مرة أخرى، يقع طاقم "الإخراج" المسؤول عن ترتيب وتسويق "زيارات" بشار الميدانية في سقطات تضع هذا الطاقم على محك الفشل، وتؤكد عدم تعلمه من أخطاء سابقة، كما تثبت أن لا إخراج "كاملا"، على غرار أن لا جريمة "كاملة".
فقد اندهش كثيرون، وأغلبهم موالون، من زيارة بشار الأسد إلى "الخطوط الأمامية" في جبهة الغوطة الشرقية، وتحيدا منطقة مرج السلطان، وذُهل بعضهم، أو هكذا شبّه لهم، من "جرأة سيادته" التي دفعته للتقدم إلى تلك النقاط شديدة السخونة، بل والتوغل إلى مناطق تبعد 50 مترا فقط عن "الإرهابيين"، كما وصف مخرجو جولته.
وأُعجب آخرون بـ"تواضع وإيمان سيادته"، الذي أصر على تناول "طعام الإفطار" مع جنود جيشه، وألح على مشاركتهم هذا الطعام البسيط، المكون في معظمه من برغل وبيض وبطاطا وبضعة حبات من الخيار والبندورة.
ولكن السؤال.. هل ذهب بشار الأسد بالفعل إلى النقاط الساخنة التي لاتهدأ فيها الاشتباكات، وهل بالفعل تناول "طعام الإفطار"؟.. الجواب سيأتي من تحليل بعض الصور، فضلا عن المقطع المطول الذي بثه إعلام النظام حول الزيارة.
ليس مهما جدا البحث عن هوية ذلك الرجل صاحب الشاربين العريضين والمفتولين، الذي تبسم لبشار، وهو يطل عليه بصفته "مرابطا" على خط النار في مواجهة "الإرهابيين والعصابات المسلحة"، فكل ذلك سيبدو تفصيلا أمام لحظة الحقيقة، التي تكشف الصور عنها.
فالرجل صاحب الشاربين المعقوفين، لايبدو أنه "يرابط" بالفعل على خط النار، ولا يعنيه أن يقتل "إرهابيا" واحدا ممن يترصدهم، وإلا لما كان وضع بندقيته على "الأمان التام"، حيث عتلة الأمان مرفوعة للأعلى، حسب ما توضح الصورة الفوتوغرافية ويوضح المقطع كذلك.
ولكن، وحتى لانظلم الرجل، ونظلم "المخرج" معه، فقد يكون صاحب الشاربين العريضين مجرد متطوع هاو لايفقه شيئا في السلاح، وأراد أن يعبر عن حبه لـ"وطنه وقائده" فاندفع يحمل البندقية دفاعا عنهما.. للأسف، حتى هذه الفرضية البائسة تسقط، بشهادة الرجل التي سجلها له "المخرج"، وهي أنه "متطوع" سابق في جيش النظام، تقاعد ولكنه أصر على أن يبقى في الخدمة، حتى آخر رمق من حياته.
وبالمناسبة فإن لبندقية كلاشنكوف، 3 وضعيات تحددها لوحة الأمان، وهي: *العتلة في الأعلى تعني الأمان التام (إغلاق السلاح الذي يمنع خروج أي طلقة منه). *العتلة في الوسط تعني الرمي رشاً، وهي مميزة بحروف تختلف باختلاف بلد الصنع (مثل حرف AB للبندقية المصنوعة في روسيا، وL للمصنوعة في الصين). *العتلة في الأدنى تعني الرمي دراكاً، وهي أيضا مميزة بحروف تختلف باختلاف بلد الصنع.
*المتواصل مقطوع بوجوده
وبالعودة إلى المعطيات التي تضع زيارة بشار إلى المناطق الساخنة محل تشكيك، نجد أن المقطع الذي ناهز طوله 9 دقائق، خلا من سماع أي صوت أو حتى صدى لطلقة، فهل هذه بالفعل منطقة ساخنة، وجبهة لا تهدأ الاشتباكات فيها؟!
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون صعبة ومحرجة لطاقم "الإخراج"، وربما تبدو أكثر إحراجا، بحلول الدقيقة 2.19 من المقطع، حيث "يباغت" بشار أحد جنوده في "الدشمة"، وهو يسأله إن كان "الإرهابيون" يرمون عليهم "بشكل متواصل"، فيجيب "الجندي" بنعم، مؤكدا أنه "متواصل"، فهل لـ"المتواصل" معنى آخر بوجود "سيادته"، يجعله ينقلب إلى متعذر أو مقطوع؟!
الأمر الذي لا يقل لفتا للنظر أن جميع من التقاهم بشار في "الدشم" وعلى خطوط النار "الأمامية" كان عندهم الوقت، ليتركوا سلاحهم ويتحدثوا معه بأريحية، دون خوف أو وجل من أن يغفلوا عن مراقبة "الإرهابيين" فيتيحوا لهؤلاء أن يتسللوا، أو يستهدفوهم ويستهدفوا "سيادته".
وخلافا للمنطق ولـ"العفوية" التي ينبغي أن تكون عليها الزيارة، يظهر كل عنصر وهو يقدم خطابا مختلفا عن الآخر، وبموضوع مختلف وعبارات منتقاة، تلقي بمزيد من ظلال التشكيك على هوية الأشخاص الذين التقاهم "سيادته" وتحدث إليهم وتحدثوا إليه.
ويبدو انتقاء كل شخص موضوعا مختلفا للحديث عنه، وبأسلوب غير مطروق من قبل غيره.. يبدو مناقضا للمنطق الذي يقول إن لكل "مجتمع" اهتماماته المشتركة التي تملي عليه لغة خاصة بمفردات متشابهة، تجعل هذه اللغة مميزة لمن ينتمي له، فـ"مجتمع" التجار له لغة خاصة بعبارات متشابهة تجعلها متمايزة نوعا ما عن لغة "مجتمع" المزارعين مثلا.. فما الذي يدفع "عسكريين" للابتعاد عن لغة "مجتمعهم" ومفرداتها المميزة، رغم أنهم يتكلمون في وسط كل ما فيه عسكري "خالص"، فالبلد غارقة في الحرب منذ 5 سنوات ونيف، وهم "عسكريون" يتحدثون من "الجبهة"، وحديثهم موجه إلى "القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة".. سؤال آخر على "المخرج" أن يقدم إجابة عنه.
ننتقل إلى موضوع تناول بشار "طعام الإفطار" مع جنوده، لنسأل هل هناك ما يوحي في "باطن" تصرفات بشار بأن ما تناوله كان "طعام إفطار"، وهل يكفي أن يتناول شخص ما وجبة في شهر رمضان بالتزامن مع غياب الشمس –كما أظهر "المخرج"-، لنحكم بالفعل أنه يتناول "إفطاره".
رجعتُ شخصيا إلى اللحظات الأخيرة في المقطع فلفتتني عدة أمور، يمكن أن تشكل أرضية للتساؤل حول "هوية" وحقيقة الوجبة التي تناولها بشار، وهل هو فعلا "إفطار" لشخص صائم مدة 16 ساعة، في جو شديد الحرارة تناهز درجته 40 مئوية، وقد أنهى لتوه جولة مرهقة على الأقدام؟!
أول ما لفتني أن "الإيعاز" ببدء الإفطار، لم يكن بموجب نداء "الله أكبر"، الذي ينتظره جميع مسلمي الأرض ليعرفوا لحظة وجوب إفطارهم، بل كان بـ"إيعاز" من بشار، الذي أعطى الأمر لمن حوله بالبدء في الطعام بقوله: "قبل ما نبلش بأي لقمة بدي قول أنو اللقمة الي بدنا ناكلها اليوم هي أطيب لقمة.. تفضلوا".
وإذا افترضنا جدلا أن بشار موجود في منطقة لا يمكن أن يبلغها صوت جامع قريب، وهو خلاف للمعروف عن بلدات الغوطة التي تحتضن المساجد كاحتضانها الأشجار تقريبا.. إذا سلمنا جدلا بعدم
وجود مسجد قريب يبلغ صوت مؤذنه أسماع بشار وأصحابه، فهل أقل من أن ينظر أحدهم في ساعته ليتحرى أدخل وقت الإفطار أم لا؟
فلنتجاوز النقطة الأولى، ولننتقل إلى ما بعدها.. ربما لايكون بشار "الرئيس المسلم" فقيها إلى درجة تخوله معرفة أن الإفطار غالبا ما يكون مسبوقا بدعاء وتسمية، وليس بمحاضرة عن "اللقمة" –بالقاف كما نطقها-.. نقول ربما لا يكون بشار فقيها بوجوب الدعاء والتسمية قبل الإفطار، رغم أن هذه الأمور هي من المسلمات حتى لدى اليافعين، أفلا يكون لدى بشار فقه أو غريزة تلقائية تدفعه لتناول ولو جرعة ماء صغيرة، كما يفترض بأي صائم أنهكه العطش بعد نهار طويل وقائظ، بدل أن يتجاهل زجاجة الماء الباردة أمامه، ويباشر بأكل خليط من البيض المسلوق والبطاطا، علما أن البيض المسلوق هو من الأطعمة المسببة للعطش وجفاف العروق في الصيف!
أسئلة إضافية موجهة إلى "المخرج":
بعيدا عن سياق هوية وحقيقة الأشخاص الذين ظهروا في المقطع، وعن هوية وحقيقة "وجبة الإفطار"، هناك لقطات أخرى تثير مجموعة من الأسئلة التي يمكن توجيهها إلى "المخرج" عله يجد له جوابا، أو ينقلها إلى "القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة" ليجيب عنها:
• إذا كان بشار "شجاعا" بحيث لايتطلب ظهوره في المناطق الساخنة ارتداء درع واق، فما بال حرسه الشخصي يتحرك بعصبية وتشنج ظاهرين، ولاينفكون يحاولون الإحاطة به من كل جانب (الدقيقة 1.30 مثلا)، وما بال الشخصين المدججين بالسلاح وبدرعين أسودين، وهل يصح لهما أن يخافا على روحيهما أكثر من خوفهما على روح "سيادته" (الدقيقة 2.02 مثلا)؟
• منذ متى تؤدى التحية بالقبعة الرياضية، وهل تعد القبعة الرياضية بمثابة القبعة العسكرية، بحيث يصح أن تؤدى بها التحية لأعلى رتبة في الجيش (القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة)، كما توضح الدقيقة 6.58؟
• لماذا يبدو "القائد الأعلى" غير مدرك لجغرافية المنطقة التي يزورها.. لايعرف فيها الاتجاهات ولا المسافات، ولايدرك حتى موقع "العدو" (كما في الدقيقة 1.44 وما بعدها مثلا).
• لايظهر في أماكن بعض "الدشم" أي أثر للرصاص، ولا للفوارغ، وتخلو بعض الجدران المجاورة لتلك الدشم من أي أثر للاستهداف بالرصاص أو القذائف (الدقيقة 5.28 مثلا)، فهل لهذه "الدشم" خصوصية تجعلها "محمية" من الاستهداف، لاسيما أنها "ستتشرف بزيارة سيادته"؟!
• هل هناك من تفسير لتردد بشار وتلعثمه في نطق كلمة اللقمة بـ"الهمزة" قبل أن يصحح وينطقها بالقاف (2.57)، وما مدى مصداقية ادعاء بشار بـأنه يتناول "أطيب لقمة في حياته"، بينما لم يضع في فمه على مضض سوى ملعقتين من الطعام (حساء وبرغل)، وأخذ لقمتين فقط من البطاطا والبيض المسلوقين.
• لماذا أصر مرافق بشار على الجلوس إلى "مائدة الإفطار" ببندقيته، رغم أن المرافقين الآخرين كانوا منتصبين خلف بشار بكامل سلاحهم، وهل حشر هذا المرافق نفسه مسلحا إلى جانب بشار (الدقيقة 7:20) يؤكد من جديد على مدى "جرأة سيادته"؟
إيثار عبدالحق- زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية