تحلم "ميادة" بتطابق الأنسجة، وبمبضع جراح يتوغل بين أمعائها، ليقص منها مترا...مترين ...ثلاثة، ويحملها بلمحة عين ويزرعها في بطن أخيها "عبدالله" ليعود إلى سالف عهده، يمشي..ويأكل...يطوف المخيمات بدراجته النارية.
وتحلم أخته الثانية "عائشة" بطبيب يوقظها من التخدير وهو يبارك لها بنجاح عملية زراعة أمعائها كلها لأخيها النحيل "عبدالله"، وتفيق الأختان على أنين أخرس وأنفاس باردة وأصابع تمسك بألم "بطانية" وقد تشربت بأبشع روائح المصل والمهدئات والأدوية.
"عبد الله محمد طالب" اللاجئ من منطقة القصير قرية "الضبعة" (36 عاما) واحد من عشرات اللاجئين الذين تعفنت أمعاؤهم عن كاملها وتم استئصالها.
وهي كارثة أعلن عنها الطبيب المشرف على حالة عبد الله "عدنان زقريط" مرجعاً سببها لنوعية الأغذية المعلبة والمخزنة التي تقدم للاجئين، فالحصة الغذائية التي توزع على المخيمات معظمها من السردين والتونة والحمص، وجميعها ونتيجة لطول مدة التخزين تكون قد احتوت على أحماض من سببها إلحاق التعفن بأمعاء من يتناولها وهذا ما حصل مع "عبد الله" وعشرات غيره، مطالبا هيئات الإغاثة بإعادة النظر في هذا النمط الغذائي المضر وغير الصحي بحياة اللاجئين، فضلا على نوعية الماء التي يشربها اللاجئ والتي غالبا ما تكون موضوعة في خزانات غير صحية ولا يُهتم بنظافتها وغسلها وتعقيمها.
*زرع الأمعاء.. تكلفة باهظة وإجراءات معقدة
الأختان "ميادة" و"عائشة" وافقتا على التبرع بجزء من أمعائهما لأخيهما "عبدالله" الذي فقد 80% من أمعائه، لكن هذه العملية مكلفة جدا وبحاجة إلى خطوات استباقية من تحليل للأنسجة والخلايا والتأكد من تطابقها مع ذات الخلايا لأخيهما، وهذا فوق طاقتهما المادية بكثير، إذ تصل كلفة التحاليل مع العملية كما أكد الطبيب "معتز داغستاني" متخصص بهذا النوع من العمليات بين 5000 و7000 دولار بحسب حالة المريض ونوعية المضاعفات التي قد ترافق العملية.
*يعيش على السوائل منتظرا الخلاص
"عبدالله" لن يأكل شيئا بعد اليوم، ولن يعد باستطاعة أحد أن يلزمه برابطة (الخبز والملح)..التي تعد عربون الوفاء وعهد الأخوة بين الناس، فغذاؤه كله أصبح من الكيماويات والأدوية، تلك التي ثمنها 90 دولارا في اليوم، هو لم يعد مدينا بحياته ووفائه لأحد، هو مدين فقط لأختين لازمتا اسفنجته الباردة، وتنتظران معجزة تنقلهما لغرفة العمليات ذات الأسعار الفلكية لينقذا "عبدالله" الذي رغم أنه لم يعد باستطاعته أن يشاركهما الخبز والملح، إلا أنه لازال يشاركهما رابطة الأخوة والدم والوجع السوري النازف، وكأن لسان حال ثلاثتهم يقول على هذه الأرض ما يستحق البكاء.
عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية