أربع سنوات من الألم والعذاب الذي يفوق الوصف عاشها الشاب "نضال نور الدين محمود" في أقبية المخابرات بتهمة الانشقاق عن جيش النظام قبل أن يُطلق سراحه منذ شهرين، ليكتب له عمر جديد بعد أن ظن ذووه أنه أصبح رقماً في عداد الموتى.
ويحاول الشاب العشريني الذي يعيش في مدينة أربد الأردنية أن يرمم ذاته "المحطمة" وأن ينسى الزمن الطويل "الرجراج البليد" الذي أمضاه داخل الزنازين المعتمة خلف الشمس.
اعتقل نضال مواليد 1992 أمام أحد حواجز مدينة "بصر الحرير" بدرعا لتجنيده في صفوف قوات النظام عام 2012، رغم أنه لم يكن مطلوباً للخدمة آنذاك، وتم اقتياده إلى فرع الشرطة العسكرية في "الشيخ مسكين" ومن ثم إلى الشرطة العسكرية في القابون، ومن هناك –كما يروي- تم سحبه إلى تجمع المجندين في النبك وفُرز إلى الفرقة 11، حيث بقي هناك حوالي 3 أشهر في دورة اختصاص تدرّب خلالها على السلاح كرامٍ للقاذف، ومن ثم أُفرز إلى أحد حواجز النظام على طريق تدمر حمص وهناك بدأت قصة الشاب الحوراني الذي أسعفه الحظ بالبقاء على قيد الحياة بينما قُتل آخرون تحت التعذيب وكان مصيرهم الفرم في عربة نقل القمامة كما يروي لـ"زمان الوصل".
ذات مساء من عام 2012 وإزاء تغوّل النظام وإجرامه بحق المدنيين في حي "بابا عمرو" قرر نضال مع مجموعة من رفاقه الانشقاق بسلاحهم وتم التنسيق مع عدد من الضباط لكن ضابطاً علوياً يُدعى أبو رامي من حي الوعر دخل بينهم مدعياً أنه ضابط سني يريد الانشقاق معهم، وفور كشفه لتفاصيل وخطة الانشقاق أبلغ الأمن العسكري.
يقول نضال: "قبل ساعات قليلة من ساعة الصفر فوجئنا بدوريات للأمن العسكري وباصات كبيرة يحمل كل منها 110 عناصر، وكان هو–كما يقول- في نقطة المحرس وتم إلقاء القبض على زملائي وبعد قليل انتهت مدة حراستي فخرجت وبعد عدة أمتار فجاء عناصر الأمن نحوي وكان في حوزتي مسدس.
ويتابع المعتقل السابق: "عندما عرفت أنهم قادمون لاعتقالي حاولت أن ألقم المسدس وفي تلك اللحظة أصبت بطلقة رصاصة دخلت من كتفي الأيمن وخرجت من خلف الكتف فسقطت على الأرض وقاموا بسحلي على الأرض إلى الباص ومن ثم أنزلوني ووضعوني في الصندوق الخارجي لسيارة ضابط الأمن".
ويردف: "تم اقتيادي إلى الفرع (261) للأمن العسكري في حمص ووُضعت في غرفة لا تتعدى مساحتها 2 متر مربع، وبعد دقائق أُدخلت إلى مساعد يُدعى "أبو جوني" كان المعتقلون يطلقون عليه لقب "أبو جرة الغاز" لأنه كان يعذبهم من خلال ضربهم بقارورة الغاز، فواجهني بعدة تهم ومنها –كما يقول محدثنا- التعامل مع المسلحين ومحاولة الانشقاق بالسلاح وقبض 50 ألف ليرة سورية من "الإرهابيين" المسلحين وغيرها من الاتهامات التي رفضتها جملة وتفصيلاً، مما جعل أحد عناصر الفرع يضربني بهراوة على قحف رأسي فيما أقدم آخر على ضربي بواسطة معول على صدري مما تسبب بشق بلغ حوالي 5 سم حتى برز عظم الصدر.

بعد حفلة التعذيب هذه تم إلقاء نضال في غرفة صغيرة كانت تضم 13 منفردة وكان المعتقلون المشرفون على الموت يوضعون فيها، فإذا مات أحدهم يتم حمل جثته ووضعها في فرامة القمامة ثم يتم رميهم في مكبات القمامة أو في مقابر جماعية.
وبعد 8 أيام عُرض "محمود" على التحقيق مجددا وعندما أنكر التهم الموجهة إليه تم شبحه وسط الساحة الرئيسية 4 أيام دون طعام أو شراب، وقال "بعد حملة التعذيب الشديد تم وضعي في منفردة وبعد ساعتين جاء عناصر الفرع فوجدوني في حالة إغماء –كما أكد لي أحد سجناء المهجع -رئيس القاووش فيما بعد- وعندما أخرجوني كنت في حالة إغماء تام فبدؤوا بمحاولات إيقاظي من خلال سكب الماء حيناً والعصا الكهربائية دون جدوى وعندها لجؤوا إلى المولدة الكهربائية الكبيرة حيث تم وضع ملاقط في أصابع قدمي ويديّ وبعد تشغيل المولدة انتفضت واستعدت الوعي.
بعد شهر و5 أيام من اعتقاله تم تحويل نضال إلى المحكمة ووجه له القاضي التهم ذاتها فأنكرها فتم تحويله إلى سجن تدمر العسكري ليمضي سنوات ثلاث داخل "الباستيل السوري" كما اعتاد السوريون على تسمية هذا السجن الصحراوي سيئ الصيت.
وكان في سجن تدمر–كما يروي محدثنا- مهاجع خاصة بالفارين من الخدمة العسكرية والمتخلفين عنها وثمة مهجع منها يؤدي إلى مهاجع أخرى مجهولة الوظيفة، أما الباحة التي تسمى الخامسة فكانت "مخصصة للإعدامات بحق السياسيين وفيها معتقلون محكمون بأحكام مؤبدة".
بدأت حفلة الترحيب بنضال في هذا السجن -كما يقول- بـ 200 كبل رباعي على أنحاء مختلفة من جسده وبعد عدة ضربات فقد الوعي وأغمي عليه، فأصبح عاجزاً عن الإحساس بأي شيء، ليتم زجه في المهجع رقم 43 في الباحة السادسة.
كان الجيش الحر في أعوام 2012 و2013 ينفّذ هجمات متقطعة على السجن لتحرير السجناء مما شجّع السجناء على تنفيذ عصيان ومظاهرات داخل السجن للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام -كما يؤكد محدثنا- مضيفاً أن عناصر السجن تعاملوا معهم بقسوة وبدؤوا يضربون عليهم الرصاص الحي والقنابل الدخانية، الأمر الذي أدى إلى حالات اختناق عديدة، وبعد أن استقرت الأمور مُنع السجناء من ساعات التنفس لمدة عامين.
في أواخر العام الماضي 2015 هجم تنظيم "الدولة" على مدينة تدمر واستولى على قلعتها التي جعل منها مرابض لقصف السجن وحينها -كما يقول نضال- تم جمعه مع رفاقه في باحة تُسمى "اليومية" ومن ثم تم وضعهم في سيارات السجن المغلقة التي نقلتهم إلى البالونة في حمص ليُخلى سبيله في 20 /5/ 2016 بعد أن ظن ذووه أنه قضى أثناء تفجير وإحراق السجن على يد تنظيم "الدولة".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية