أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحرية بتوقيت ساعة حمص.. اعتصام بدأ بمراسم دفن وانتهى بمجزرة

18 نيسان يومٌ لا يُنسى في حمص - أرشيف

قد لا يكون الوقت مناسبا للنكات في تلك الليلة الربيعية 18 نيسان/2011، إلا أن عبيدة أطلق حكمه مؤكدا أن عناصر مخابرات النظام سيأتون إلى ساحة الاعتصام في الساعة الجديدة بحمص ويقتلون المعتصمين قبل أن يعودوا إلى ما كانوا يمارسون من شرب المتة والتدخين.

حينها لم يأتِ حكم "عبيدة" إلا عن دراية وخبرة اكتسبها خلال خدمته في الشرطة العسكرية، وهو أحد أجهزة النظام القمعية الذي كان عناصره يسوقون الشبان إلى الخدمة الإجبارية بكل وحشية أيام السلم، فما بالك وطبول الحرب الكونية تُطرق على الأبواب.

في سهرة ضمت عشرات الآلاف من أبناء حمص ليل 18 نيسان في ساحة الساعة، كان "عبيدة" يتحدى زملاءه في المجموعة التي كانت تناقش مصير الاعتصام الذي بدأ للتو بعد الانتهاء من مراسم دفن 12 شهيدا في حي "باب السباع" شارك به نحو 100 ألف عادت أغلبيتهم الساحقة إلى الساحة.

وكان يكرر عبارته "سيأتي رجال المخابرات ويقتلوننا ثم يعودون إلى شرب المتة". وهذا ما حدث بشهادة روايات معتصمين ناجين بينهم "عبيدة" نفسه، دعمتها شهادات أفراد من المخابرات بعد انشقاقهم، أو عناصر من مجموعات "الشبيحة" عقب وقوعهم في الأسر في أحداث لاحقة. لتصبح "مجزرة الساعة" علامة فارقة في تاريخ الحراك السلمي بسوريا، نصّبت حمص عاصمة للثورة السورية.

* تفاصيل لا تُنسى
"خليل الكردي" أحد الناشطين روى بعض ما حملت ذاكرته من ذلك اليوم الذي نجا فيه من مرافقة المئات من أبناء حمص إلى الدار الآخرة بقدرة قادر، وتحدث في شهادة سابقة لـ"زمان الوصل" عن سيل من الناس جاؤوا من شارع حي "البياضه" الرئيسي قادمين من دير بعلبه ومع مرور موكب المتظاهرين بكل حارة جديدة كان يتزايد العدد، بعد رجوع موكب تشييع 12 شهيدا سقطوا في اعتصام اليوم السابق 17 نيسان في ساحة باب السباع.

ويضيف "خليل" إن "حمص كلها صلت على الشهداء في الجامع النوري الكبير وكان الناس كالبركان القابل للانفجار بعد حمل الشهداء إلى مثواهم الأخير في مقبرة الكتيب"، مشيرا إلى أن أهل حمص كانوا يتشوقون للنزول والاعتصام في ميدان الساعة، المحرم عليهم خلال أي يوم جمعة بعد صلاة الظهر بفعل التعزيزات التي يزجها النظام في ذلك اليوم بالذات.

ويخبرنا "الكردي" الذي كان أحد عناصر حواجز التفتيش للمعتصمين قبل دخولهم ساحة الاعتصام بأن الناس عندما أثناء عودتهم من المقبرة كانوا مثل السيل الجارف، مضيفا "لا أزال أذكر مشهد المتظاهرين أثناء دخولهم الساعة رأيت أولهم ولم أرَ آخرهم".

ويكشف أن مشاعر المعتصمين اختلط فيها الغضب الشديد مع الخوف من ردة فعل همجية قوات وشبيحة النظام.

غير أن المفاجأة تجسدت بغياب كل مظاهر الأمن أو أي أحد يمثل النظام لدى وصول المتظاهرين ميدان الساعه مقابل قيادة الشرطة في مركز المدينة.

ونقل "الكردي" قصصا من المحبة والعطاء والتعاضد بين المشاركين شهدتها ساحة الساعة قبل المجزرة بساعات، في مشهد يجسد التلاحم بين أبناء حمص تخلله اختلاف بالرأي بين المعارضين العلمانيين ومنهم نجاتي طيارة والمشايخ، الذين أرادوا نقل الاعتصام الذي شارك فيه أهالي المدينة والريف إلى مسجد خالد بن الوليد.

وذكر "خليل" أن فرعا أمنيا اتصل بالشيخ "سهل بن محمود جنيد" المعروف لدى أهل حمص، لافتا إلى أن الفرع المذكور استدعاه وبعض المشايخ إلى مقر الفرع.

ورشحت معلومات أن ماهر الأسد شقيق بشار اتصل بالمشايخ، مهددا بانسحاب المعتصمين من الميدان وإلا..

تزامن ذلك مع أنباء عن استقدام النظام أعدادا كبيرة من الجيش والأمن والشبيحة لفض الاعتصام، يستقلون باصات احتشدت على مداخل حمص من جهات الشمال (حماه) والجنوب (دمشق) والغرب (طرطوس)، بحسب "الكردي".

وأضاف "مع عودة المشايخ من الفرع الأمني دخل علينا شاب يرتدي بدله رسميه طقم قال بالحرف أنا أخوكم ضابط بقيادة الشرطة لقد جمعوا لكم قوة هائلة لفض الاعتصام نصيحة لله أخرجو بأرواحكم سالمين"، وعندها تعالت الأصوات متهمة إياه "مندس خاين" وما شابه.

وعند الساعه الواحد والنصف وخمس دقائق بدأ المشايخ يتكلمون مع الناس المتبقين، مطالبين بفض الاعتصام.

وتابع "الكردي" إنه تم جمع الضابط مع المشايخ وحمايتهم من الناس ومن ثم إدخالهم إلى ممر آمن فيه كوة للاتصال بحمايه من الشباب.

إلا أن أمن النظام وشبيحته فاجؤوا المعتصمين بالأنوار الليزرية للحؤول دون رؤيتهم ما يجري في الجهة المقابله للميدان عند الساعه القديمه المجاورة لقيادة شرطة المحافظة.

ويصف الكردي لحظات بدء فض الاعتصام التي أطلقها الرصاص الخطاط ومصدره الأحياء الموالية معلنا بدء اقتحام ساحة الاعتصام، وذلك في تمام الساعة الواحد وأربعيين دقيقة.

وأكد أن الرصاص كان يأتي من كل شرفه محيطة بساحة الساعة الممتدة على طول شارع القوتلي بين الساعتين القديمة والجديدة، موضحا أن رجال النظام كانوا محيطين بالاعتصام من كل جانب، باستثناء شارع الدبلان.

* رواية من قلب النظام
وتداول الشارع الحمصي حكايات حول مجريات الأحداث حول الاعتصام، وسبق أن نقلت "زمان الوصل" شهادة صف ضابط منشق عن أمن النظام (الأمن السياسي) في حماه حول تلك المجزرة، فقال ما ملخصه أن أوامر جاءتهم للاستعداد كي يذهبوا إلى حمص، بقصد فض الاعتصام، وبعد منتصف الليل شقوا طريقهم باتجاه وسط حمص، حيث مكان الاعتصام.

وتحدث عن محاولات لفض الاعتصام بالتفاوض مع بعض رجال الدين، وبعد تهديد ووعيد وإطلاق نار في الهواء الطلق غادر قسم من المعتصمين معظمهم من النساء.

وأضاف بأن عملية فض الاعتصام بالقوة بدأت رغم أن المفاوضات بين قادة الأمن ورجال الدين لم تنتهِ بعد، وذلك بإطلاق نار مباشر على المعتصمين، مؤكداً ملاحقتهم بالرصاص وهم يهرعون هاربين إلى الشوارع الملاصقة لساحة الساعة في شارع "شكري القوتلي".

فاستشهد المئات (قدر عددهم بين 600-1000 شهيد)، إضافة إلى الجرحى والمعتقلين الذين فقد معظمهم فيما بعد.

والمشهد الأكثر فظاعة كما يروي ابن دير الزور كان فجر ذلك اليوم حين جمع رجال الأمن والشبيحة الجثث المكوّمة على أرض الساحة ونقلها عبر سيارات أمنية (بيك آب)، إفساحاً للمجال أمام رجال الإطفاء كي يزيلوا آثار الجريمة من دماء صبغت الاسفلت الأسود بالأحمر القاني.

* انتهاك رمزية الساعة
لم يترك النظام مناسبة إلا وحاول الإساءة لرمزية ساحة الساعة الجديدة أو "ساحة الحرية"، فبعد خروج الثوار من حمص القديمة بموجب اتفاق مع النظام في ربيع 2015، سمح للأهالي الدخول إلى المنطقة، وتسلق عدد من الموالين جدار الساعة والتقطوا حولها صورا في محاولات اعتبرها ناشطون استفزازا للثورة والثوار.

وفي آخر مسرحياته عن "اللحمة الوطنية" استقدم النظام مجموعة متنوعة من النساء والرجال ومن كافة الشرائح العمرية ومن طوائف متعددة، ليزرعوا ورودا وأشجارا على مدخل شارع الحميدية الملاصق لشارع "القوتلي"، حيث حدث اعتصام الساعة التي روى مئات الشهداء ساحتها بدمائهم.

زمان الوصل
(150)    هل أعجبتك المقالة (134)

مواطن سوري

2016-04-19

الله يرحمهم ويرحم كل من ضحى في سبيل الخلاص من حكم الطاغية.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي