[email protected]
المعركة اليوم على أشدها بين شيوخ السلف الصالح، والحداثة والعولمة التي يبدو أنها بدأت تجرف كل شيء في طريقها وتميل في غير صالح الشيوخ الذين أعرض الناس عنهم، وبات حتى العامة يقهقهون، ويضربون كفاً بكف، كلما سمعوا بفتوى جديدة من فتاويهم الغريبة والعجيبة المضحكة وكأنهم يعيشون في زمان ومكان آخرين.
ويشكل الشيوخ اليوم، وفي ظل التغييب المتعمد لكافة القوى التنويرية والأصوات الليبرالية التي باتت عملة نادرة فقد انخرط مثقفون بارزون في خطابات قومجية وأصولية رثة وبالية، نقول يشكل الشيوخ محور النشاط الفكري والأدبي والثقافي العام في الشارعين العربي والإسلامي ويحتكرون مداخل ومخارج الخطاب ويتحكمون بعقول الناشئة والصغار وهو الأخطر في الأمر الذي يعني حكماً بالإعدام على عقول أجيال كاملة وإخراجها كلية من المشاركة والإبداع بعد أن تتحول إلى آلات استظهارية صماء تجتر بغباء كل ما يقوله الفقهاء.
وبرأيي فإن مجلة فورين بوليسي لم تخطئ البتة حين اعتبرت الداعية السلفي الإخواني المصري الأصل يوسف القرضاوي، مع زميله عمرو خالد، كأبرز المفكرين العربي، باعتبار أن معظم التفكير العربي العام، وما يكتنزه الشارع لا يخرج كثيراً عما في جعبة الشيخين من زاد فكري عظيم. ( وعمرو خالد في معايير زمن قريب جداً، ليس أكثر من مجرد حكواتي يسرد قصصه على الناس، غير أن الفرق بين عمرو والحكواتي بأن "حتوتات" عمرو خالد السردية ذات بعد أسطوري وغيبي تستهوي ألباب الناس وتحاكي غرائزهم الدينية ولا وعيهم الباطن ذا التشكيل الأسطوري الطهراني الرومانسي الملهم، لتعوض لديه عن نقص خطير يعانيه في مواجهة استحقاقات العصر، وذلك عبر آلية محاكاة وبعث نماذج ماضوية مقدسة من زمنها السحيق، وسردها لهم بأسلوب فكاهي ضاحك).
والحقيقة فإن الطريقة التي يتصدى بها الشيوخ لتيارات الحداثة والعولمة، اليوم، هي نفسها التي ستأتي على إمبراطوريتهم الكهنوتية التي أشادوها عبر الزمن بتحالفهم الوثيق من الكهنوت السياسي الحاكم ما أفضى لهذا الواقع الرث البالي والمتأزم، حيث أن تلك الطريقة تتسم بكثير من السطحية واللاعقلانية والانفلات والتحلل من أية ضوابط عقلية ومنطقية لا تلبث أن تستولد مشاعر بالدهشة والاستغراب، عبر الاعتماد على نصوص وأحاديث وسرديات متواترة ومنقولة بدون أي توثيق علمي يمكن الأخذ به، وباتت في حكم الموات.
ولم يعد قياس ما كان يفعله بدوي في مجاهل الصحراء مناسباً، وصالحاً لما يقوم به اليوم، مواطن في برج في نفس الصحراء. وبات وجود الفئران، التي يدعو الشيخ المنجد لقتلها، مثلاً، أمراً حيوياً وضرورياً لشفاء ملايين الناس من خلال التعامل معها في المخابر لعينات لنجاح التجارب العلمية وبالتالي علاج الكثير من الأمراض والمزمنة.
وبات هذا الفأر الأبيض الصغير مصدر أمل وإلهام لكثير من المرضى كما العلماء، يتم من خلاله العمل على إنقاذ ملايين الناس من العلل المستعصية وكانت السبب في اكتشاف الكثير من العقاقير والمضادات والصادات الحيوية والأدوية. ولو سمع الناس وامتثلوا لفتوى الشيخ، ولا سمح الله، وقتلوا جميع الفئران الموجودة في العالم، لبات مستقبل الطب والكثير من الأبحاث العلمية في خطر كبير.
فهل وعى شيخنا الجليل المنجد، السوري الأصل، خطورة هذه الفتوى على بقاء الجنس البشري قبل أن يصدرها؟ أم أن هذه الفتوى من باب استعراض العضلات الفقهية، والعلم بالدين، الذي لا ينفع البتة في مجال الحياة العملية. وهذا دليل آخر على أن ما صح في زمان ومكان ما، قد لا يصح البتة في زمان ومكان آخر. ومن الممكن جداً أن يكون مجرد التفكير بتطبيقه كارثياً على فئات كثيرة وغير محددة من الناس، وينعكس سلباً على الجنس البشري برمته. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الدورة الطبيعية الحياتية التي يحدثنا العلماء عنها، أي ارتباط مصير كائنات حية، ووجودها بعضها بالآخر، هي الأخرى ذات أبعاد كبرى لا تقل، ويبدو أن الشيخ لا يعرفها ولا يعيها. وإن فناء كائن حي قد يتسبب في فناء وموت كائن حي آخر.
وإن غياب أي من هذه الحلقات في السلسلة الطبيعية يعني تهديداً مباشراً وخطيراً لكامل السلسلة قد يؤدي إلى فناء الحياة ونهاية العالم برمته، بمن فيهم طويل العمر شيخنا الجليل حفظه الله، الذي أتحفنا بفتواه الجميلة، وهذا ما لا نريده، لا له ولا لغيره، وقد نعاني، حينها، من صعوبات جمة كي نجد من يدلنا ويطلعنا على
مثل هذه الفتاوى بعد انقراض الجنس البشري، ورحيلنا، ورحيل مولانا الشيخ الجليل ولا سمح الله.
لقد أضحى التلفزيون والراديو والإنترنت والسينما والتصوير والموبايل والطائرات والسيارات وكافة "الخزعبلات" والشياطين العلمانية التي ابتدعها الملاحدة الكفار، حقائق يومية يعيشها ويتعايش معها المسلمون أكثر من غيرهم ولا يستطيعون التخلي عنها، ويتشبهون فيها باليهود والنصار والبوذيين والهندوس والسيخ وكل "أعداء" الله غير الناجين من النار، والعياذ بالله.
ولم يستطع الفقهاء وشيوخ الغفوة السلفية، وبكل أسف بالغ، أن يفرضوا مشيئتهم على الناس برغم كل ما يتوفر لهم من دعم لوجيستي حكومي من أنظمة البغي والطغيان، ورغم أنهم وقفوا وقفة المريب
المستهجن والناهي المتوعد لكل تلك المنجزات البشرية العملاقة عندما رأت النور. هذا ولم يقل لنا شيخنا الجليل كيف سنقضي على هذا اللعين والملعون ابن الملعون ميكي ماوس للإجهاز عليه. هل بإتلاف جميع التسجيلات التي تحوي صورته، ونقوم بسحب سيوفنا وخناجرنا كلما لاح لنا ذاك الإبليس الكرتوني في التلفزيون لنتحول إلى نسخ عصرية من دون كيشوت النبيل الإسباني الذي اشتهر بحربه الشهيرة ضد طواحين الهواء.
فبعد النصر المؤزر والكبير الذي حققه شيوخ السلف الصالح والغيبوبة الحضارية الكبرى، سابقاً في ملاحم البوكيمون الشهيرة ونزالاتها العنيفة، وإعلان الجهاد على ذلك الكائن الشيطاني، وأتت على آخر بوكيمون في جيوب أطفالنا الأعزاء، وحيث خاضوها بكل بسالة منقطعة النظير في فضائيات البترودولار، وبعد أن برهنوا للعالم أجمع أن الحجامة وبول البعير هما العلاج الشافي لكل أمراض العصر، والحل السحري الذي قدموه لحل مشاكل الاختلاط التي تعاني منها مجتمعات الغرب الملحد الكافر النصراني كان في نظرية إرضاع الكبير، وبعد أن حرر الشيوخ بلادهم من رجس العدو الصهيوني الغاصب المحتل، ورموا إسرائيل في البحر حتى آخر يهودي ولم يتركوا سوى الفاتنة الجميلة ناقصة العقل والدين تسيبي ليفني لتشغل منصب رئيس وزراء إسرائيل بالوكالة ريثما تصفى ممتلكات الدولة العبرية وتعيد مفاتيح البيوت لأصحابها العرب، وبعد أن ساهموا في إجلاء القوات والقواعد الأمريكية من واحات الصحراء العربية وتم طرد آخر جندي أمريكي يحتسي البودوايزر على الملأ في الشهر الفضيل، وأستغفر الله، مع جندية أمريكية سافرة وبالشورت، والعياذ بالله، وبعد أن وزعوا الثروات العربية الخرافية الأسطورية المنهوبة من أفواه أطفال العرب على الشعوب العربية، وبعد أن تصدوا لأنظمة البغي والاستبداد والطيش العمياء وفضحوها ومسحوا الأرض بها مسحاً وأجبروها على تقديم تنازلات تاريخية لصالح هذه الشعوب المنهكة، وجابوا، مشكورين، عاليها واطيها، وبعد أن ضغطوا على واشنطن ولندن وباريس لإصدار قرار تاريخي بمنع نقل سفاراتها إلى القدس نظراً لوضعها المقدس والحساس لدى أبناء الديانات الثلاث، وبعد أن ألقوا القبض على مجرمي الحرب الكبار الذين ارتكبوا الفظائع بحق العرب والمسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان كبوش وبلير وبروان وميركيل وتم إيداعهم في سجون ينالوا فيها ما اقترفتهم أياديهم بحق العرب والمسلمين، وفرغوا من جهادهم على كل الجبهات، فها هم اليوم قد توجهوا اليوم إلى شخصيات أفلام كارتون للقضاء عليها وإزالتها من الوجود وإنزال الهزيمة التاريخية الماحقة بها.
وإن شاء الله سيستمر نضال الشيوخ الكرتوني حتى القضاء كلياً على توم وجيري، وفلة والأقزام السبعة، وسلاحف النينجا، وأبطال الديجيتال الملاعين، والسنافر حتى لا يبقى، وبمشيئة الباري، ولا سنفور واحد، يعكر على الشيخ صلاته وعباداته واستغفاره وذكره الدائم لله.
وإن ينصركم الله فلا غالب لكم. وإنه لنصر قريب من عند الله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية