أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في ذكرى رحيل من لم يرحل..!... د. صلاح عودة الله

"ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرالقوة".. "إن الرجعية تتصادم مع مصالح جموع الشعب بحكم احتكارها لثروته".. "إن الجماهيرهى القوه الحقيقية والسلطة بغير الجماهير هى مجرد تسلط معادٍ لجوهر الحقيقة".. "إننا نحلم بمجد هذه الأمة وسنبني هذا المجد"..!الرئيس القائد الراحل جمال عبد الناصر. تمرعلينا يوم الأحد الثامن والعشرين من أيلول 2008 الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر وامتنا العربية من المحيط الى الخليج تعيش حالة من التشرذم لم يسبق لها مثيلا..حالة من التمزق وانحسار الحس الوطني..حالة انقسامات عربية-عربية وكذلك داخلية، وخير دليل على ذلك ما حدث في وطننا الغالي"فلسطين"..فلسطين التي احبها ودافع عنها هذا القائد بالجسد والروح ورحل وهو يدافع عنها.
"لا يمكن أن نقبل السلام بمعنى الاستسلام..نحن نسعى للسلام من أجل السلام ونحن لا نريد الحرب لمجرد الحرب ولكن السلام له طريق واحد هو طريق انتصار المبادئ مهما تنوعت الوسائل ومهما زادت الأعباء والتضحيات نحن نريد السلام والسلام بعيد ونحن لا نريد الحرب و لكن الحرب من حولنا وسوف نخوض المخاطر مهما تنوعت دفاعاً عن الحق و العدل"... جمال عبد الناصر. لقد زاد من حدة التناقص بين الأمة العربية والاستعمار ظهور الحركة التقدمية العربية الأمر الذي دفع الاستعمار إلى مغامرات عنيفة ومخيفة عبرت عن نفسها عام1967 والتي عرفت بحرب الأيام الستة والتي هي مقدمة لحرب ما تنته بعد.

 ومن هذا يتضح لنا كيف أن عبد الناصر أدرك طبيعة الصراع العربي- الصهيوني وهي أن هذا الصراع صراع مصيري وقومي وحضاري ومن هذه القناعة تعامل عبد الناصر من هذا الصراع وتفاعل مع أحداثه.
كان لجمال عبد الناصر دوره في دعم المقاومة الفلسطينية فهو يقول: "لا يستطيع أحد أن ينكر دور جماهير الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويضيف ليس هناك معيار أو في أدق من الموقف الذي يتخذه أي فرد أو أي جماعة أو حكومة من قضية المقاومة الفلسطينية وأنباء الشعب الفلسطيني. ونرى الآن محاولات العدو وعدوانه للوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة الشركاء في الواقع الواحد والمصير الواحد، ونرى ضرورة هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات هذه المحاولات ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى. أن وعيهم لضرورات الموقف أعمق وأشمل مما نتصور، ولهم القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها".
"إن واجب الأمانة يتطلب منا أن نحدد موقفنا على النحو التالي: ولقد كان ذلك موقفنا دائماً إن المقاومة الفلسطينية تعتبر من أهم الظواهر الصحية في نضالنا العربي، وهي التجسيد العملي للتحول الكبير الذي طرأ على الشعب الفلسطيني تحت ضغوط القهر وحوله من شعب من اللاجئين إلى شعب من المقاتلين". كان جمال عبد الناصر يرى أن ليس أمامنا جميعاً بديل عن القتال من أجل الحق الذي نطلبه والسلام الذي نسعى إليه. كان دائماً يفرق بين القتال وبيت الاقتتال فيقول: "الاقتتال رصاص طائش يعرض الأخ لسلاح أخيه والقتال شرف..الاقتتال جريمة"..! لقد رأى البعض أن نزار قباني ليس وطنيا، بل يدعي الوطنية مستغلا نكسة حزيران 1967 وإن ولادته بعد ذلك كشاعر ثوري كانت ولادة غير طبيعية، مشيرين بذلك الى قصيدته "هوامش على دفتر النكسة"... نكسة عام 1967... نكسة الهزيمة المريعة، أصابت من نزار مقتلا، فكان واقعها على نفسه أليما! ولقد غيرت لديه كثيرا من المفاهيم والقيم في السياسة وإهتزت ثقته في الرجال الذي كان يعقد عليهم امالا عريضة ويراهن على أنهم كانوا يمسكون بأيديهم زمام المستقبل في إسترداد الإنسان العربي لكرامته، بيد أن هذه الأحلام والأماني الوطنية، إنهارت دفعة واحدة، وأصيب بصدمة نفسية قوية، يقول في قصيدته:
أنعي لكم، يا أصدقائي اللغة القديمة، والكتب القديمة../أنعي،/ كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمة../ ومفردات العهر، والهجاء والشتيمة../ أنعي لكم..أنعي لكم../ نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة../ يا وطني الحزين حولتني بلحظة../ من شاعر يكتب شعر الحب والحنين../ لشاعر يكتب بالسكين..! وتبارت في الشارع المصري أقلام عديدة تدعو لمنع دخول نزار قباني مصر، ومنع أغانية في الإذاعة المصرية، بل حتى أن بعضهم حاول أن يقنع وباصرار والحاح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأنه قصده ولو بصورة خفية في قصيدته بعد النكسة,ولكن إيمانا من الزعيم الخالد بحرية الرأي والتعبير والكلمة الصادقة، فقد بعث لنزار برسالة شخصية معبرة تلغي كل التدابير الي كانت قد إتخذت ضد نزار قباني.
وبعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970، والتي هزت كيان نزار قباني،كتب قصيدة رثاء بعنوان "قتلناك":
قتلناك يا اخر الأنبياء../ ليس جديدا إغتيال الصحابة والأولياء../ فكم من رسول قتلنا../ وكم من إمام ذبحنا../ وهو يصلي صلاة العشاء../ فتاريخنا كله محنة، وأيامنا كلها كربلاء..! ويتبدى الميل الأوديبي لفقء العينين، بعد اكتشاف ارتكاب جريمة قتل الأب من دون معرفة: وكنت أبانا.../ وحين غسلنا يدينا اكتشفنا.. / بأننا قتلنا منانا..!
وفي مقطعها الأخير يحاول قباني إظهار حزنه عله يستنفذه فيقوى على مواجهة الحدث بعد أن أقنع نفسه بتصديقه . وهكذا يظهر الشاعر عواطفه وراء الفقيد فيطلق العنان لمشاعر الحزن والخسارة والفقدان ويتحول إلى رثاء الراحل عبر انفعالات متداخلة تتكامل فيها وتتكثف كل أوليات وسيناريوهات المقاطع السابقة من القصيدة حيث تتبدى آلية النكوص في قول الشاعر: كل الأساطير ماتت/ بموتك.. وانتحرت شهرزاد..!. أما مشاعر الذنب فيبديها نزار بقوله:
وهذا يريق الدموع عليك وخنجره، تحت ثوب الحداد../ وهذا يجاهد في نومه/ وفي الصحو/ يبكي عليه الجهاد.
أما تعقيل كارثة الفقدان فيتبدى في الأبيات الأخيرة حيث يقول قباني: أنادي عليك أبا خالد وأعرف أني أنادي بواد../ وأعرف أنك لن تستجيب/ وأن الخوارق ليست تعاد..!
تختلف وتتباين وجهات النظر حول جمال عبد الناصر، وأفكاره وسلوكه، وتأثيره على التاريخ العربي المعاصر، إذ يعتقد العديد أن العرب بحاجة الآن لقائد مثل جمال عبد الناصر لقربه من تطلعات الجماهير وآمالها في قراراته، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الأولى في العالم العربي، وهي القضية الفلسطينية. بينما يعتقد آخرون أن من أسباب التخلف والفشل العربي الفكر الناصري والقومي، وأن آثار أفكار جمال عبد الناصر لا تزال موجودة لليوم، وتؤثر بشكل سلبي، ويستند المناهضون لجمال عبد الناصر لأسباب هزيمة 1967، ولسياسة جمال عبد الناصر بالتعامل مع الأحزاب والجماعات الإسلامية في مصر أثناء حكمه، وسياسة التأميم للممتلكات التي تبناها.
مما لا شك فيه أن جمال عبد الناصر كان وسيبقى شخصية محورية في التاريخ العربي المعاصر، ودوره في صنع تاريخ المنطقة وأجزاء أخرى من العالم خلال سنوات حكمه، والأثر والأفكار التي تركها، لا يمكن نكرانها. ولكن القدر لم يمهل الرئيس جمال عبد الناصر ليشهد تحرير الأرض ففي 28 ايلول عام 1970 رحل جمال عبد الناصر عن اثنين وخمسين عاماً. رحل وهو يحاول إيقاف نزيف الدم بين الأشقاء في الأردن، وكانت هذه آخر إنجازات الزعيم جمال عبد الناصرعلى الصعيد العربي.
وفي هذا الصدد خصص نزار احد مقاطع قصيدته لمحاولة تعقيل الحدث الصدمي. وهذا التعقيل يتم عادة باسترجاع الملابسات والظروف التي تسببت بالصدمة في محاولة للإقتناع بأنها كانت النتيجة الطبيعية لهذه الملابسات والظروف.. وهذا التعقيل يهدف في الغالب لمواجهة الميل إلى عدم تصديق الحدث..ومن هذا المقطع: رميناك في نار عمان.. حتى احترقت../ أريناك غدر العروبة حتى كفرت..!
رحل عبد الناصرتاركاً خلفه قضايا وصراعات وإنجازات لم تحسم بعد. وفي جنازته سار عدة ملايين من أبناء الشعب المصري والعربي وقد أذهلت الجنازة الأعداء والأصدقاء على حد سواء. خرج الشعب المصري بالملايين لينعى نفسه قبل نعي عبد الناصر فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر بكل ما له وما عليه حلماً لم يكتمل ومشروعاً قومياً عظيماً لم يكتمل أيضاً. كانت جنازته تعبيراً جياشاً عن حجم الكارثة التي ستحدث في الأيام المقبلة.
بكى الشعب المصري جمال عبد الناصر بمرارة وبكاه العرب والعالم المتحضر أجمع.. بكاه العالم وسنظل نبكيه كلما عظمت الخطوب واشتدت المحن وبلغت القلوب الحناجر..لم تفقد مصر وحدها بل فقدت الامه العربيه بأكملها زعيما من الصعب بل من المستحيل ان يأتي مثله. رحل جمال عبد الناصر،ورحلت معه أحلام الكثيرين في توحد كلمتنا بالمحافل الدولية.وفي غياب شخصية عربية مسؤولة قادرة على القرار السليم،عبد الناصر ترك فراغ وطني صادق وإرادة حرة في مواجهة جحافل الظلم والاستبداد.لم يترك إرثاً سلطوياً لأهل بيته،ولم يكنز أطيان وممتلكات يصعب على ورثته حصرها.
ترك مبادىء مشى فيها على خطاه الكثير ومن جيل الشباب تحديدا رغم أنهم لم يعاصروه.إن ما تركه من إرث أعمق بكثير مما يحاول البعض النيل من منجزاته،وأثمن بكثير مما يجمعه السلطويون لعائلتهم بعد الرحيل.عمق الفكر الناصري يرجع إلى أيدولوجية وبرنامج سياسي متكامل يبني صرحاً متماسكاً ومشروعاً وطنيا يهدف إلى الوحدة،لهذا استمر الحزب الناصري ينادي بضرورة تحقيق النهج الوحدوي.
معارك قاصمة خاضها هذا العملاق الأسمر المنحوت من طمي النيل حتي وجد نفسه حزينا‏..‏ فمات بالسكتة السياسية قبل أن يموت بالسكتة القلبية‏..‏ ولم يهدأ الأعداء بموته‏..‏ فقد راحوا يمثلون بسمعته‏..‏ وبدأت عملية الاغتيال الثاني له‏..‏ الاغتيال المعنوي لإزالة كل ما آمن به‏..‏ وما سعي جاهدا لتحقيقه‏..‏ ومنذ أن توفي وحتي الآن ومحاولات تحطيم شخصيته مستمرة‏..‏ فالزهور التي تنبت في الصخور يجب أن تسحق كاملة.ومن اخرهذه المحاولات ما صرح به الشيخ يوسف القرضاوي قبل أيام خلت, حيث شن هجوما ضاريا على أنصار التيار العلماني في مصر..وهاجم القرضاوي بعنف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، رافضا وصف تصريحاته بـ "العنترية"، وقال: "نحن بذلك نظلم عنترة..فقد كان يقول ويفعل، أما صاحبنا (عبد الناصر)، فكان يقول كثيرا ولا يفعل شيئا"..فعلا, شرالبلية ما يضحك..! لن أرثيك ناصرنا،إنما أرثي ضعفنا وهزيمتنا أمام هذا التيار الجارف ليقتص من ضعفنا،وخرس جماعي بات هو السيد فينا..أوطان تباع بالمزاد العلني، وزعامات تُشترى بدم الشعوب لتملك حق جمع النفايات في شوارعنا.

فكيف لا نفتقد إلى من زرع فينا حب وطن كبير يمتد من الماء إلى الماء..لم تكن يوما آخر الأنبياء ومعذرة شاعرنا،إنما قتلناك واغتلنا النخوة فينا..شعوباً تفرق ولا تسد،وما أُخذ بالقوة لا ُيسترد،إنما هو تنازل أكبر بالخنوع والاستسلام لحملات الشر والطغيان..لا نبكيك..إنما نبكي ركبان الفضيحة في تاريخ وصلت فتوحاته إلى أقاصي الأرض،ليسود ظلام الاستسلام متذللاً تحت أقدام امبراطورية الويلات في العراق،وخنوع لأخطبوط استفحل شره بفلسطين..لو عاصرتَ زمن الانهزامات الجماعية وانتكاسة الهمة العربية،لما استنجدت بالنساء والأطفال..إنما وقفت جداراً يعزل زحف احتلال القرن لأرض عشتار وبلاد اللبن والعسل..! وفي الختام أقول,لقد كنت عظيما في حياتك وستبقى خالدا بعد رحيلك يا أبا خالد..وهنا أستذكر:يقولون يا ناصر بأن العالم كله ضدك..وأجابهم بحنكة سياسية وقيادية فذة "وأنا ضد العالم كله"..!

(98)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي