طقس من الطقوس الأصيلة لحارات سوريا وأزقتها قد لا تخلو مائدة من وجوده في رمضان، هذه المائدة التي افتقدت لكثيرين كانوا يلتفون حولها اليوم، فربما فقدت أباً ظلت جثته تحت الأنقاض، أو أخاً اعتقله النظام بتهمة "إضعاف الشعور القومي"، ولم يتسنَّ له أن يفقد ابناً نسي أن يخفض رأسه أثناء مرروه من أمام بندقية القناص.
هذا ما يقوله بائع "العرق سوس" "أبو يهم" اللاجئ في لبنان، من بلدة "بخعة" في القلمون الغربي الذي يعلم ما الذي ينكأ جراح السوريين ويستنفر دموعهم من جديد، إنه كل ما يذكر ببلادهم بشكل مباشر، والعرق السوس واحدة من تلك المنبهات التي توقظ الحزن بذاكرة سورية تبحث عن قسط من راحتها بأن تهرب للنسيان.
* جذور نبتة... وجذور وطن
يشرح "أبو أيهم" آلية تحضير مشروب رمضان الرئيس، إذ يجهز نبتة العرق سوس يوميا ليعمل على تحضريها للاجئين في المخيمات، وهي عملية ليست صعبة، فقط تتطلب لف كمية من العرق سوس والذي هو جذور نبتة السوس بقطعة من الكتان السميك، ومن ثم رش القليل من الماء عليها بشكل دائم ومتواتر، بحيث يتغلغل الماء عبر قطعة الكتان ليمتزج مع جذور نبتة السوس ثم ينساب عبر مجرى يصل لوعاء ثانٍ بعد أن يكون أخذ طعم ولون جذر السوس، ويعاد غرف الماء الخارج عن القماشة ليصار إلى رشه مجدداً فوق القطعة الكتانية التي تحوي جذور السوس، لتعاود امتزاجها بالجذر مرة ثانية وثالثة ورابعة الأمر الذي يزيد من حلاوة طعمها وجمال لونها الذي يزيد اقترابا من اللون البني الغامق الذي يشبه لون القهوة.
يقول "أبو أيهم" إن "عرق السوس" يساعد على الشفاء من القرحة المعوية خلال أشهر، ويشفي من "الحرقة" التي تصيب البلعوم بعد الإفطار، ويساعد على ترميم الكبد لاحتوائه على معادن مختلفة.
وليس ذلك وحسب فهو مدر للبول ويشفي من السعال، ويساعد على الهضم، كما يساعد على تنقية الدم لكن ينصح بعدم تناوله من الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
نبتة عرق السوس التي تنبت في مناطق شرق المتوسط، كما يقول "أبو أيهم" الذي يزاول هذه المهنة منذ أن كان في سوريا، قد يسبب الإفراط في تناول شرابها السمنة لذلك ينصح بعدم تناوله من قبل أصحاب السمنة الزائدة.
يحمل "أبو أيهم" يوميا شرابه بسيارته المتواضعة ليطوف به على مجمل مخيمات السوريين بعد صلاة العصر ويقدم لهم شرابه "التراثي" الذي إن عجز عن إطفاء ظمأهم وحنينهم لوطن فارقوه منذ ما يقارب 6 سنوات، فإنه بالتأكيد سيكون قادرا على إرواء عطشهم بعد صيام يوم يزيد عن 15 ساعة، شراب تمت صناعته من جذور نبتة، لإطفاء ظمأ لاجئين يتأرجحون على جذر وطن.
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية