"أدونيس" وصف الثورة السورية بـ"الوهابية" وكتب كتاباً "عائلياً" عن مؤسسها قبل 30 عاماً

منذ بداية الثورة السورية والشاعر أدونيس لا يكف عن وصف الثورة السورية بالوهابية وبتبعيتها لآل سعود، وبأنها ثورة خرجت من المساجد، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذا الشاعر الذي صمت تجاه جرائم النظام ولم تبدر منه كلمة تدين جرائمه، أصدر منذ أكثر من 30 عاماً كتاباً مع زوجته الناقدة خالدة سعيد عن الإمام محمد بن عبد الوهاب ضمن سلسلة (ديوان النهضة) التي كانت تصدرها دار الملايين ببيروت عام 1983 قبل أن ينكفىء إلى قوقعته الخمينية ويكتب قصيدة يمتدح فيها الإمام الخميني.
والمفارقة أن أدونيس يرفض حتى اليوم إدراج الكتاب ضمن لائحة أعماله وترجماته ومختاراته، ما يشير إلى حالة من الانقلاب الفكري والتناقض الوجداني، وعلى عكس الكثير من المثقفين العرب الذين بدؤوا حياتهم بالدعوة إلى التنوير والحداثة وثقافة العصر والمستحدثات الفكرية، وانقلبوا فيما بعد على عقبهم.
بدأ أدونيس في كتابه تقليدياً ليتنصل فيما بعد من الكتاب، ويصف الناقد الدكتور "عبد المعطي سويد" هذه الحالة بـ"الردة" أو الانقلاب من نمط فكري إلى نمط آخر.
وأشار سويد لـ"زمان الوصل" إلى أن الانطلاق لدى هذا المثقف أو ذاك قد يكون حداثوياً، تنويرياً مبنياً إذا شئنا القول على الإعجاب بالحداثة والتنوير، ولكن هذا الموقف لم يكن موقفاً عقلياً حاسماً، لذلك سرعان ما ينهار أو يحل محله نقيضه أي الجانب الانفعالي الآخر والإعجاب الآخر المواجه، أي العودة إلى الرواسب القديمة، أو صدور هذه الرواسب بلا رقيب من العقل وأدواته وقوانينه وتعود النوازع القدرية والإيمان الساذج والطاعة والأمور الغيبية، أو يحدث النقيض -كما في حالة أدونيس.
ويشير "سويد" إلى نماذج من المثقفين العرب شبيهة بأدونيس ومن هؤلاء -كما يقول-"عباس محمود العقاد"، الذي مدح الاستعمار البريطاني ثم انطلق إلى مدح الجماهير المناضلة، وكذلك الدكتور "طه حسين" أيضاً الذي بدأ حياته الثقافية -كما يقول- تنويرياً بمشروعه الفكري، ملقياً ظلال الشك العقلي المنهجي على تفكيرنا الأدبي (في الشعر الجاهلي)، داعياً إلى اللجوء إلى العقل ومادحاً ديمقراطية أثينا، وقادة فكرها، ومطالباً بإصلاح التعليم ... إلخ ثم ناهياً حياته بالعودة إلى "الإسلاميات".
أما الظاهرة الطريفة –حسب "سويد"- فهو الدكتور "زكي نجيب محمود" الذي بدأ أيضاً حياته الثقافية والفكرية بنشر كتب حول الفلسفة الوضعية المنطقية والمنطق الوضعي، والهجوم على التفكير الغيبي، في كتابه"خرافة الميتافيزيقيا"، إلا أنه "رجع في نهاية مشوار حياته إلى الجوانب التراثية العربية– الإسلامية باحثاً عن "المعقول"، وكذلك في سلسلة كتبه حول " البذور والجذور " ... إلخ.
وبدوره رأى القاص والكاتب الصحفي "نجم الدين السمان" أن "ما يفعلهُ أدونيس تحديداً.. ومنذ زمنٍ بعيد؛ هو إنتاجُ إرهابٍ فكريٍ باسم العلمانيّة والعقل؛ ضدّ إرهابِ التطرف الديني؛ ولا علاقة لهذا بالعلمانيّة في شيءٍ؛ كما لا علاقة له بالعقل.. وسؤال العقل؛ وبهذا- كما يقول السمان- فادونيس يُنتج الإرهاب مرَّةً ثانية؛ ولكن.. مقلوباً على رأسه؛ بينما تتلوّى قدماهُ في الهواء؛ فيما يقفُ التطرّف الديني والمذهبي على قدمينِ من تاريخٍ.. لم نُقارِبهُ بالأسئلة بعد".
واعتبر "السمان" في تصريح لـ"زمان الوصل" أن "المعركة ضدّ التطرّف الديني والمذهبيّ.. لا تستقيم بإيذاء مشاعر المُتدينين الوسطيين؛ و بخاصّةٍ الإسلام الشعبيّ السنيّ؛ بل إنها تدفعهم إلى أحضان التطرّف بأسرعَ ممّا يتصوّر أدونيس".
وأضاف "يُترجم أدونيس بالضبط؛ خُطّةَ آية الله بوتين خامنائي الأسد؛ في تحويل ثورة الحرية إلى مجرد حربٍ مذهبية طائفية؛ وليست دوائر ما يُسمّى بالعالم الحرّ بريئةً من هذا "الاحتواء المزدوج" للثورات العربية؛ ولأكثرها جذريةً: الثورة السورية؛ وهي الثورة التي كشفت الجميع؛ بل إنها أزالت الأقنعة عن الوجوه.. بما في ذلك قناعُ أدونيس".
وختم الكاتب الساخر أن "الثورة السورية أطاحت بكلّ مابناه أدونيس لنفسه بوصفه مثقفاً عربياً بنكهة فرانكفونية مًعَولمة؛ لِتَرُدَّه إلى توصيفه الحقيقي.. كمجرد مثقفٍ لطائفة ولمذهب.. برغم كلّ ادعاءاته بالعلمانية وبالعقل و بالتنوير".
وكان أدونيس قد دافع في لقاءات صحفية معه عن كتابه "الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب" الذي وضعه مع زوجته الناقدة الدكتورة "خالدة سعيد"، معتبراً أن "هذا الكتاب هو جزء من مشروع تتمه لـ"الثابت والمتحول"، مشيراً إلى أنه وضعه لكي يروي كيف قرأ عبد الوهاب الإسلام، وهي قراءة مؤثرة في المجتمع العربي بحسب وصفه.
وأضاف كيف "لا أكتب عنه وهو مالئ الحياة العربية، ومصر بالدرجة الأولى، برؤيته للإسلام".
وأردف في حالة من التناقض "لكي أحارب شخصاً يجب أن أفهمه"، منوّهاً إلى أنه ليس من الأشخاص الذين إذا عادوا فكر شخص ما يهملونه، بل يذهبون إلى عمق أعماقه لكي يعرفوا طريقه، وعاد في دفاعه عن الكتاب ليعتبر محمد عبد الوهاب من أكثر المفكرين تأثيراً في العالمين العربي والإسلامي.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية