"محمد الديري" طفل وجد نفسه يقاسم أترابه من أطفال باقي المحافظات السورية، آلام فقد الوالد والإخوة في بلد باتت مدنه تنتج بعد كل غارة جوية لطائرة ما، دفعة جديدة من الأيتام والأرامل وعشرات المعاقين، ويحرمون حتى من تعاطف الناس مع صراخهم، كون مناطقهم خاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية".
أحد معارف "محمد" يروي لمراسل "زمان الوصل" قصة الطفل (10 أعوام)، فيقول: قصفت الطائرات مناطق عدة في الرقة من ضمنها حيّنا –الفردوس- فارتكبت مجزرة رهيبة بحق المدنيين، وكان الضحايا في الغالب من الأطفال والنساء، عندما وصلنا إلى المكان شاهدت محمد يسند رأسه إلى حائط وقد ارتفع صوته بالبكاء.
طيران النظام الحربي كان بطل المجزرة، حيث شنّ أكثر من 12 غارة جوية، يوم 17 أيلول/سبتمبر2015، استهدفت أحياء سكنية في الرقة، ما أدى إلى سقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال بينهم والد محمد وشقيقه الأصغر كريم، سفحت دماؤهم في ساحات وشوارع لطالما عهدوها آمنة، قبل أن تحدق بها الأخطار من كل حدب وصوب، وفقا للمصدر.
ومضى الرجل يقول: سقط الصاروخ داخل منزل "عبد اللطيف الديري" فدمره، وعندما شاهد "محمد" ما حلّ بأفراد أسرته، أخذ يركض بين الركام، الذي ملأ الشارع، منادياً على والده القتيل، وأمه (كوثر)، المصابة مع باقي أطفالها، وسط حالة من الرعب استولت حتى على فرق المنقذين.
عائلة "عبد اللطيف الديري"-والد الطفل- كانت من بين آلاف العائلات الهاربة من مناطق المواجهات في المحافظات السورية، التي توجهت إلى مدينة الرقة، واستقرت فيها قبل وبعد طرد قوات النظام منها في 4 آذار/مارس 2013، كما استقر بها الكثير ممن لديهم أبناء يعملون في قوى الثورة السورية، متوقعين أن تكون عاصمة الرشيد عاصمة الحرية، التي ضحوا على مذبحها بأغلى ما يملكون، لكنّهم أخرجوها من الحسابات بعد وقوعها تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية".
قال أحد جيران "عبد اللطيف" ويسمونه في الرقة "أبو أكرم الديري": إن أبا أكرم جاء من محافظة دير الزور إلى الرقة مع زوجته و5 أطفال، بعد اعتقال قوات النظام ابنه الأكبر (أكرم) عام 2012، وتعرضت العائلة لضغوط كثيرة، قبل مجيئهم إلى الرقة، التي كانت بعيدة عمّا تشهده دير الزور في ذلك الحين.
أبو أكرم عندما قدم إلى مدينة الرقة، قال للجيران إنه جاء باحثاً عن الأمان لأطفاله، وإصراراً منه على إكمالهم التعليم، فاستأجر بيتاً في حي الفردوس، ثم عمل بجد لإطعام عائلته، وتأمين حاجات أفرادها، إلى جانب تأمين مبلغ من المال يمكنه من توكيل محام لابنه "أكرم"، لعله يخرج من السجن.
لكن بطش نظام بشار الأسد، تعقبه إلى الرقة، التي باتت وجهة تقصدها طائرات دول العالم بشكل يومي، بحجة أنها عاصمة تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي بات يعتبر أخطر تنظيمات العالم على النظام الدولي الحالي، إثر انتزاعه المدينة من فصائل الثورة السورية في آذار 2014، أي بعد عام من تحريرها.
الشبكة السورية لحقوق الانسان، وثقت 43 مجزرة ارتكبتها قوات النظام وفصائل معارضة وتنظيم "الدولة" في شهر أيلول/سبتمبر العام الماضي، بينها "مجزرة" قالت: إنها اعتمدت في توثيقها على إصدار مرئي للتنظيم يتحدث عن إعدام 13 شخصا بتهمة أنهم خلية تابعة للنظام، بينما لم توثق التقرير 15 شخصاً قضوا في هذه المجزرة، رغم توفر صور الفيديو التي توثقها كما تظهر الطفل بعيد المجزرة يبكي والده.
نزولاً عند رغبة "زمان الوصل"، بحث أحد النشطاء عن أفراد عائلة "عبد اللطيف"، فتبين أنهم لازالوا في مدينة الرقة، مثلهم كمثل مئات العائلات يعيشون هواجس الخوف، بعد أن كان الأمل يملأ نفوسهم في إتمام مراحل التعليم، لضمان مستقبلهم.
وقال الناشط: إن شقيقة "محمد" الصغرى، التي لم تدرك من معنى موت والدها، سوى غياب ألفته، بدأت تردد جملة "سأصير مهندسة وأبني بيتنا"، ما يكشف إصرار السيدة "كوثر" على زرع فكرة أن المستقبل يحمل الأفضل، رغم كل ما يحيط بأطفالها من أخطار، مع انعدام المدارس، وحلول معسكرات التدريب على السلاح مكانها.
يشار إلى أن الرقة وجميع مناطق سيطرة التنظيم، غير مشمولة في اتفاق وقف إطلاق نار توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، ينص على وقف "الأعمال العدائية"، اعتباراً من يوم 27 شباط/ فبراير الماضي، ما يعني أن والد الطفل "محمد" أراد أن يبعد عائلته عن الأخطار، لكنهم في الحقيقة توسطوها.
الرقة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية