أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ألا يستحق العرب عملة نقدية واحدة ؟.... زهير الخويلدي

"ان السوق هو مكان النقاش الحر"
ألان- خواطر حول السلطات

دون شك نحن نعيش عصر التكتلات الكبرى وزمن التحالفات بين الكيانات الصغرى من أجل توفير وسائل المنعة والقوة وإيجاد شروط النجاح في لعبة المنافسة والتبادل للمنافع بين الدول ولعل أهم مجال لبناء هده التكتلات هو المجال الاقتصادي ولنا في الاتحاد الأوروبي خير مثال ساطع على أهمية المدخل الاقتصادي من أجل بناء وحدة إقليمية بين دول صغرى مختلفة في اللغة والمذهب والجغرافيا والتاريخ والتوجهات السياسية حتى تقف بندية أمام شركات متعددة الجنسيات وقوى اقتصادية عملاقة.
من المعلوم أن أوروبا لم تستكمل مشروع وحدتها السياسية التي استغرقت أربع قرون إلا بعد أن كانت قد ركزت وحدة اقتصادية بتشييدها منذ البداية السوق الأوروبية المشتركة الذي ضمن حرية انتقال رؤوس الأموال الاستثمارية والبضائع والسلع واليد العاملة ثم قامت بتوحيد نظامها المصرفي وأطلقت للعالم عملة واحدة هي اليورو لكي تعوض العديد من العملات الأخرى مثل الليرة الايطالية والفرنك الفرنسي والمارك الألماني وغيرها ولكي تنافس فيما بعد بشدة الدولار الأمريكي الذي يشهد صرفه وقيمته وتداوله حالة من عدم الاستقرار وتعتمدها عدة دول غير الأوروبية في معاملاتها المالية.
أما على الصعيد العربي فمن المنتظر أن تبدأ الدول خليجية في غرة جانفي2010 تداول عملة خليجية موحدة بعد أن يتم توفير المعايير الاقتصادية اللازمة مثل الأداء على القيمة المضافة ونسبة الفائدة ومعدل التضخم ومدى كفاية ميزانية الدول من احتياطي النقد الأجنبي ونسبة العجز والدين العام ونسبة الناتج الفردي والتي تؤدي إلى توحيد سوق الأوراق المالية للدول المنضوية في مجلس التعاون الخليجي وإقرار اتفاقية منطقة التجارة الحرة الذي تم سنة 1983 وإبرام الاتفاق الجمركي الموحد سنة 2003 وعقدت بعد ذلك عدة اجتماعات تحضيرية وإعدادية قصد التنسيق لبناء تكامل اقتصادي محلي .
العاصفة الكبيرة التي تتعرض لها الأسواق المالية العالمية هذه الأيام واقتراب العديد من المصارف من الإفلاس والتجاء بعض الدول الكبرى إلى التدخل من أجل ضبط الدورة المالية لاقتصاديتها واضطراب الدولار لم تمنع البعض من التفكير في بناء أقطاب اقتصادية تضم شراكة من عدة دول تجمعها الجغرافيا والتاريخ واللغة والدين والمصير المشترك.
في هذا السياق مضى وزراء المالية الخليجيين المجتمعين في جدة قدما في مشروعهم حول توحيد الأنظمة المالية وإطلاق عملة خليجية موحدة سنة 2010 فقد أعلن رئيس لجنة التعاون المالي والاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي في الفترة الحالية القطري يوسف حسين كمال وبحضور رئيس البنك الدولي ووزراء المالية ومحافظي البنوك لبقية الدول المنضوية في المجلس إتمام الاتفاق على إنشاء الاتحاد النقدي والمجلس النقدي والنظام الأساسي ودعا كل الدول إلى إزالة المعوقات وتفعيل الاتفاقيات السابقة وخاصة الاتحاد الجمركي والتبادل التجاري واستكمال متطلبات إطلاق العملة الواحدة في القمة المقبلة في مسقط العاصمة العمانية.
ان بعض النقاط المالية العالمية تطلعت لحظة مرور العاصفة وبداية التقلبات التي يشهدها سوق الصرف والبورصات إلى الاقتصاد الخليجي الذي يعرف بالمتانة والصلابة من أجل تمكين الاقتصاد العالمي من الخروج من أزمته الخانقة واستعادة الاستقرار وربما مثل هذا القرار السياسي الذي وقع اتخاذه بالمضي إلى الأمام في توحيد المنظومة المصرفية والمالية الخليجية هو كفيل على أن يساعد على تجاوز حالة التخبط والتعثرات التي تشهدها المبادلات المالية العالمية وتحقيق الاستقرار المطلوب.
من المعلوم أن الإسلام دين عمل وغنم، حارب الربا والاحتكار ونهى عن الغش والاكتناز وحلل البيع والربح وشجع على التجارة وأباح الادخار ودعا إلى الكسب التمتع بالخيرات وإنفاق المال في الطيبات.
علاوة على ذلك وجدت أحلاف اقتصادية هامة منذ القديم تجمع العرب في سوق واحدة بيعا وشراء ومقايضة ورهنا ودينا وهبة من اليمن إلى الشام مرورا بالعراق وعرجوا إلى فلسطين ومصر ووصولا إلى افريقية وبلاد المغرب ولنا في إيلاف قريش ورحلة الشتاء والصيف من أجل التجارة وفي الدينار العربي الذي أمر الحاكم الأموي عبد الملك ابن مروان خير حافز وأحسن مثال على إمكانية تحويل هذا التساؤل الافتراضي إلى تجربة معاشة وواقع ملموس.
لقد عبر ابن خلدون عن هذه النزعة الاقتصادية في الفكر العربي بقوله:" ان معنى التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء إما بانتظار حوالة الأسواق أو نقلها إلى بلد هي فيها أنفق وأغلى أو بيعها بالغلاء على الآجال. وهذا الربح بالنسبة لأصل المال نزر يسير لأن المال ان كان كثيرا عظم الربح لأن القليل في الكثير كثير.

ثم لابد في محاولة هذه التنمية الذي هو الربح من حصول هذا المال بأيدي الباعة في شراء البضائع وبيعها ومعاملتهم في تقاضي أثمانها."
نأمل ألا تحتكر دولة واحدة هذه الوحدة الاقتصادية والمالية لنفسها وتسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب الدول الأخرى وأن يتجاوز الاقتصاد الخليجي التعويل الكامل وأحادي الجانب على الريع النفطي وأن ينوع المنظومة الاستثمارية لتشمل مجالات متعددة ومختلطة وأن تنفتح هذه البلدان على محيطها الطبيعي والبلدان المجاورة قصد إشراكها في مثل هذا القطب الواعد وأن نرى مثل هذا المشروع الطموح معمما على بلدان المغرب العربي في مرحلة أولى وعلى البلدان العربية جمعاء في مرحلة ثانية لاسيما أنها تضم موارد بشرية محترمة بسوق يضم 310 مليون نسمة وثروات نفطية ومعدنية واقتصادية هائلة، أليس قرب إطلاق العملة الموحدة الخليجية خطوة أولى ومهمة نحو تكامل الاقتصاد العربي؟ ألا يستحق العرب اليوم في عصر التكتلات التعامل بعملة واحدة تنهي حالة الفرقة السياسية والتمذهب الطائفي البغيض؟ فمتى نرى السوق العربية المشتركة مؤسسة قائمة على أرض الواقع؟ ألا يبدو تحسين العامل المادي والبنية التحتية هو شرط أساسي لبناء ديمقراطية حقيقية ومجتمع مدني وتنمية ثقافية تحترم القيم الحقوقية الكونية والنقد العلني والنقاش الحر؟

كاتب فلسفي

(105)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي