أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الطريق إلى الشدادي يبدأ من رأس العين.. لماذا تمدد التنظيم ووحدات الحماية وتراجع الاخرون؟

من المأساة السورية في مدينة ما - ارشيف

"استعجل يا محمد.. سنتأخر.. بدأ التحشد في الشدادي"، بهذه الكلمات كان يحثني "ماجد" على الإسراع بالخروج من بيتي قرب المعبر الحدودي في مدينة رأس العين شمال الحسكة، فرحلة طويلة تنتظرنا برفقة لواء "بيبرس" أحد ألوية الجيش الحر، الذي عزم على المشاركة في معركة "براكين الشرق" لتحرير الفوج 121 جنوب مركز المحافظة.

حزمت على عجل ما بقي لدي من جرائد ومجلات كنت أوزع جزءا منها في منطقة تل تمر ورأس العين، التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر آنذاك، محررة من قوات النظام منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، لأوزعها للمرة الثانية في مدينة الشدادي، التي حررها الثوار في شباط 2013.
أشار قائد اللواء، للرتل أن يتحرك، وبدأ يراقب التحرك، ويعطي بعض التوجيهات لعناصره عبر أجهزة اللاسلكي، بدأت الشمس تلامس الأرض حين كنا قطعنا نحو 50 كم من رأس العين إلى جبل عبد العزيز مروراً بصوامع حبوب العالية، التي كانت تعتبر نقطة عسكرية هامة، على الطريق الدولية حلب- الحسكة.

واخترق الرتل جبل عبد العزيز من جهة الغرب، ومع غياب الشمس تماما وصلنا على قرية المكمان، التي بدت وكأنها منطقة صناعية، تحت الأرض المتصحرة لا تظهر منها سوى المداخن التي تنفث الدخان الكثيف، دون خجل في وجه السماء، هنا طلب قائد اللواء من الجميع النزول لمدة خمس دقائق، لينهي صلاته في المسجد ونتناول الإفطار، قرب تقاطع طريق رأس العين -دير الزور مع طريق الرقة -الحسكة جنوب جبل عبد العزيز.

بدأ المسير مجدداً بعد أن انحرفنا يساراً ليستقيم الرتل على طريق الرقة –الحسكة، لكن خطأ جسيماً حدث خلال السير تحت جنح الظلام، فسائق سيارتنا أضاع الطريق الفرعية التي يجب أن نسلكها إلى بلدة (47) ثم إلى الشدادي، فكدنا نقع في يد قوات النظام قرب جسر أبيض غرب مدينة الحسكة، توقف الرتل وأمر القائد بإطفاء الأنوار استعداداً للعودة بالاتجاه المعاكس قبل أن تبدأ مدفعية النظام باستهدافنا، ولكننا وقعنا في يد حاجز الجيش الحر قرب محطة أبيض النفطية في منطقة قبائل البكارة، ليستقبلونا بعد تعريف قائد الرتل عن نفسه، حيث تناولنا سحورنا قبل أن يرشدوننا إلى طريق أخرى توصلنا إلى مدينة الشدادي، التي وجدناها تغص بكتائب الثوار المحلية إلى جانب القادمة من دير الزور، فيما حان تتناوب المقاتلات الحربية والمروحيات العسكرية في قصف المدينة، وسط حالة شديدة من الخوف في أوساط السكان. 

حصل الاجتماع الكبير لقادة الجيش الحر في قرية تل الشدادي، وتدارسوا خطة الهجوم على الفوج 121 التابع للفرقة 17 في قوات النظام، في الأثناء قررت البحث عن نشطاء الشدادي وأعضاء تنسيقيتها، الذين سبق والتقيتهم في بداية تحرير المدينة، وكانوا متفائلين، بأن المدينة ستكون منطلقاً لتحرير المحافظة، ونصرة الثورة ومصدراً لتمويل قواتها الحرة، كونها غنية بالنفط والغاز.

إقصاء النشطاء والمنظمات المدنية
بعد عملية بحث مضنية اجتمعت بمجموعة من نشطاء الثورة في المدينة، وكان رأيهم قد اختلف كثيراً، وخلال اللقاء بنحو 15 شاب منهم كانوا يتسامرون في أحد منازل المدينة شبه الخالية من المدنيين، حدثني سامي (اسم مستعار لأحد مؤسس تنسيقية الشدادي) فقال: نحن كنا مع توحيد التنسيقيات والناشطين الثوريين، لكن كان هناك معوقات عدة، أولها هو الدعم المادي الذي كان معدوما بالنسبة لنشطاء جنوب الحسكة، حتى من هيئات ومنظمات الثورة وشخصياتها.

بالنسبة للناشطين فإن ممثلي الحسكة ضمن هيئات المعارضة من ائتلاف ومجلس وطني وغيرها، كانوا وما زالوا بعيدين جداً عن الناشطين على الأرض، فبعد تحرير مدينة الشدادي، تأملنا أن تكون انطلاقة جديدة بالنسبة للثورة في الحسكة بعد عرقلتها في مدينة رأس العين، فتحرير الشدادي والريف الشرقي للحسكة، كان يمكن أن يكون طريقاً لتحرير باقي الحسكة، لكن اليأس تملكنا بعد توجه أغلب الفصائل المقاتلة في الحسكة إلى الجنوب وإلى تجارة النفط.. يقول سامي.

روى "سامي" فصولاً من الخلافات بدأت تحدث على آبار النفط، والتي كان من المفروض أن تستخدم لتسليح الفصائل، في سبيل قتال العدو الأساسي وهو النظام وأعوانه واتباعه، بدلاً من انتظار التمويل من الخارج.

أردف سامي: خرجنا في مظاهرات ضد هذه التصرفات فقمعنا على يد جبهة النصرة، وتعرضنا لمضايقات وتهديدات وضغوط أجبرتنا على وقف نشاطنا تماماً أو العودة للتخفي كما هول الحال خلال سيطرة قوات النظام على المنطقة سابقاً، ولم نكن نعلم ما يحدث ويدور أو ينسج للثورة في الخارج، كانت نظرتنا للثورة والجيش الجيش الحر، مثالية، تتلخص بأنها حرب تحرير شعبية، والثوار في الجيش الحر كتلة متناسقة وليست فصائل متنافرة أو متنافسة على السيطرة على مورد اقتصادي معين، كما هول الحال في الشدادي بعد أشهر من تحريرها.

أحد طلبة الجامعة والمنسق بين تنسيقيات رأس العين والشدادي، "أبو هادي"، قاطعنا ليؤكد الاستمرار في الثورة رغم كل المراحل التي مرت وتمر على المنطقة، وقال إنه كان ينظر إلى مسألة توحيد التنسيقيات والنشطاء المدنيين على إنها محاولة جيدة لجمع شتات النشطاء، وهذا يجعلهم مستمرين ولو بعد توقف، لأن أملنا بالنصر كبير.

"أبو هادي"، تحدث عن أولى المشكلات، التي واجهت المنطقة، حين انقسمت إدارة المدينة بين طرفين، جبهة النصرة ومكتبها الإداري الأكثر تنظيماً، وبين الجيش الحر والمجالس المحلية التابعة لهيئات المعارضة.

عملياً بدأت المدينة تدار من قبل مجالس محلية عدة، والظاهر للعلن مجلسان، وهذا الأمر أفشل عملية إدارة المدينة، وأفشل عملية إعادة تأهيلها، وتقديم الخدمات لأبناء الشدادي -وأنا منهم-، حيث لم يكونوا راضين عن الوضع، الذي كان يوصف بالمزري، حسب "أبو هادي".

وتقاربت وجهات النظر لجميع النشطاء، حتى التقت في نقطة تؤكد ان دور المنظمات المدنية الحقيقية، أهمل، وأن الشباب ونشطاء الثورة تم إقصاؤهم من إدارة المناطق، ما أدى إلى وصول الكثير ممن لا يؤمنون بأهداف الثورة لمراكز قوة وقرار، وتم تسليم المناطق إلى شريحة لم تر ضيراً في التخلي عن هذه المناطق وإفساح المجال للنظام وأعوانه وحتى التنظيمات الأخرى، إلتي لا تعترف بالثورة للتغلغل فيها، حتى يسهل فيما بعد سحب البساط من تحت الثوار.

الخطر في رأس العين
الخطر على الثورات دائما يأتي من إغلاق الحدود مع الجيران، وهذا ما لم نشعر به حينها عندما أفرغت مدينة رأس العين من جميع كتائب الثوار، التي توجهت إلى الشدادي بغرض المعركة، التي تأخرت ضد الفوج 121، فقرر قائد كتيبة الحفة ضمن لواء بيبرس، العودة إلى رأس العين حيث تواترت أنباء عن استعدادات مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وجاء قرار العودة عطفا على أن الانتظار في مدينة الشدادي لا يجدي نفعاً، خاصة أن من يتحكم في توزيع الذخائر للكتائب – آنذاك- كان "صدام الجمل" قائد لواء "الله أكبر" سيء الصيت، والمسؤول عن مجزرة أم الخير في جبل عبد العزيز، قبل أن ينضم لتنظيم الدولة الإسلامية فيما بعد.

للسبب ذاته قررنا أنا وزميلي المصور-ماجد- مرافقة كتيبة الحفاويين فوصلنا إلى رأس العين بعد عناء شديد بسبب الحرارة المرتفعة وطول الطريق الذي سلكه السائق باتجاه دير الزور ثم إلى قرية "المكمان" فجبل عبد العزيز، لينحدر باتجاه مدينة رأس العين، وصلنا إلى قرية "شلاح" فتوقف السائق قرب أحد الآبار للاغتسال و شرب الماء ضمن استراحة قصيرة، وأثناء ذلك تلقى قائد الكتيبة معلومات عن توتر الوضع في المدينة، فطلب منه الإسراع بالوصول، وكانت الشمس قد شارفت على المغيب.

أشار لنا حاجز "دوار الجوزة" داخل مدينة رأس العين بالتوقف، فنزل قائد الكتيبة ومرافقين له للحديث مع أحد عناصر الحاجز، وبعد ذلك طلب من الحافلة متابعة الطريق إلى مقر الكتيبة في حي المحطة غرب المدينة فنزلت استطلع الأمر.. كان عناصر الحاجز يتحدثون عن إطلاق مسلحي PYD المتمركزين في بناء "أمن الدولة" سابقاً، النار على أطفال حملوا إليهم طعام الإفطار من أحد المنازل، وأن التوتر يسود المدينة بكاملها، على خلفية تحرشات الحزب بعناصر حراسة مقرات الجيش الحر وجبهة النصرة في الشق الغربي للمدينة.

بدأ قائد الكتيبة وعناصره الــ16 الاستعداد والتنسيق مع حرس المقرات والمتطوعين من سكان المدينة للدفاع عن قسمها الغربي، فيما كان عناصر جبهة النصرة يُعدون على أصابع اليد جلهم من الإداريين، الذين ليس لديهم خبرة كافية بالقتال، وانقضت الليلة الأخيرة من الهدنة الأخيرة وحالة من الترقب تسيطر على الجميع.

في اليوم التالي عبرت سيارة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي "شارع البريد" أمام محكمة جبهة النصرة في شعبة حزب البعث سابقا، فاعترضها أحد العناصر المحليين في النصرة مع مقاتلي كتيبة الحفة التابعة للواء بيبرس من الجيش الحر، فكانت شرارة المعركة التي بدأت ظهر الثلاثاء 16 تموز/ يوليو 2013، وانتهت بسيطرة الحزب على الأحياء الغربية ومعبرها الحدودي مع تركيا عصر اليوم التالي بعد مقاومة حسب الإمكانات المتوفرة.

شاهدت بعيني مئات العناصر في طوابير عسكرية من وحدات PYD تسير بمحاذاة الجدران في حي المحطة، قبل أن نغادر المنزل بعد توقف الرصاص،، فعبرنا شارع البريد، حيث قتل 5 أشخاص على الأقل، فيما استطاع شاب تخليص نفسه بعد الوقوع بالأسر، والوصول إلى أقرب حاجز للثوار على مدخل رأس العين الجنوبي في منطقة "المشرافة".

استمرت المعارك في محيط المدينة، حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حيث بدأ ظهور أول مقر لتنظيم الدولة الإسلامية في مدرسة الدويرة، وهذا ما أقلق فصائل أحفاد الرسول في بلدة تل حلف جنوب غرب المدينة من احتمال الوقوع بين سندان PYD والتنظيم، في حين كانت جبهة النصرة وكتائب الجيش الحر المحلية تخوض المعارك الأخيرة في قرى مجيبرة، السفح، وتل حلف، ثم بلدة المناجير، ومع بداية عام 2014 بدأ تنظيم الدولة يتمدد في المنطقة، بينما انسحبت كتائب إدلب وريف حلب باتجاه مناطقها قبل سيطرة التنظيم على مدينة الرقة، وهجومه على تل أبيض، أما المقاتلون المحليين فعبر أغلبهم إلى تركيا، فيما كان جنوب الحسكة يشهد معارك طاحنة بين الثوار و تنظيم الدولة الإسلامية، انتهت بسيطرته على ناحية مركدة في نيسان 2014.

اللافت أن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، يستغل دائما مثل هذه الظروف، وآخرها ما حدث بريف حلب الشمالي، لكن كتائب الثوار تعود لتوقيع الاتفاقات معه لا بصفته عدوا لها بل تتحدث دائماً عن حقن الدماء ومعارك جانبية، فيما يعتبرها هو من قبيل انتظار الفرصة السانحة، واستغلال الظروف الصعبة، التي تمر كتائب الثوار بها نتيجة عدم عملها على تطوير قدراتها وبناء مصدر تمويل ذاتي يمنحها القدرة على المناورة وتحمل الضغوطات الخارجية لفترات طويلة، إلى جانب فقدا الأجهزة المدنية والإدارية الحقيقية للمناطق المحررة، وهذا عينه ما جعل مدينتي الشدادي ورأس العين أهم المدن التي وقعت تحت سيطرة الثوار في محافظة الحسكة، في البدايات تخرجان عن سيطرتهما لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فالطرفان يملكان قوات كبيرة موحدة، إلى جانب هيئات ومؤسسات ومحاكم تديرها سلطة واحدة، خلافا للتشتت الذي تعيشه كتائب الثوار، ولاتزال تعيشه وهي تصم السمع عن مطالب الشعب السوري بالتوحد عسكريا.

محمد الحسين -زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي