أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"آرتين" الفنان يوزع البيوت على اللاجئين ويرسم بورتريه للبنان

لوحات العجوز "آرتين" التي لا تباع ولا تعرض تجد مكانها داخل أغلبية خيام المخيم - زمان الوصل

"شر البلاد مكان لا صديق بها، وشر ما يكسب الإنسان ما يصم"
بهذا البيت الشعر ي الشهير لمعشوقه "المتنبي" يبدأ اللاجئ "محمد إسماعيل رحمة" تفسيره لما يشعر به الآن وهو يستعد لحزم أغراضه ليترك خيمته في مخيم "أنصار البنيان الجديد" في "عرسال".

يقول الرسام الخمسيني الذي لقبه سكان المخيمات بـ "آرتين" لا أجد ما أملأ به وحشتي وفراغي في هذه الخيمة إلا ممارسة هوايتي القديمة في الرسم، فعائلته كما يقول في ضيافة نظام الأسد وسجونه المظلمة من عام الثورة السورية الأول، أما زوجته الجزائرية فقد رجعت لبلدها بعدما اعتقله النظام في بدايات الثورة.

"آرتين" الذي زار معظم بلاد العالم كما يقول لم يعد قادراً الآن على مغادرة كرسيه المتحرك بعد إصابته بالشلل النصفي من جراء شظيه استقرت في نخاعه الشوكي عندما كان في منزله بـ"القصير".

يشرح "آرتين" لـ"زمان الوصل" سر رسم البيوت في جميع لوحاته التي يرسمها داخل خيمته، فالبيت كما يقول بالنسبة له "الوطن والذكريات والعائلة، هو حارتي وشارعي وطفولتي في مدينتي القصير، هو الرابطة المقدسة الدافئة التي تجمعني بهذا الكوكب الكبير، أرسم البيوت والعصافير محلقة فوقها، فالعصافير أيضاً هي رمز من رموز العودة، وبالنسبة لنا كسوريين العودة لوطن فقدناه وتغربنا عنه".

لوحات "آرتين" ليست للبيع ولا للعرض، اختار مادتها من جسد الخيمة ذاتها، فهو يقص العازل الإسفنجي الذي يستخدم داخلها ليجعل منه هيكل اللوحة التي سيرسم عليها بيوته وعصافيره لاحقاً، وهو يمتلك كميات زادت عن حاجته وحاجة جيرانه ليستخدمها كلوحات لرسوماته.

لوحات العجوز "آرتين" التي لا تباع ولا تعرض تجد مكانها داخل أغلبية خيام المخيم فهي تذكرهم بوطنهم سوريا.

يقول "أبو محمد القصيراوي" أحد جيران "آرتين" في المخيم: "نحن ننتظر بيوت آرتين بفارغ الصبر، ونحب أن نزين خيامنا بلوحاته".

*بين لبنان "جبران" ولبنان "قوموا انقلعوا"
بعيدا عن لوحة "آرتين" المليئة بالبيوت والعصافير يقودنا عجوزنا المكسور الخاطر للوحة أشد قتامة وحزنا وآسى، عنوانها "لبنان"، معلقا: "لبنان الذي عرفته بأغاني فيروز ووديع الصافي والذي غناه، لبنان الذي قرأته في جبران خليل جبران وطلال حيدر لا يشبه هذا البلد الذي لجأت إليه وبنيت فيه خيمتي، لبنان اليوم لبنان مشوّه يكرهني ويتهمني بالإرهاب واليوم يريد طردي من خيمتي لأنني لن أتمكن من دفع أجرة الأرض، لبنان اليوم هو لبنان الذي يقول لنا كسوريين (قوموا انقلعوا)".

ويتابع الرسام اللاجئ "كل المخيمات هنا في عرسال ستطرد بعد أيام لأنها لا تستطيع دفع أجرة الأرض التي يمتلكها أهل هذه البلدة، لبنان اليوم لبنان ترك قراءة كتاب النبي لجبران وتعاليمه الزاخرة بالحب والعدالة والرحمة، وصار يقرأ الكتب الإيرانية والفارسية وتعاليمها التي لا ترى فينا غير حثالات ومجرمين يجب طردنا حيثما وجدنا".

يضيف "آرتين" مخاطبا اللبنانيين: "لا تتهمونا بالإرهاب، الإرهاب الحقيقي هو أن يفقد القلب إحساسه بالآخرين، وأن يفقد الرحمة والشفقة والحب، هذا هو الإرهاب الذي يجب على العالم مواجهته، لأنه إرهاب فتاك وقاتل أكثر من إرهاب الطلقات والطائرات".

يواصل "آرتين" بث آهاته: "داخل هذه الخيمة التي سأطرد منها بعد أيام، يوجد لي ذكريات، ومع مرارتها فقد صارت جزءا من ذاكرتي ربما سيتوجب علي رسم الخيام من اليوم، بعدما أصبحت الخيمة مثل البيت حلماً يتوق إليه كل لاجئ سوري".

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(89)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي