أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من قصص "الوجع السوري".. آخر الأكفان بتوقيع "والله لنمحيها"

محمود رضوان - زمان الوصل

لا مجلس عزاء بعد اليوم، ولا قهوة مرة، ولا مُواسين.. "عظم الله أجركم"، عبارة لن يسمعها "محمد شحادة" أبو خالد عقب استشهاد زوج أخته وأبنائه بالكامل، لن يسمع من يناديه "يا خالي" مجددا، ولن يرن جواله بعد اليوم ليطمئن على أحد منهم أو يطمئنوا عليه، هو لا يعرف أين أضحت قبورهم الآن ليشتلها بالآس والريحان، لكنه يعرف كيف ينثر فاتحة الكتاب كل "عصرية" في سماء غربته في لبنان علها تهتدي إلى قبورهم المشتتة بين أصقاع البلاد، وتحل عليهم نورا ورحمة.

*الناجي الوحيد
كانت المجزرة الأولى وقتها في ريف القصير الشمالي وتحديداً في قرية "البويضة الشرقية"، عندما دخلت دبابات جيش النظام في2011/11/26 لتبدأ حملتها في الإبادة والقتل حاملة شعار "والله..لنمحيها".

ولم تكن تتوقع الأم "شهيرة شحادة" (50 عاماً) أن "هاء الغائب" في تلك المفردة الباردة الحاقدة "نمحيها" سيكون لأسرتها منها كل النصيب، فبعد خروج الدبابات جلست لتحصي فجيعتها وتعد شهداءها، فما كان منها إلا أن قسمت دموعها ونحيبها وحسرتها على أربعة، هم زوجها "محمود رضوان" شرطي متقاعد (52 عاماً)، وباكورة أولادها "محمد محمود رضوان" (٢٥ عاما) كان يعمل في معمل للزيت، لم يمضِ على زواجه سوى شهرين، وولدها الثاني "يوسف محمود رضوان" (22 عاماً) كان يعمل في معمل للأدوية، عازب، و"حذيفة محمود رضوان" (١٢ عاما) تلميذ في الصف السادس.

*قسمة لم تبدُ عادلة 
وهي التي خبأت الكثير من دموعها لتذرفها فرحا بنجاة ولدها الوحيد المتبقي "أحمد" الذي أخطأته يد الجيش القاتلة وقتها.

لم تعرف "شهيرة"، بأي أرض ستحط قافلة حزنها هرباً بولدها المتبقي الوحيد، "أحمد محمود رضوان" (23عاماً) الذي سارع للانشقاق عن "الفرقة الرابعة" بعد المجزرة التي حلّت بأبيه وإخوته.

انشق ليلتحق بالثورة طالبا ثأره من قتلة أبيه، وليأخذ بثأر كل أولئلك الذين قضوا ظلما على يد قوات الأسد.

ربما هربت به لأماكن بعيدة، وزوجته وأنجب طفلين هما "محمود" سنة و9 أشهر و"عائشة" 9 أشهر.

لكنه أصر أن يتوه عنها "ليلحق" ببندقيته أينما وجهت سبطانتها، وكانت آخر وجهاته اللاذقية في منطقة "جبل التركمان" تحديدا، حيث الأرض هناك أشد قربا والتصاقا بالسماء، وحيث المسافات تصبح أقصر بينه وبين إخوته، مسافة طوتها ضغطة زناد ظالمة من صاروخ "كورنيت" عجلت باستشهاده في 28/نيسان ابريل الماضي، ليحل بعد 5 سنوات ضيفا على إخوته وأبيه، وليطوي سجل عائلة بأكملها في ذاكرة الثورة السورية، تاركاً أمه "شهيرة" وزوجته وطفليه في ريف إدلب، يبحثون في أرشيف الصور عما يواسيهم ويطفئ حنانهم لعائلة كانت هنا يوما، كانت تسمى عائلة العم "أبو محمود".

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(104)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي