجبهات يخسر كل الجبهات".. لكن الأسد اقترب من تعديل هذه الهدنة، ومن غير الواضح إن كان سيمضي في انتهاك هذه "الهدنة" أم لا.
ما فعله الأسد في ضربه لحزب الاتحاد الديمقراطي تناغم تمام مع الخطاب التركي في جزئية ربط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، وهو في أفضل الحالات بادرة تقديم أوراق اعتماد لأي تسوية على المستوى السوري، على أن يكون دوره في هذه التسوية في حال تم تحضيرها بتوافقات داخلية وإقليمية –وهي على الأغلب- بالغة في الصعوبة، سيكون دوره كسر شوكة الأكراد إرضاءً لتركيا وإغاظة للولايات المتحدة الأمريكية، وبنفس الوقت بميول روسية التي لن تنجح بانتزاع الورقة الكردية من أمريكا. وإن كان للأسد دور في هذه التسوية، فإن المواجهة الكردية مع النظام قادمة لا محالة.. تحريك النظام ضد الأكراد رسائل مؤقتة ستتضح معالمها في الفترة القريبة جدا.
عبدالله الغضوي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية