لم يود السوريون بعد انتفاضتهم السلمية أن تتعسكر الثورة، إذ ضمت بصفوفها مواطنين من كافة الإثنيات حول شعارات الحرية والعدالة، ونادت بمطالب مدنية أقلها إصلاحات مدنية وحقوقية، حتى قارعت نظام الأسد بالزوال من التاريخ الحديث بعد ممارساته الدموية فلجأت إلى القوة والعسكرة.
وشهدت الثورة مخاضاً صعباً للوصول إلى هياكل مؤسساتية ثورية تمثلها وتمثل المعارضة المسلحة التي نشأت بمرارة الواقع، وذلك سعياً منها لمستقبل يختفي فيه الظلم وتذوب فيه الصراعات، لكن ما إن سيطر الثوار على مناطق واسعة من البلدات والمدن، حتى بدت حالةً من الفوضى والانفلات الأمني تضرب المنطقة برمتها.
ومع نزوح أعدادٍ هائلة من الأهالي تحت وطأة قصف النظام بلا هوادة، حتى لم تستطع المعارضة أن تصمد أمام الانفلات الأمني والفجوات التي خلقتها رقعة الأرض الواسعة المحررة إلى جانب الفوضى التي عمت بلداتٍ ومدنٍ، لطالما حلم أهلها بجهازٍ أمني يحترمهم بعيد تموضع الأخير في بقعة بالغة السوء في ذاكرة الناس والتي ترسخت إبان حكم الأسد.
وبينما بدا أن كتائب الثوار والتحالفات المعارضة سارعت لإنشاء مجموعات من الشرطة المدنية وفتح محاكم جديدة إسلاميةً ومدنية، بهدف اللحاق بركب صيرورة الأوضاع في المنطقة للحيلولة دون الفوضى وتحقيق الاستقرار السكاني والأمني، بعد أن بدا على شفا الانهيار، لكن حدث ما أبدل وجه المصير.
*اغتيالات بالجملة في معظم المناطق المحررة
بيد أن الكتائب المقاتلة فشلت إلى حد بعيد بإدارة بعض المناطق، واتجهت لتكون طرفاً في نزاعات راح ضحيتها قادةٌ بارزون من المعارضة، وبعض العامة من السوريين أحياناً قليلة، في حين أضحى انتشار السلاح في المحال التجارية وبين الناس أمراً اعتيادياً دون رادعٍ، ليبدأ مسلسل اغتيالاتٍ للقادة الميدانيين المعارضين، وضرب مقرات أيضاً بسيارات مفخخة، الأمر الذي بات يهدد الثورة وأصحابها بلا استثناء، أمام غياب التنسيق وانتشار عملاء وأجندات مجهولة.
*مسلسل الاغتيالات
التاسع من أيلول سبتمبر عام 2014، عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساءً، قضى أكثر من 50 عنصراً من "حركة أحرار الشام" خلال تفجير استهدف اجتماعا لهم في ريف إدلب، أشهرهم القائد العام للحركة "حسان عبود"، و(اغتيال القيادي العسكري العام لـ"الفرقة الأولى الساحلية" في ريف إدلب "عماد طبق" يوم الأربعاء الماضي)، (اغتيال كل من "عدي أحمد الرحمون" قائد "لواء البتار" من تجمع العزة التابع للجيش الحر بمدينة خان شيخون، والرائد "بسام عبدالرزاق"، المسؤول الشرعي لـ"حركة بيان" بريف إدلب في يوليو / تموز 2015)، (اغتيال القيادي في حركة "أحرار الشام "عبد القادر الضبعان" في بلدة "جرجناز" في كانون الثاني/يناير 2015)، (اغتيال قائد كتيبة شهداء الخالدية "أبو وائل الحمصي" كانون الأول/ ديسمبر 2014)، (اغتيال قائد حركة أحرار الشام "أبو راتب الحمصي في قرية الفرحانية بريف حمص يناير/ كانون الثاني)، (اغتيال القائد العسكري للواء أهل السنة "باسل البردان" بريف درعا في 1 نيسان/أبريل)، (اغتيال القائد الميداني للواء مغاوير حوران "أبو علي العبود" بعد زرع عبوة ناسفة في مقره ببلدة الجيزة)، (اغتيال القائد الميداني في تجمع ألوية الإيمان بالله كمال الحموي في نيسان / أبريل العام الماضي)، (رئيس محكمة دار العدل "أسامة اليتيم" في حوران قرب صيدا الشرقية منتصف كانون الأول/ ديسمبر)، (اغتيال زهير الزعبي القائد الميداني بفرقة شباب السنة في بلدة الجيزة في تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي)، (اغتيال قائد كتيبة "أحرار الصنمين" أبو إبراهيم الصنميني في بلدة "نمر" بريف درعا)، (اغتيال "عمر موسى" أحد قادة "حركة حزم" بريف المهندسين في ريف حلب أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، واغتيالات أخرى فضلاً عن عشرات المحاولات في هذا الصدد طالت قادة ميدانيين وعسكريين للألوية والكتائب المعارضة.
*خلايا نائمة وجاسوسية عابرة
تتم عمليات الاغتيال من قبل الخلايا النائمة بطرق عدة أولها رمياً بالرصاص، إلى جانب عملية زرع العبوات التي تتطلب تخطيطٌاً واختراق، ومن ثم التنفيذ، الأمر الذي يحتاج لوقت أطول ودعم لوجستي واستخباراتي، فيما برزت أيضاً مسألة السيارات المفخخة وكذلك الدراجات النارية الملغمة.
وعلاوةً عمَّا سبق تتعدد أنواع الاغتيالات لتصبح بيد اللاعبين الدوليين الأكثر خطورةً في قصفهم لمواقع قوات المعارضة وكان آخرها اغتيال "زهران علوش" قائد "جيش الإسلام" في حادثةٍ مريبة هي الأولى من نوعها حين قصفت مقاتلة حربية تتبع لسلاح الجو الروسي، اجتماعاً ضمَّه مع كبار المسؤولين ضمن اللواء في مقرٍ بالغوطة الشرقية في ريف دمشق نهاية العام الماضي، فيما كشفت مصادر صحفية تورط الأردن في عملية اغتيال "علوش"، كما رجحت العديد من المصادر أن يكون اغتياله ناتجاً عن تسريب معلومات استخباراتية للروس من أجهزة أمنية عربية.
*الحاجة لجسم عسكري موحد
العقيد الركن "شوقي أيوب" أحد القادة الميدانيين لدى الفصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، أوضح لـ"زمان الوصل" أنه لا يوجد انفلاتٌ أمني بمعناه الواسع، في ظل غياب السلطات الرسمية الموافق عليها، مضيفاً في الوقت ذاته أن الاغتيالات هي من سمات الثورات، كما نوه إلى أن من بين أحد أسباب الاغتيالات، أصحاب التصريحات السريعة لكل من يقف بوجه أصحاب المشاريع دون ذكر تفاصيل أكثر في هذا الصدد.
وأوضح "العقيد أيوب" أنه ثمة تجاوزات بين الفصائل، فضلاً عن كثرة جواسيس النظام وعملائه ومخبريه، في المناطق المحررة، كما دعا لوجود جسمٍ عسكريٍ ثوريٍ موحد له أجهزته القضائية والأمنية واللوجستية وغيرها لضبط الأمن والعمل والتنسيق المشترك.
من جانبه عزا المحلل الاستراتيجي والعسكري "فايز الأسمر"، أن من أبرز سمات عدم استتباب الأمن في مناطق سيطرة الثوار هي فوضى السلاح، إلى جانب كثرة الاختراقات وسهولة حدوثها لعدم وجود أمن للأفراد والعمليات والمقرات.
وأضاف أيضاً أن تجنيد العملاء والجواسيس كذلك وتغلغلهم في الفصائل الثورية كمقاتلين وفي المناطق المحررة، منوهاً إلى ضعف كبير في السرية للتحركات والتحطيط والتنفيذ للمهام وعشوائيتها وبالتالي سهولة الحصول على المعلومات.
بدوره أكد الباحث والناشط "علي قسوم" أن من الطبيعي جداً حدوث الانفلات الأمني لقاء غياب التنسيق الفعلي والتعاون الحقيقي بين فصائل المعارضة بسبب تعدد الولاءات والداعمين وغياب آلية عمل موحدة، الأمر الذي يجعل الاختراق سهلاً.
واستطرد "قسوم" قائلاً: باستطاعة أي محموعة أن تقود مركبةً أعلاها رايةٌ معينة لأحد الفصائل، وتقلد الثوار وتمر من جميع حواجز المعارضة، لافتاً إلى أنه يجب تدارك هذا الأمر باقتناع قادة الفصائل في ضرورة تشكيل جسم سياسي وعسكري وأمني وقضائي موحد، فالحل الوحيد هو توحد الفصائل تحت قيادة وراية واحدة.
وتابع أيضاً أن الداخل وأهله من مدنيين ونشطاء ومجالس محلية وغيرهم، نادوا بالوحدة والتنظيم والتنسيق لكن للأسف لاحياة لمن تنادي، فمن الذي سيقوم بهذه المهمة ومن الذي سيقبل أن يتعاون مع الآخر على حد قوله.
ومع استمرار وتيرة الفلتان الأمني في التصاعد ضمن المناطق المحررة، تمكنت كتائب الثوار من كشف عدة مجموعاتٍ وخلايا مختصّة بالعبوات الناسفة وزرع الألغام، في ريف إدلب ومناطق أخرى بريف درعا وغيرها، واللافت أن بعض عناصر الخلايا ينتمون إلى فصيلٍ يُحسب على المعارضة المسلحة، فيما عزى ناشطون ومصادر مطلعة أن غالبية الاغتيالات تمت على أيدي عملاء للنظام وكذلك لتنظيم "الدولة الإسلامية".
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية