أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في مخيمات اللجوء.. "عبدو" من رائد فضاء إلى "اسكافي"

يسخر منه زملاؤه كلما رددها شامخا وواثقاً في (حصة) ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟، تلك التي أدرجها بعض المعلمين في سوريا كـ(حصة) يومية وشبه ثابتة لتمضية ما تبقى من وقت الحصة الأخيرة المملة، أو ليتندروا على التلامذة ويسخروا من هذياناتهم التي يطلقونها على شكل أحلام وأمنيات.

عبد الكريم حسن عوض (عبدو) ابن الـ15 ربيعاً لم يتغير حلمه مذ كان في الصف الأول وحتى نجاحه في الصف السادس، "سأكون رائد فضاء يا أستاذ"، هذا كان حلمه البارحة، يوم كان لحلمه مقعد دراسة يتكئ عليه، وبوصلة يراها في كل صفحة من صفحات كتبه ترشده لعنوان المجرات ودرب التبانة وفضاءاتها الرحبة.

اليوم وعلى أحد أرصفة بلدة "عرسال" اللبنانية يُجهض حلم "عبدو"، يلفظه خلف طفولته، ينبذه ويتحاشاه كأنه بعير أجرب، ليصبح مع كثير من أوليات حياته نسياً منسيا.

"عبدو" ابن مدينة القصير لا وقت لديه الآن إلا للوقوف خلف "مركبته الأرضية الجديدة" التي يسميها "ماكينة الدرزة" يقف من الثامنة صباحا وحتى السابعة مساء، ليكد لإعالة 5 فتيات وأمهم، وهو يرتق صندلاً من هنا، ويدرز حذاء من هناك، عل أجرته اليومية تزيد عن سقف 5 دولارات التي يتقاضها من مالك "المكنة" عند غروب كل مساء.

*جولة مع عبد الكريم
يفصل عبد الكريم أقسام آلته تفصيل الخبير الماهر، فهو منذ عام تقريباً يمتهن مهنة "الإسكافي" وصديق لكل أشباه الحفايا في هذه الغربة المديدة، موجزا إياها بالقسم الأهم والذي يسمى "الصدام"، وهو قطعة فولاذية معكوفة تأخذ شكل قالب الحذاء تستخدم لتثبيت فردة الحذاء المعطوبة، مع مراعاة أن يظل الجزء المراد رتقه ودرزه متجهاً للأعلى وتحت الذراع الحامل للإبرة مباشرة.

وبعد تثبيت فردة الحذاء على الصدام وشك الإبرة بالخيط ذي اللون المناسب للون الحذاء المعطوب، وهو عادة من النايلون لأنه يقاوم التلف أكثر من باقي أنواع الخيوط.

بعد المرحلة التحضيرية يتم إعطاء أمر تشغيل المكنة التي بطبيعة الحال لا تعمل إلا بالكهرباء وذلك عن طريق زر يسمى "القاطع" وهنا تبدأ عملية الدرازة.

ولحماية الأصابع من الاقتراب من الإبرة أثناء تحريك الحذاء يتم استخدام "الدعاسات" وعددها اثنتان موجودتان أسفل جسم الآلة، وتشبهان مكابح السيارة، مهمتهما التحكم في حركة الصدام أفقيا وعاموديا، بحيث يظل الجزء المراد إصلاحه ملاصقاً وقريباً من إبرة الخياطة، وهناك أخيراً الدولاب الذي يديره.

*صعوبات وعقبات المهنة 
يؤكد عبد الكريم أن مشكلة توفر قطع الغيار لـ"المكنة" هي أهم مشكلة تواجهه، فهي غير متوفرة في لبنان، ويتم إحضارها من سوريا حتى اليوم، لكنها بحاجة لوقت طويل حتى يتم تأمينها ناهيك عن سعرها المرتفع جداً، كما أن "مكنته" لا تقدر على درز كافة أنواع الأحذية و"الشحاطات" كتلك المصنوعة من البلاستك والجلد الصناعي، أو أحذية الرياضة "الصب" والتي تكون كتلة واحدة وغير صالحة للدرازة.

لا ينسى عبدو عند تعامله مع آلته أن ينظفها ويخضعها لحمام يومي قوامه "الشحم والزيت المعدني"، يزيت مفاصلها وعزقاتها بكل أناة وصبر ليجعلها أكثر مرونة ويبعد عنها الأعطال التي تنجم عن الصدأ، ولا ينسى أيضا وهو يحتضن آلته، أن يضغط زر التشغيل هو يشخص بناظريه إلى غيمة، وقد بدا وكأنه أخذ قراره بالهبوط عليها عندما سيقلع بمركبته الفضائية بعد لحظات.



عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (108)

محمد علي

2016-03-19

ربما حلمه لم يتحقق لكن انشاء الله اولاده او احفاده سيصبحو رواد فضاء بصواريخ فضائيه سورية الصنع ،،،، بارك الله فيك يا عبد الكريم.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي