أثارت قضية تكرار الحرائق في مخيم "ديريك" في ولاية "ماردين" التركية الكثير من التساؤلات حول وأضاع اللاجئين السوريين في هذا المخيم، وأسباب الإهمال والتضييق عليهم من قبل المسؤولين عن إدارة المخيم والعاملين فيه، مقارنة بمخيمات اللاجئين في مناطق تركيا أخرى اعتبرت أفضل الموجود في دول الجوار.
في آخر الأخبار الواردة من مخيم "ديريك" –سيء الصيت- فإن صوت سيارات الإطفاء دوت في المخيم صباح اليوم الأربعاء، ما أثار حالة من الرعب وسط أطفال المدرسة والمعلمين، ظنّاً منه أن حريقاً جديداً حصل، قبل أن يتبين لهم أن الأمر مجرد اختبار لحالة الجاهزية لفريق الإطفاء، الذي لم ينجح في إخماد الحرائق التي التهمت عشرات الخيم وأودت بحياة أربعة أطفال وإصابة غيرهم منذ تأسيس المخيم في 2014، وفقا لقاطني المخيم.
وتحدث اللاجئون عن ترحيل نحو خمس عائلات اليوم عن المخيم إلى مخيم ميديات القريب، بينما يتجمهر الكثير غيرهم استعدادا للرحيل منذ يوم أمس بعد حدوث الحريق، أعقبته زيارة شكلية لوفد من الأمم المتحدة منعوا من الحديث إليها.
وأكدَّ المتحدث الرسمي باسم "الرابطة السورية لشؤون اللاجئين السوريين" "مضر الأسعد" لـ"زمان الوصل" أنهم بصدد المطالبة بنقل اللاجئين من ذلك المخيم على أي مكان يكون أفضل، مشيراً إلى سوء المعاملة والتضييق الأمني ومنع الهواتف، في المخيم الذي يقطنه أكثر من 7 آلاف لاجئ سوري.
*حرائق يومية
أكد أحد اللاجئين السوريين في المخيم أن الحرائق يومية في المخيم معظمها يتداركها أهل الخيمة وتُخمد قبل أن تتوسع، معظمها ناتج عن انفجار السخانات والأجهزة الكهربائية الأخرى كالبرادات وغيرها، بسبب قوة التيار الكهربائي في بعض الأحيان.
وانقطاع الكهرباء في رمضان الفائت من الساعة 11 إلى الساعة 4 كل يوم، دفع الكثير من اللاجئين لقضاء هذه الفترة في الجامع كونه أوسع وأبرد من خيمهم، كما بدأ الكثير من اللاجئين يشعلون النار لاستخدامها في صناعة الطعام بسبب طول فترة انقطاع التيار الكهربائي، لكنهم منعوا من ذلك أيضاً لما تشكله النار من خطر عليهم أولاً، وفق المصدر.
يمضي في حديثه، فيقول: في الصيف الماضي، التهم حريق كبير 7 شوادر (هنكارات) أي ما يقارب 42 خيمة، دون وقوع إصابات في صفوف اللاجئين، لكن الحريق ترتبت عليه آثار أخرى أهمها فقدان الأوراق الثبوتية لهم كالبطاقات الشخصية وجوازات السفر وحتى صور الذكريات التي حملوها معهم من سوريا خلال فرارهم من الحرب وتداعياتها.
وعزا اللاجئ سبب توسع الحرائق بسرعة إلى أن الخيم قريبة من بعضها (2م بين الخيمة والأخرى)، كما تجمع ستة خيم في كل شادر (هنكار)، فما إن يندلع حريق في إحدى الخيم حتى تشاركها الخيم الأخرى لهيبها، وهذا ما حصل قبل أيام حيث التهم حريق اندلع في 12 شادرا، وراح ضحيته الطفل "أحمد" (3 سنوات)، النازح مع أهله عن منطقة سهل الغاب في ريف حماة.
واندلع حريق ثالث، يوم الثلاثاء الماضي، أي بعد أربعة أيام من الحريق الثاني، كانت أضراره المادية أقل من سابقيه، حيث طالت ألسنة اللهب 4 هنكارات (شوادر) في القطاع الأول، لكنه خلف وراءه عددا أكبر من الضحايا، هن 3 طفلات لاجئات من حلب تحت سن 10 سنوات، وأصيب آخرون، بينهم والدة هؤلاء الطفلات وسط أنباء عن وفاتها في المستشفى.
فيما يرى اللاجئون أن تأخر فريق الإطفاء في المخيم وعدم جاهزيته له دور في توسع الحرائق قبل إخمادها، لتلتهم الخيم في الشادر(هنكار) وتنتقل لغيره، ويثير اندلاع عدد من الحرائق ليلاً هذا الأسبوع شكوكاً في نفوسهم حول وجود يد خفية وراءها.
*سوء المعاملة
قال "جدعان الشرابي" أحد المقيمين في المخيم إنه جاء مع مجموعة من اللاجئين بينهم قريبه "أبو إبراهيم" وأطفاله الخمسة من سوريا بعد ضغوطات تعرضوا لها من قبل عناصر "الوحدات الكردية" التي سيطرت على ناحية "تل حميس" في الحسكة، وتوقع أن يجد الأمان والراحة من هاجس الاعتقال والإهانة على يد عناصر "الأبوجية" (PYD)، لكنه يشعر بأنه بات معتقلاً في مخيم "ديريك" وليس لاجئا.
زروى "الشرابي" لـ"زمان الوصل" "إن العاجز (أبو إبراهيم) كاد يقتل أطفاله بيده ذات يوم، أحضر لهم الغداء ظهيرة أحد أيام شهر نيسان 2015، وبعد أن أكلوا أخذوا يصرخون وهم يصارعون الموت نتيجة التسمم من الغذاء الفاسد، لم يعرف ما ذا يفعل، فخرج من خيمته هو وزوجته لطلب المساعدة، فإذا المخيم أجمعه يعاني مصيبتهم ذاتها، وهي تكرار لحالة تسمم سابقة أخبره بها من سبقه في الوصول للمخيم.
الحادثة أغضبت الناس فخرجوا يحتجون على ما حدث، فقوبلوا بالعنف وقنابل مسيلة للدموع والعصي والحجارة، وهذا ما لم نكن نتوقعه، وفقا لما قال "الشرابي".
ونقل الرجل عن المدرس "أبو الحكم"، قوله: "كنّا بالمدرسة وقريبين من الحدث فرأينا معاون مدير المخيم السابق أحمد (نقل من المخيم) ومدير المدرسة مراد وجميع الموظفين من أكراد تركيا ضربوا الناس بالحجارة واشتبكوا مع الأهالي الغاضبين، والجندرمة التركية هي من يفك الاشتباك بين الطرفين".
وأشار المصدر إلى أن سكانا في مدينة "ديريك" يخاطبون اللاجئين بطريقة التهديد بقولهم: "أنتم دواعش ولو نملك المدفعية لقصفناكم، ولولا الجندرمة تحميكم لدخلنا عليكم المخيم"، وذلك لتعاطفهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، حتى أنهم طالبوا النازحين عن منطقة تل أبيض بالعودة إليها بقولهم: إنها "تحررت لما تتركونها".
يروي "جدعان" حادثة يقول إنها "أكثر وقعا في نفسه حتى من تسمم الأطفال، تدور أحداثها حول زوجة قريبه "أبو إبراهيم"، والتي تجبر على الذهاب إلى إسماعيل مدير اللوجستية لاستلام السكر والشاي، كون زوجها (معاقا)، لكن هذا الموظف يشترط عليها أن تكشف عن وجهها ليسلمها ما تريد، فتعود إلى أطفالها صفر الدين.
بعد ذلك بدأ "أبو إبراهيم" يذهب بنفسه للحصول على ما يلزم أطفاله من اللوجستية (الجهة المسؤولة عن توفير المواد الغذائية والمنظفات)، فطلب ألبسة لأولاده ذات مرة، لكنه لم يحصل عليها، وبعد مشادة كلامية مع عنصر الشرطة قرب الطبابة داخل المخيم، اعتدى الشرطي على الرجل وطرحه أرضاً، ثم جاء 7 عناصر آخرين لضربه، بينما هدده موظف الأمن "تحسين" بمسدسه، فبادر أحد القاطنين في المخيم يدعى "أبو محمد" للدفاع عن الرجل العاجز وأخذ المسدس من الموظف، لتتجدد المواجهات بين الجندرمة واللاجئين، حتى تم ترحيل الرجلين عن المخيم بعد ثلاثة أيام.
ورداً على مطالبة الناس الوالي بتغيير المدير "تشيتين" ومعاونه "أحمد" والموظف "إسماعيل" رد الثلاثة وقتها، بأن جمعوا النساء فقط، ليلة عيد الفطر لاستلام ثياب العيد للأطفال، وأي امرأة يرافقها رجل أو طفل تحرم من الحصول على الثياب، فلم يتم التوزيع على قاطني المخيم كافة، وفق المصدر.
*استغلال اللاجئين
افتتحت إدارة المخيم متجراً يعد صغيراً بالنسبة لعدد الساكنين في المخيم، يعرف بـ"المول" بين الناس يبيع للناس ما يحتاجون بأسعار غالية، إلى جانب خلق الكثير المشاكل بين اللاجئين خلال الوقوف لفترة طويلة على طابور الدور بانتظار الدخول لشراء أغراضهم، حسب اللاجئين.
ويعتبر قاطنون في المخيم المذكور، أنهم يتعرضون للاستغلال من قبل موظفي الإدارة فهم يشترون ما يحتاجونه بأسعار تزيد على ثلاثة أضعاف، مقارنة بغيرهم من المخيمات السورية في تركيا.
أحد مرضى القلب ذهب برفقة شقيقه إلى المستشفى في بلدة ديريك فأسعفوه إلى مدينة ديار بكر لسوء حالته الصحية، وعند عودته رفضت إدارة المخيم إدخالهم إليه لساعات طويلة، بحجة أنهم خرجوا بدون إذن رغم أن مسؤول الطبابة من أخذهم بحالة إسعاف كون المستوصف في المخيم يقتصر دوره على الإسعافات الأولية وينتهي دوامه في المساء، كما يقول شقيقه.
وليس الحال بأفضل لمن يحول من المرضى على مستشفيات مدينة "ماردين"، فيقابله الممرضون بكلمة "سوري اذهب، الطبيب المختص غير موجود سيأتي يوم كذا"، وهذا يشكل عبئا كبيرا على الناس كونهم سيعودون للمخيم دون علاج وإذن الخروج يصعب الحصول عليه مرة أخرى.
المخيم (ديريك) أقامته إدارة الطوارئ والكوارث التركية "آفاد" في بلدة "ديريك"، بولاية "ماردين" جنوب تركيا، يتسع لنحو 20 ألف شخص يمتد على مساحة 220 دونماً، ويضم 450 خيمة، لاستقبال اللاجئين السوريين من المدن التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" إثر قصف طائرات التحالف لها والسيطرة عليها بمساعدة حلفائها، كما نقلت له لاجئين في ولايات "هاتاي وماردين وأضنة"، إلى جانب المئات ممن احتجزتهم السلطات التركية على حدودها مع أوروبا وعلى سواحلها المقابلة للجزر اليونانية في بحر إيجة.
وتستضيف تركيا حوالي 3 ملايين لاجئ سوري على أراضيها، منهم نحو 300 ألف يتوزعون على 22 مخيماً، فيما يعيش الباقون في مختلف المدن التركية، وخاصة غازي عينتاب واسطنبول وأورفة وهاتاي وكيلّس.
يشار إلى أن تركيا اتفقت مع دول الاتحاد الأوروبي في 18 آذار/مارس الجاري، على إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين يتوجهون من الأراضي التركية إلى الجزر اليونانية اعتبارا من تاريخ 20 آذار/ مارس، فيما يستقبل الاتحاد الأوروبي لاجئا سوريا مقابل كل لاجئ يتم إعادته إلى تركيا، مع تسريع تسديد مبلغ 3 مليار يورو لإعانة اللاجئين السوريين في تركيا، حيث حددت تركيا قائمة بأسماء 25 ألف لاجئ.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية