أضفت ردود الفعل الإيجابية العربية والدولية على إقرار سوريا إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان صدقية إضافية على القرارات الدولية التي تناولت منذ العام 2005 جوانب عدّة في العلاقات اللبنانية ـ السورية. بعد انسحاب الجيش السوري والتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم المحكمة الدولية والمطالبة بضبط الحدود وترسيمها، وكلها رعتها قرارات دولية في مدد قياسية، جاء التبادل الدبلوماسي ليدفع علاقات البلدين في اتجاه تطبيع جديد تحت مظلة الشرعية الدولية ورقابتها. لم يكن في الإمكان تحقيق أيّ من البنود تلك بلا ضغوط دولية حادة، إلا أن أياً منها لم ينطوِ على مغزى تاريخي شأن العلاقات الدبلوماسية التي طبعها باستمرار، ولسنوات طويلة، الغموض والالتباس وسوء التفاهم. كلا البلدين نادى بها في أوقات مختلفة ومتباعدة أحياناً، وكلاهما رفضها في أوقات أخرى وبذرائع شتى. وفي كل مرة طُرحت أو رُفضت، كانت تحت وطأة خلل في توازن القوى بين البلدين، أو داخل كل منهما. عندما كانت سوريا ضعيفة من نهاية أربعينات القرن الماضي حتى نهاية خمسيناته، ثم في النصف الأول من الستينات. وعندما بات لبنان ضعيفاً منذ منتصف الستينات حتى الآن. غير أن إبصار التبادل الدبلوماسي النور هذه المرة أتى مطابقاً لتدخّل دولي مباشر وغير مسبوق في علاقات دولتين، في شأن تقرّرانه بمعزل عن فريق ثالث. للمرة الأولى في الأعوام الثلاثة المنصرمة يتساوى البلدان في الضعف، ولا يستمد أحدهما بأسه من هزال الآخر: سوريا محاصرة ومعزولة، ولبنان منقسم على نفسه.
ومع أن دمشق حاذرت ربط موافقتها على التبادل الدبلوماسي بالقرارات الدولية، وقصرته على اتفاق ثنائي مع الرئيس ميشال سليمان، فإنّ تسليمها به تحت ضغط المجتمع الدولي كان في صلب اتخاذها قراراً تجنّبته طوال 62 عاماً. لم يكن موقفها هذا سابقة. في آذار 2005 عزا الرئيس بشار الأسد قرار سحب جيشه من لبنان إلى خيار محض سوري، هو أن وجود هذا الجيش لم يعد يحظى بتأييد شعبي لبناني، نافياً الصلة بين إجرائه ذاك والقرار 1559 الذي كان قد طالبه منذ أيلول 2004 بالجلاء عن الأراضي اللبنانية. وفي المرات الخمس التي خفّض فيها عدد جنوده في لبنان منذ العام 2000، برّر الأمر بتنفيذ متدرّج لاتفاق الطائف بالتفاهم مع حليفه الرئيس إميل لحود، دون أن يحمّله وزر ضغوط بكركي والمعارضة المسيحية اللتين قادتا حملة استعادة لبنان سيادته. ولم يكن المجتمع آنذاك مستعداً للمضي في المغامرة المسيحية. الأمر نفسه بالنسبة إلى المواقف الرسمية السورية التي مهّدت لإقرار العلاقات الدبلوماسية ورافقتها ثم تلتها، فلم تشر من بعيد أو قريب إلى أن هذه كانت تحت وطأة الضغوط الدولية. قالت دمشق ذلك عن ترسيم الحدود وربطت حصوله بالتسوية السلمية مع إسرائيل لا بالقرار 1680. ويكاد القرار 1701 يكون وحده قد حظي بإعلان سوري رسمي بأن دمشق ـ وهي تبرّر حشودها العسكرية على أراضيها قبالة الحدود الشمالية والشرقية مع لبنان ـ تدرج إجراءاتها في إطار ما وصفته بـ«مندرجات القرار».
بيد أن مصادر دبلوماسية فرنسية تقارب الموضوع على نحو آخر، استناداً إلى ملاحظات ثلاث:
■ أولاها أن قرار التبادل الدبلوماسي كان ترجمة جدّية لتعهّدات قطعها الأسد علناً للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس اللبناني في القمة الرباعية في باريس في 14 تموز، التي ضمّت قطر أيضاً. وأعاد الأسد تأكيدها لنظيره في القمة الفرنسية ـ السورية في دمشق يوم 3 أيلول. الأمر الذي يحتّم عدم تقليل أهمية التعهّدات تلك في تقويم دمشق حساباتها، والإشارات الإيجابية المبكرة التي كانت قد تلقّتها من الاتحاد الأوروبي حيال إرسائها علاقات جديدة ومتوازنة مع لبنان.
■ ثانيتها أن التبادل الدبلوماسي نظر إليه الفرنسيون والأوروبيون كاعتراف برغبة سوريا بالتعاون مع المجتمع الدولي من خلال وضعها تعهّداتها موضع التنفيذ، وإن اقتضى ذلك إمرار بعض الوقت. ولا تتردّد المصادر الدبلوماسية الفرنسية في القول إنها لم تتوقع مرّة أن تعلن دمشق أنها ترضخ للقرارات الدولية. ولا ترى باريس سبباً لعدم القبول بالحجة السورية هذه ما دامت تفضي إلى ما يطالب به المجتمع الدولي.
■ ثالثتها، في الأيام التالية لزيارة ساركوزي دمشق، وجّهت باريس عبر قنوات دبلوماسية نصيحة إلى المسؤولين اللبنانيين وأصدقائها السياسيين قالت بضرورة عدم الربط بين التبادل الدبلوماسي مع سوريا وإلغاء الاتفاقات الثنائية المعقودة في نطاق المعاهدة القائمة بين البلدين، تفادياً لإعطاء دمشق ذريعة تجعلها تؤخر إقرار التبادل الدبلوماسي الذي بدا، بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، هدفاً في ذاته يقتضي عدم إهداره. قالت النصيحة الفرنسية أيضاً بعدم الإيحاء لسوريا بفرض شروط، إلا أنه ينبغي ألّا يُستشف من ذلك المحافظة على تلك الاتفاقات والثغر التي يتحفظ عنها بعض اللبنانيين ويجدها مضرّة بالمصلحة اللبنانية، غير أن مناقشتها تكون أكثر ملاءمة في وقت لاحق لإقرار التبادل الدبلوماسي نظراً إلى أنها تستغرق وقتاً طويلاً، ولا تمثّل في الوقت الحاضر أولوية عاجلة.
فحوى النصيحة: احصلوا على السفارة أولاً ثم ناقشوا الاتفاقات.
نصيحة فرنسيّة للّبنانيّين: احصلوا على الس
الاخبار - نقولا ناصيف
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية