تسعى الكثير من القنوات الفضائية الإخبارية التي لا تعرض مسلسلات، ولا تهتم بالدراما وألوانها المختلفة عادة، ولا نجومها وأكاذيبهم التي لا تنتهي عن المقولات الفكرية والمعاناة والنضال الفني... تسعى هذه القنوات أثناء وبعد موسم رمضان، إلى الاقتراب من هذا العالم، ومحاولة مواكبة ظواهره، ومعارك مسلسلاته، على اعتبار أن بعضها يكاد يطغي على الحدث السياسي... وعلى اعتبار أن القنوات الإخبارية، تحب أن يكون لها بشكل أو بآخر نصيب من هذا العرس الرمضاني، وما يستأثر به من اهتمامات وأحاديث في الشارع العربي.
وقد تابعت خلال موسم رمضان الماضي وما بعده، الكثير من هذه الندوات والبرامج، منها على سبيل المثال لا الحصر برنامج (الاتجاه المعاكس) حول التنافس القائم بين الدراما السورية والمصرية على قناة (الجزيرة) ومنها أيضاً برنامج (مباشر مع) على قناة (الجزيرة مباشر) الذي استضاف الفنان أيمن زيدان للحديث عن الدراما والواقع في العالم العربي... ومنها ندوة غسان بن جدو عن دراما السيرة الذاتية من خلال مسلسلي (ناصر) و(أسمهان) التي استضاف فيها مخرج المسلسل الأول باسل الخطيب، وأحد منتجي وأبطال المسلسل الثاني الفنان فراس إبراهيم. ومنها أيضاً برنامج (العالم في أسبوع) على قناة (نيو تي في) الذي سعى فيه المحاور السياسي جورج صليبي لمناقشة إشكالات مسلسل 'أسمهان'، وما أثاره من ردود أفعال غاضبة لدى آل الأطرش ولدى الطائفة الدرزية التي تنتمي إليها المطربة الراحلة.
في كل هذه البرامج وسواها، يبدو محاورو هذه البرامج السياسية، والذين يظهرون في حلقاتهم وموضوعاتهم الأخرى أكثر إلماماً بالتفاصيل، وأكثر فهماً لقواعد ومنطلقات الحوار في عالم السياسة وقضاياها وعوالمها، وأكثر قدرة على الإمساك بمفاصل الحوار، والولوج إلى النقاط الأكثر حساسية وأهمية فيه... يبدون في هذه الحوارات الفنية وكأنهم مبتدئون يتهجون مبادئ الحوار الفني، ويحاولون تلمس عوالم المماحكات والتقلبات الفنية، وإثارة غبارها وهم خارج اللعبة تماماً... فهم لا يدركون أن الفنان هو الصورة النقيضة للسياسي أو المفكر أو حتى الأديب... فالفنان كلما اقتربت في الحوار معه من وضع النقاط على الحروف، تهرب من قول الحقيقة، ومن التعبير عن موقف واضح وصريح من أي مسألة خلافية يمكن أن يخسر فيها مصلحة، أو فرصة عمل، أو رضا جهة إنتاجية، أو أن يطرد من شلة مخرج مطلوب في السوق... بخلاف السياسي الذي يبقى دائماً مندفعاً للتعبير عن موقفه بحدة ووضوح، وشتم خصومه... ليس لأن السياسي أكثر مبدأية بالضرورة، بل لأن جزءا من نجاح هذا الأخير، يكمن في التعبير الصارخ عن قناعاته وانتماءاته المرحلية أو الكلية، بغض النظر أيضاً عن صوابية موقفه!
ومشكلة الكثير من محاوري البرامج السياسية حين يخوضون في معارك الفن، أنهم يناقشون مسلسلات وأفلام لا قوة لديهم عل مشاهدتها، وهم لا يعرفون عنها سوى ما حضره لهم فريق الإعداد، وهو في الأساس فريق غير متخصص في هذا المجال... ويعتمد على ما يجمعه ويلخصه من فتات ما ينشر على شبكة الإنترنت من مقالات أو مقابلات أو حتى مناقشات في منتديات، بلا تمييز بين الجوهري والهامشي، وبين الذي يصب في صلب المشكلة أو خارجها... وإلا فهل يعقل أن يسأل المحاور الإخباري الرصين ضيفه أيمن زيدان على (الجزيرة مباشر) في حلقة عنوانها (الدراما والواقع الاجتماعي في العالم العربي): ما هي نقطة ضعفك؟! أو: هل حقاً ما يقال عنك بأنك نرجسي؟!
وهل يعقل في اللقاء الذي تناول مسلسلات السيرة الذاتية، أن يغرق غسان بن جدو في استفتاء ضيوفه عن حقيقة صفة (الإشراف الفني) التي توضع على شارات المسلسلات، بعد أن أثيرت أزمة الإشراف الفني في مسلسل (أسمهان)... بدل أن يستغل وقت البرنامج المحدود في الدخول في تفاصيل هامة وإشكالية وتستحق النقاش في مسلسلي (أسمهان) و(ناصر) لكن لأن غسان بن جدو من خارج الوسط الفني، ولا يعرف تقاليده... أراد أن يأخذ رأي طرف محايد في مسألة كان يفترض أن يحسمها المحاور نفسه، لأنها تتعلق بتقاليد وواقع عمل، وليس بمسألة خلاف رأي... فذهب إلى المخرج باسل الخطيب ليسأله سؤال الجاهل بتقاليد العمل الفني الذي يحاور فيه... وقد استمر بن جدو في تخبطه بين ادعاءات باسل الخطيب عن الموضوعية الشديدة في تناول سيرة جمال عبد الناصر... وبين هجوم أحد ممثلي الأخوان المسلمين في مصر، دون أن يتيح للاثنين الوقت الكافي للرد وتفنيد الحجج... بعد أن أهدر وقت البرنامج في استيضاح مسلمات فنية، وبعد أن تاه البرنامج في أساس فكرته... فلم نعرف هل هو لتفنيد الأخطاء التاريخية أو من يزعمون بوجودها في المسلسلين، أو هو لتقييم مدى نجاحه فنياً، أم لمناقشة إشكالية دراما السيرة الذاتية كنوع... أم هو لمناقشة كل هذا معاً؟!
ومثله من قبل برنامج (الاتجاه المعاكس) حول التنافس بين الدراما السورية والمصرية الذي تحول إلى سيرك انفعالي صاخب، لأن المطلوب كان إثارة الموضوع، وليس معالجته... وشتان بين إثارة موضوع ما، وبين معالجته في العمق أو في الظاهر حتى!
إن مشكلة القنوات الإخبارية الرصينة، ومنها (الجزيرة) ليس أنها تريد أن تطبق معايير الحوار السياسي والفكري على معارك الفن... لكن بسبب ابتعادها عن أجواء الفن، وبسبب ضعف الثقافة الفنية لدى صناع البرامج السياسية والحوارية فيها، قياساً بثقافتهم في المجالات والقضايا الأخرى... فإنهم يظهرون، وتظهر المحطة معهم بصورة مهزوزة، وتبدو مقاربتهم لمشكلات وقضايا الدراما التلفزيونية في موسمها الرمضاني السنوي، مجرد محاولة للبقاء في دائرة الحدث... بخلاف أدائها السياسي والإخباري الذي يشكل مصدر ثقافة، ويساهم في تشكيل الرأي العام وفي التأثير في اتجاهاته وربما في أفكار صانعيه وقادته أحياناً... وفي عالم الفضاء التلفزيوني المترامي، وفي الوقت الذي صارت فيه ثقافة المشاهد الفنية، وقدرته على المتابعة والإلمام والاطلاع، مسألة لا يستهان بها... لم يعد مقبولاً أن تسلق المحطات الإخبارية برامج الموسم الفنية بهذه الطريقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع... ولا تضيف إلى رصيدها الإعلامي، إن لم تنقص فعلاً!
ابن شقيق أسمهان: نعم عمتي قديسة... وليخرسوا!!
حلت الإعلامية هيام أبو شديد محل المتميزة وفاء كيلاني في برنامج (ضد التيار) على قناة (روتانا موسيقى)، كبديل مؤقت لتستضيف عماد ابن منير الأطرش... ابن شقيق أسمهان الأصغر (منير) الذي تجاهل المسلسل الذي أنتج عن أسمهان أي وجود أو ذكر له...
هيام أبو شديد بدت أقل استفزازاً من وفاء كيلاني، رغم حضورها المتمكن دون شك... وربما كان ضيفها ليس بحاجة لأي استفزاز يذكر... فهذا الأمير الذي ظهر لأول مرة، بعد أن استفرد ابن عمه فيصل الأطرش بمعارك ما قبل عرض المسلسل، بدا غاضباً ومتوتراً... وطلب من جميع من أدلى بدلوه في قضية صورة المطربة التي عكسها المسلسل الدرامي عنها، أن (يخرسوا) هكذا بالحرف... وتوعدهم بالمحاكم والقضاء... ورأى أن سلاف فواخرجي لم تقدم رغم كل ما بذلت من جهد وأداء ولا (5') من شخصية عمته التي قال إن العقول في هذا الزمن العربي الرديء غير قادرة وغير مؤهلة على الإطلاق لاستيعاب ما قامت به عمته من دور وطني وإبداع فني... ونفي نفياً قاطعاً ليس أن تكون أسمهان قد ذاقت قطرة خمر أو ويسكي في حياتها، بل أن تكون قد وضعت السيكارة في فمها، مؤكداً أنهم يقدسون هذه المرأة!
هذا التشدد العائلي، الذي يغالي في تنقية الصورة، إلى درجة غير قابلة للتصديق، وخصوصاً أن هناك بعض التصاوير التي تظهر أسمهان وهي تدخن على الأقل، وهذا الانغلاق الذي يرفض الاجتهاد الفني... ويحتقر كل الآراء، ولا يرى في المسلسل أكثر من اعتداء على سيرة قديسة، لم تعرف سوى فنها وعائلتها ونضالها الوطني... هو حالة غير مسبوقة بالفعل... ومن المؤسف القول بأن كل هذا السجال سينسى وسيبقى المسلسل، لأن مسلسل (أسمهان) مشغول بحرفية فنية عالية... وبرؤية فيها الكثير من القدرة على إقناع مشاهدها وكسبه إلى صفها وصف أسمهان معاً، مهما اختلفت صورتها الحقيقية كما يدعي آل الأطرش وأنسباؤهم!
(آدم) سماجة الصراع المفتعل مع حواء!
مازال البرنامج الاجتماعي الرجالي (آدم) على قناة (إم. بي. سي) يقارب موضوعاته، واستضافته لضيوفه من النساء، من منطق الصراع المفتعل بين الرجل والمرأة، ليس بالمعنى الفكري والحياتي والاجتماعي، لكن بالطريقة التي اعتادت النكتة اللبنانية أن تقارب مثل هذه الأمور.
ولمن لا يعرف خصائص النكتة اللبنانية في هذا السياق، نوضح أنها نكتة غير مضحكة على الإطلاق، محورها كم لا ينتهي من الحكايات المتشابهة عن امرأة تغار على زوجها في كل سكناته وحركاته، ورجل يشعر أنه جدير بهذه الغيرة لأنه أنيق ووسيم وشغلته ان 'يضهر' للسهر كل ليلة... كل ليلة!
طبعاً لا ننفي أن هناك صراعاً مستمراً بين المرأة والرجل في كثير من القضايا، لأنهما قطبا هذه الحياة... لكن مشكلة برنامج (آدم) أنه يحاول أن يجعل من هذا الصراع إطاراً لمقاربة كل القضايا والإشكالات، حتى بطريقة مفتعلة، تدعي طرافة بعيدة كل البعد عنها.. وقد يكون مقبولا هذا في الحلقات الأولى من البرنامج، وليس بعد سنوات من عمره المديد واجتراره الممل!
كاتب من سورية
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية