و"فصاله في عامين"، آية قرآنية كريمة، لم يسمح الفقر لكثير من أطفال سوريا اللاجئين في لبنان أن يتنعموا ببركاتها.
"بشير وزير" ابن السنة ونصف السنة، كتب عليه الفطام قبل أن يبلغ جسده منازل الكمال، فطام فرضته عليه مرارة العيش وشظفه، فلا حليب يدره صدر والدته، ولا علب حليب تقدمها له جهات الإغاثة، وما من ضرع يعوض له ما فقده من حصته الإلهية في الحليب سوى "طنجرة" تغلي بها أمه ما يتيسر لها من بائع الحليب.
"بشير" أفاق صباح يوم الاثنين 25 من الشهر الجاري جائعاً على غير عادته كما تقول والدته "أم يوسف" اللاجئة السورية من بلدة "جوبر" في ريف حمص، وقد غافلها رضيعها "بشير" ليزحف نحو طنجرة الحليب التي كانت تحضرها له، واستطاع أن يقلبها على جسده مما تسبب له بحروق بليغة لم يسلم أخوه يوسف (4 سنوات) سنوات وأخته جودي (6 سنوات) منها ليتحول إفطار بشير لفاجعة لحقت بالأم وأطفالها.
*رحلة الإنقاذ انتهت بالطرد
بدأت رحلة البحث عن المشفى "المخلص" كما يقول الأب "حسام وزير"، العامل بالأشغال الحرة في طرابلس، بدفع 100 دولار كإسعاف أولي لأحد مستوصفات المدينة، والذي أخبره بأن حروق "بشير" و"يوسف" من الدرجة الثالثة أي أخطر أنواع الحروق، وقد طالت سبعين بالمائة من جسدي الطفلين، بينما الطفلة "جودي" حروقها طفيفة ولا حاجة لإدخالها المشفى، ولأن المستوصف لا يمتلك القدرة على معالجة هذه الحروق، فقد طلبوا من الأب نقل الطفلين بالسرعة القصوى للمستشفى الوحيد الذي بإمكانه استقبال هذه الحالات في لبنان وهو مشفى "دار السلام" في طرابلس.
المستشفى طلب من الأب على الفور مبلغ 2000 دولار لاستقبال الطفلين، ولأنه لا يمتلك هذا المبلغ الكبير، حاول أن يتواصل مع مندوبة الأمم لشؤون اللاجئين في لبنان، ومع كل معارفه وأقربائه لتأمين المبلغ، وأبلغ المشفى بقدرته على تأمين المبلغ لكن بحاجة لبعض الوقت، إلا أن المشفى رفض استقبال الولدين وطرده بحجة عدم وجود أماكن شاغرة بحسب شهادة الأب "حسام" الذي أصر على وصف هذا المشفى في طريقة معاملته للسوريين بأنه بعيد كل عن البعد عن الإنسانية وليس له من اسمه أي نصيب، فهو "لا يعرف الرحمة ولا السلام ولا الإنسانية" في طريقة معاملته مع طفليه المحروقين.
*المشفى يفطم "بشير" عن رؤية الرحمة
بعد طرد الطفلين ووالدهما من مشفى "دار السلام" في طرابلس، حمل الأب ولديه المحترقين لمشفى خاص في "رياق" هو مشفى "علي العبد لله" والذي أخذ منهما تأمين دخول الطفلين 400 دولار، بينما تكلفة العلاج لازالت في علم الغيب، لعامل (بالفاعل) لا يعرف كم ستكون فاتورة شفاء طفليه، لكنه يعلم علم اليقين أنها ستكون الضربة القاضية له، وهو الذي استدان ما دفعه للمستشفى استدانة ممن يقيمون حوله من أقرباء، لكي لا يكون مصيره وولديه الطرد، كما فعل معهم مشفى "دار السلام" في طرابلس.
ويعلم أيضا أن ولديه قد رسخت في ذاكرتيهما صورة عن بلد قد أهانهم مرتين، مرة عندما طالب بطردهم من مدنه، ومرة عندما طردهم من أمام أبواب مشافيه.
عبد الحفيظ الحولاني -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية