لم يكن دخول تنظيم "الدولة" إلى مدينة "تدمر" بعد معركة قوية، المسألة كلها تمت في "نهارين" هذا ما يؤكده العقيد الركن "إبراهيم عمر العمر" من أبناء مدينة تدمر ووالد النقيب "عمر العمر" أول شهداء المدينة، فالنظام سحب قادته قبل أيام، وهذه الرواية لا يبدو انها افتراضية إذ تتطابق أكثر من رواية بشأن هذا الموضوع، يقول الإعلامي "محمد العبد الله" وهو من أبناء "تدمر": "بعد أن سيطر التنظيم على المدينة فر معظم أهالي المدينة إلى الرقة في البداية، ومنها إلى مناطق سيطرة الجيش الحر في محافظة إدلب ومنها إلى تركيا، وهنا في مدينة غازي عنتاب التركية، تطابقت روايات جميع من التقيتهم من التدامرة، حيث أكد الجميع أن النظام هو من سلم المدينة للتنظيم، وكان قد حضر لهذه الخطوة قبل نحو أسبوعين من دخولها، من خلال نقل السجناء السياسيين والانضباطيين من السجنين السياسي والعسكري وكذلك إفراغ المتحف التاريخي من محتوياته والطلب من القيادات العسكرية مغادرة تدمر".
لكن، ما الذي يدفع النظام لتسليم تدمر على الرغم من أهميتها سواء لجهة قربها من آبار النفط أو لجهة موقعها الذي يتوسط سوريا، يوضح "العقيد العمر" الذي سُرح من الجيش قبل اندلاع الثورة بعد خلاف مع قائد المنطقة الشرقية، يوضح منطلقا من رؤية عسكرية ": النظام سحب قواته من المنطقة (البادية) وزجهم في منطقة سهل الغاب، فبعد تحرير مدينة إدلب كان جيش الفتح يتحرك باتجاه سهل الغاب والساحل، وهذا ما دفع النظام لنقل قواته إلى تلك المنطقة، فضلا عن هدف التنظيم بالسيطرة على مستودعات الأسلحة".

سبب آخر يشير إليه العقيد العمر قائلا: "في الفترة التي سيطر فيها التنظيم على تدمر كانت محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي تحت سيطرته، وبالتالي لم تعد تدمر تمثل خط تواصل مع العراق، وهذا الأمر بات الآن مختلفا بعد أن تمكن الجيش الحكومي العراقي من السيطرة على الرمادي".
"العبد الله" يؤكد على كلام العمر ويضيف رؤية أخرى "النظام أقدم على تلك الخطوة، لتحقيق عدة أهداف أولها بالطبع أن احتلال المدينة التاريخية سيحدث صدى إعلاميا دوليا ضخما سيوظفه النظام في مصلحته لما لتدمر من أهمية تاريخية وشهرة عالمية، حيث أن النظام توقع أن يقوم التنظيم بتدمير المعالم التاريخية في المدينة، وهذا أيضا سيصب في مصلحة النظام كنظام علماني حضاري يواجه تنظيم ظلامي متشدد".
حاضنة التطرف.. وجورج حسواني
تطرح سيطرة التنظيم على تدمر تساؤلا آخر، هل كان في تدمر حاضنة شعبية للفكر المتطرف، لا يبدو الأمر كذلك، فتدمر من المدن الأولى التي شهدت حراكا ثوريا سلميا ومظاهرات مازالت تحتفظ مواقع التواصل الاجتماعي بتسجيلاتها، يقول العقيد العمر : "قدمت للائتلاف الوطني ملفاً كاملاً عن خطورة المنطقة، وحذرت فيه من أن المتطرفين قد يدخلوا المنطقة، إذ كان من الواضح أن التنظيم يريد حقل الجبل والشاعر والمحطة الرابعة، أما بالنسبة للأهالي فاستبشروا حينها خيرا بخروج النظام، لاسيما وأن التنظيم دغدغ المشاعر بإعدامه بعض الشبيحة، ولكن الأمر اختلف بعد أن أخذت عملياته تصل إلى الأبرياء".
طيران النظام ومن ثم الطيران الروسي إضافة لسلوك التنظيم وبعيدا عن إشارات الاستفهام الكثيرة التي تطرحها التطورات الميدانية بشأن طبيعة العلاقة بين النظام والتنظيم، ساهما في دفع الأهالي للبحث عن الخلاص، فلم يكن أمامهم سوى الفرار، بينما واصل الطيران الحربي تدمير المدينة التي باتت خالية من عناصر التنظيم كذلك، وفي هذا السياق يقول العقيد "العمر": "الغارات الجوية تستهدف أحياء المدنية علما أن مقاتلي التنظيم خرجوا منها ولم يتبق سوى مراكز أمنية ولم تستهدفها الغارات".
النظام يحشد عسكريا في هذ الآونة لاستعادة المنطقة إذ تشير المعلومات الميدانية إلى أن "قوات النظام مدعومة بمقاتلين روس وشيعة تحشد عسكرياً وتنصب الخيم بالقرب من منطقة الدوة وعلى محور البصيرة طريق دمشق، الأمر الذي يؤكد بحسب "محمد العبد الله" أن قوات النظام تستعد لاستعادة السيطرة على المدينة وهذا أمر تؤكد المعطيات المتوفرة حصوله قريبا وأيضا سيستثمر النظام هذا الحدث ويحوله إلى حدث دولي وذلك لشهرة تدمر العالمية وبأنه نجح في تحرير تدمر من القوى الظلامية"
أمر لا يستعبده العقيد "عمر العمر" فالمنطقة كما يقول "باتت خالية من فصائل الثوار، لذلك من الممكن أن يتقدم النظام ويسيطر على المدينة أو يتسلمها، وفي حال تمكن النظام من التقدم باتجاه المدينة فمن الممكن أن ينسحب التنظيم باتجاه الرقة أو السخنة، أو يدخل في عملية مساومة مع النظام، فالتنظيم يسيطر على حقل تويتان المستثمر من قبل روسيا والخبراء الروس مازالوا في الحقل وهناك من الموظفين من يحصل على راتبه من النظام حتى الآن" والحديث للعمر". وما يشير إليه "العمر" يطرحه "محمد أسعد" من وفد تجمع شباب الثورة داخل مدينة تدمر موضحاً أن "تنظيم الدولة ومن قبل أن يدخل مدينة تدمر كان يحمي الشركات روسية، وهي شركة ريف تدمر للغاز، وشركة آراك، وشركة هسكو، والأخيرة يشرف عليها ابن شقيقة جورج حسواني، وهو وسيط بين التنظيم والنظام في قطاع النفظ والغاز، والتنظيم حتى الآن مسؤول عن حماية هذه الشركات".

معارك كر وفر.. وتكتيك "رؤوس الطلائع"
اشارات استفهام وتساؤلات أخرى تفرض نفسها، إذا كان بين الجانبين كل هذا التنسيق، فما هي المعارك التي تدور بينهما؟، يقول "الأسعد": ما يجري من معارك بين النظام والتنظيم في منطقة الدو هي معارك كر وفر يتحكم النظام بها" مشيرا إلى أن المدينة تتعرض لقصف جوي طيلة أيام الأسبوع إلا عندما يكون هناك تنفيذ اعدام من قبل التنظيم، عندها فقط يغيب الطيران عن المنطقة وتتم عمليات تصوير التنفيذ بكل هدوء"، أما العقيد "العمر" فيقول إن التنظيم يعتمد "تكتيكا" عسكريا إذ يدفع بقوات هي عبارة عن "رؤوس طلائع" بينما يحافظ على خطوط دفاعه".
بين النظام والتنظيم تدفع المدينة ببشرها وحجرها الثمن إذ تعرضت أحياؤها لمئات الغارات قضى على إثرها 1014 شخصا و1811 جريحا، متسببة بنسبة تدمير تفوق الـ70 في المئة من ضمنها100 مركز حيوي وصحي داخل المدينة.
بعد بدء القصف الروسي تراوح المعدل اليومي للغارات ما بين 50 إلى 100 غارة جوية بالإضافة لعشرات صواريخ "غراد" مصدرها منطقة الدوة تسببت بتدمير مشفى تدمر الوطني والهلال الأحمر و 5 مشافي ميدانية والمركز الثقافي والقصر العدلي و10 مساجد و7 مدارس وكلية التربية في جامعة تدمر والفرن الآلي ومبنى المالية والقلعة الأثرية والحرم الأثري وفندق المرديان والمنطقة الصناعية ومعامل إنتاج الملح ومنطقة وادي الأحمر.
يقول "الأسعد" وثقنا1300 غارة جوية و804 براميل و175 اسطوانة غاز وأكثر من 900 صاروخ غراد و20 حاوية متفجرة وحالتي استخدام غاز الكلور" من دون أن يغفل معاناة من نوع آخر وهي كما يوضح تتمثل في "قطع الاتصالات من قبل تنظيم الدولة وملاحقة الإعلاميين ونشطاء الثورة داخل المدينة، بل وجعل من ساحات تدمر الشعبية والأثرية مركزاً لإعدام المدنيين بتهم مختلفة".
يؤكد جميع من التقتهم زمان الوصل أن المدينة بدت شبه خاوية على عروشها، إذ لم يتبق من سكانها الـ 110 آلاف سوى 10 آلاف نسمة معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، بينما سجل نزوح 100 ألف نسمة معظمهم توجه إلى إدلب وريفها بينما تمكن قسم منهم من الوصول إلى تركيا، وهم يعيشون ظروفا إنسانية لايزيد صعوبتها سوى إغماض العين عنهم من جميع الجهات.
حسين الزعبي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية