أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مقهى "الفرح" في حمص.. قاوم الاحتلال بالفن واستضاف مشاهير الأدب والفن العرب

بُني المقهى عام 1900 - زمان الوصل

اشتهرت مدينة حمص، بكثرة مقاهيها التي كانت جزءاً لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي، وكان لها دور كبير في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها هذه المدينة في القرن الماضي وربما قبل ذلك.

وكان عدد هذه المقاهي في النصف الثاني من القرن 19 يقارب 40 مقهى، منها ما هو خارج السور، ومنها ما هو داخله، أما اليوم فقد اندثرت أغلب هذه المقاهي ولم يبقَ إلا 4 مقاهٍ تجاهد في البقاء وتتشبث بالحياة في زمن تتحوّل فيه كل الأشياء الجميلة إلى الفناء.

ومن مقاهي حمص التي كانت عامرة إلى ما قبل تهجير أهالي المدينة مقهى "الروضة" ومقهى "جورة الشياح" ومقهى "الفرح" الذي ارتبط تاريخه بتاريخ مدينة حمص، وكان شاهداً على الكثير من الأحداث التي مرّت على المدينة خلال أكثر من قرن قبل أن يتحول إلى مكان مهجور وأعمدة محترقة على يد قوات النظام التي تجهد في طمس كل ما يتعلق بتاريخ المدينة وإرثها الحضاري والمعماري.


وقد بُني المقهى عام 1900 وكان بناؤه على مراحل، لأن أساليب البناء كانت بدائية آنذاك، وكان المقهى قسمان، قسم يتضمن الكراسي الخشبية والقواطع الخشبية على الجوانب، وقسم يتضمن الحصر التي كانت تُصنع من الحلفا والقش.

وعاصر هذا المقهى دخول الفرنسيين إلى حمص، ويذكر أن الجنرال ديجول عندما زار بلدية حمص وثكنة الدبويا ألقى خطاباً أمام واجهة المقهى وقد شهدتُ هذا الخطاب شخصياً، ولا أزال أذكر أن إحدى المتظاهرات الحمصيات ضد الاحتلال الفرنسي وكانت تدعى "كوكب" وهي بائعة مقشات رأت ديجول يخطب أمام المقهى فعنّفته قائلةً له: "لعن الله حكومتك يا ديجول".

وارتبط مقهى "الفرح" بأسماء عدد كبير من المشاهير آنذاك، ومنهم شعراء حمص: "أحمد الجندي" و"عبد الرحيم الحصني ورفيق فاخوري ومحيي الدين درويش، ومن المطربين عبد الغني الشيخ وعلي العريسي وفتحية أحمد التي غنّت فيه عام 1931 والمطربة إنصاف منير ومطرب حمص الشهير نجيب زين الدين وعبد الرحمن الزيات، كما ارتبط تاريخ المقهى بعدد من ثوار حمص على الاحتلال الفرنسي الذين كانوا يتخفون فيه، ومنهم خيرو الشهلا ونظير النشيواني وعمر المجرص والحاج مصطفى رمضون.


*فتحية أحمد في الفرح
كان مقهى "الفرح" مثل غيره من المقاهي الشهيرة في سوريا، يُدخِل على رتابته شيئاً من التجديد كسهرات الحكواتي والسينما الصامتة وخيال الظل، بالإضافة إلى التسلية التي يوفرها "الفونوجراف" ـالحاكي.

وكانت شخصية الحكواتي تجذب رواد "الفرح" من بيوتهم في أوقات تكون عادة ما بين صلاتي المغرب والعشاء ليستمعوا إلى السير الشعبية التي تدور أحداثها حول أبطالها (سيرة عنترة، وسيرة الظاهر بيبرس، وسيرة أبو زيد الهلالي، وسيرة سيف بن ذي يزن، وتغريبة بني هلال).

وكان حكواتي مقهى "الفرح" في النصف الأول من القرن الماضي يرتدي السروال والصديرية والصدرية والقمباز ويعتمر الطربوش ويصعد في وقته المحدد إلى دكة عالية في صدر المقهى (طاولة عليها كرسي) ويحمل بيده سيفاً من خشب، وعندما تأخذه الحماسة في سرد أحداث السيرة التي يرويها كان يترك مكانه ومخطوطه ويتجوّل بين رواد المقهى ويرتجل الأشعار والمواقف، هذا عدا الحفلات الفنية التي كان يحييها فنانون سوريون وعرب اشتهروا في مطلع القرن الماضي، ومنهم الفنانة "فتحية أحمد" التي غنّت في مقهى "الفرح" عام 1931 كما ذكرنا آنفاً، وقد ذكرت جريدة "حمص" في عددها 47 الصادر سنة 1931 الخبر التالي: "تعلن إدارة مقهى "الفرح" لعموم المواطنين أنها قد اتفقت مع جوقة طرب كبيرة ممتازة برئاسة المطربة الفنانة الشهيرة فتحية أحمد لافتتاح مسرحها الجديد وستقيم ثلاث حفلات مساء الثلاثاء في 30 الجاري ومساء الأربعاء والخميس في 1-2 يوليو/تموز، وهي تدعو عموم المواطنين لحضور هذه الحفلات النادرة الممتازة.

كما كان مقهى الفرح يستقبل فرقاً موسيقية جوالة ومن هذه الفرق فرقة سلامة حجازي التي زارت حمص عام 1908 وفرقة نجيب الريحاني وأمين عطا الله عام 1928 وفرقة فوزي نجيب عام 1930.


*دور نضالي
إلى جانب دوره الاجتماعي والفني، كان لمقهى "الفرح" دور نضالي مشهود إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا، ولا يزال كبار السن الأحياء ممن عاشوا تلك الأيام يتذكرون تلك الحادثة الشهيرة التي كان مسرحها مقهى "الفرح" في أوائل العشرينات عندما قررت الجمعية الخيرية الإسلامية في حمص إقامة مسرحية تمثيلية على مسرح مقهى "الفرح" يرصد ريعها للجمعية التي كانت تشرف على تربية الأيتام الذين حرمتهم الحربان العالمية والفرنسية من آبائهم، وأبدت السلطات الفرنسية اعتراضها في البداية ثم مرّ القلم الأحمر للرقيب الفرنسي على كل عبارة تدعو أو تشير إلى الثورة، وبعد أن جاء الوقت المحدد لعرض المسرحية، غصّ مقهى "الفرح" على رحابته بالناس وجاء المستشار والمحافظ ومدير الأمن واحتلوا أماكنهم في الطابق العلوي، وكان الترجمان إلى جانب المستشار يترجم له بعض الأقوال، والمقاطع التي مرّ عليها قلم الرقابة، ولم يشأ الممثلون حذفها تحدياً للسلطة، فثارت ثائرة المستشار وعند المنظر الذي يمثل فتح دمشق شاهد المستشار القادة الرومان يتقدمون منادين بطلب الأمان من أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد، وبلغت الإثارة ذروتها عندما امتدت إصبع خالد بن الوليد الذي كان يمثل دوره الفنان والصحافي "تيسير ظبيان" إلى المستشار وهو ينشد أبياتاً حذفتها الرقابة ولم يشأ الممثلون الانصياع إليها ومنها:
الشام تبكي والسواحل مثـلها
والكل يندب طالعاً منكوداً 
لا تندبي يا شام حظك واعلمي
أنَّا سنبذل دونك المجهودا
أنَّا سنطرد بالجحافل والقنــا
صلاً تفيأ ظلك الممـدودا 
وهنا لم يستطع المستشار صبراً فوقف غاضباً ونادى بأعلى صوته وهو يرطن بالفرنسية قائلاً: "هذه ليست تمثيلية، بل دعوة صريحة إلى الثورة وستعرف السلطة كيف تؤدب الجميع".

ثم أوعز إلى رجال الشرطة وكانوا يملؤون صالة المقهى وهو يقول بصوت متهدج: أغلقوا المسرح والمقهى فوراً، وذهب مع المحافظ غاضباً وعند الصباح غصّ السجن بمن قبضوا عليهم من المشاركين في العرض فما أشبه اليوم بالبارحة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(211)    هل أعجبتك المقالة (328)

سعود العنزي

2020-08-10

مقهى الفرح كان اسمه قديما قهوة السقا معلومه من جدي شرب قهوه فيه عام 1944 وشكر.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي