من الأحاديث الطاغية هذه الايام الأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، وبالغرب على وجه العموم.
غير أن الملاحظة الملفتة أن أحداً من المتابعين والمراقبين لم يتناول تأثيرات هذه الأزمة على إسرائيل. باعتبارها أكبر متلق للمساعدات الأمريكية في العالم على الإطلاق. حيث بلغت المساعدات الأمريكية لإسرائيل أرقاماً فلكية، فقد أكد خبير اقتصادي أمريكي يحاضر في جامعتي هارفرد وجورج تاون أن الصراع العربي الإسرائيلي حمّل دافع الضرائب الأمريكي ثلاثة آلاف مليار دولار حسب قيمة الدولار عام 2002م. وهذا المبلغ يساوي أربعة أضعاف كلفة حرب فيتنام.
وتقول الأرقام أن قيمة المساعدات الأمريكية المباشرة لإسرائيل منذ عام 1948 حتى عام 2007 وصلت إلى نحو 98 مليار دولار، 60 منها مساعدات عسكرية و40 مساعدات اقتصادية. بالإضافة إلى 50 مليار دولار مساعدات غير مباشرة، وكان من المتوقع أن تصل قيمة المساعدات المباشرة الأمريكية نهاية هذا العام ومنذ عام 1948 إلى 101 مليار دولار. مما يعني أن مجموع هذه المساعدات سيصل إلى 150 مليار دولار تساوي 25 من مجموع المساعدات الأمريكية للخارج، وهذه الأرقام تؤكد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل هي السبب الأول في قدرتها على الاستمرار.
خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتدخل دائماً لإنقاذ إسرائيل من أزماتها المالية. من ذلك على سبيل المثال تدخل أمريكا عام 1985 لإنقاذ إسرائيل من أزمة التضخم التي واجهتها حتى قدمت لها 5،1 مليار دولار لمواجهة تلك الأزمة. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتعويض إسرائيل عن خسائرها في كل الحروب. وكذلك ثمن انسحابها من سيناء، وبدل توقيعها على اتفاقية كامب ديفيد. كما قدمت لها مساعدات مالية ضخمة لاستيعاب المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وهذه المساعدات الأمريكية هي التي كانت وراء التحديث والتطوير المستمر للترسانة العسكرية الإسرائيلية، وآخر ذلك أن الإدارة الأمريكية صادقت في الثلاثين من الشهر الماضي على بيع 25 طائرة F53 مع إمكانية شراء 20 طائرة أخرى من نفس الطراز، وهذه هي صفقة البيع الأولى لهذه الطائرة خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وتبلغ كلفتها أكثر من 15 مليار دولار، وقد اعتبر البنتاجون أن هذه الصفقة ضرورية للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. وتعتبر هذه الطائرة طائرة المستقبل حتى عام 2040م، وقد كان من المقرر أن تزود بها إسرائيل عام 2014م، ثم قدم الموعد إلى عام 2012 قبل أن يقرر الرئيس الأمريكي بوش تقديم الموعد إلى هذا العام بانتظار مصادقة الكونغرس عليها خلال ثلاثين يوماً من المصادقة على الصفقة التي تمت يوم الثلاثين من الشهر الماضي.
وبالإضافة إلى طائرة F53 زودت أمريكا إسرائيل بنظام الرادار المتطور FBX-T الأكثر تطوراً في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو قادر على رصد أي جسم بحجم كرة صغيرة من مسافة 4700 كم، وسيدير هذا الرادار طاقم أمريكي من 120 جندي وضابط أمريكي. كما زودت واشنطن تل أبيب بألف قنبلة ذكية قادرة على اختراق تحصينات بسماكة 5,1م ويتم تمويل كل هذه الإمدادات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في عين الوقت الذي يتهاوى فيه الاقتصاد الأمريكي وينوء دافع الضرائب الأمريكي تحت وطأة هذه الأزمة. فهل إسرائيل أهم عند صنّاع القرار الأمريكي من المواطن الأمريكي نفسه؟ وإلى متى سيظل هذا المواطن يدفع من جيبه لتمويل العدوان الإسرائيلي على أمتنا رغم أن هذا العدوان صار عاجزاً عن تحقيق أهدافه كما جرى في عدوان تموز 2006 على لبنان، وكما يجري في حصار قطاع غزة؟ ومتى يدرك الأمريكيون أن السلاح وحده لا يصنع انتصاراً نهائياً. وأن سلاح الجو لا يحسم معركة بدليل ما جرى في تموز 2006 عندما دمر الطيران الإسرائيلي كل البنية التحتية اللبنانية ومع ذلك خسرت إسرائيل الحرب رغم كل الدعم العسكري والسياسي الأمريكي.
فقد فات الأمريكان وقبلهم الإسرائيليون أن العقيدة القتالية لدى المقاتل أهم من سلاحه، وقد برهنت حرب تموز 2006 على ذلك. وقد صار من نتائج هذه الحرب قبول إسرائيل بتواجد عسكري أمريكي طويل المدى في إحدى قواعدها بالنقب لتشغيل الرادار الحديث الذي تم تزويدها به من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. مما يعني بصورة من الصور أن إسرائيل لم تعد قادرة على حماية نفسها بنفسها. ولم تعد مكتفية بالمساعدات الأمريكية بل صارت بحاجة إلى تواجد أمريكي مباشر ومعلن في فلسطين المحتلة لحماية الكيان الإسرائيلي الذي سيتأثر بالتأكيد بالأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية حتى ولو كانت إسرائيل أغلى على صنّاع القرار الأمريكي من دافع الضرائب الأمريكي نفسه. وهذا مؤشر جديد على وهن الكيان الصهيوني وحتمية زواله على المدى البعيد.
بعد أن صار مصدر القوة نفسه يعاني من مظاهر الوهن
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية