لم تكن الفتاة الأمريكية "كايلتلين دانكن" تتخيل للحظة أن ليلة رأس السنة ستتحول إلى كابوس مرعب بعد تعرضها لتحرشات جنسية من عدد من السكارى ومتعاطي المخدرات في حفلة "كولن" الصاخبة التي تحولت إلى كارثة، ولكن شاباً سورياً مع عدد من رفاقه اللاجئين أنقذوها من حادثة التحرش الجماعي التي شارك فيها ألف شخص من أصول أجنبية في احتفالات رأس السنة. لتتحول قصتها إلى مانشيت للكثير من الصحف والمجلات العالمية ومنها "دير شبيغل" الألمانية، و"نيويورك تايمز" الأمريكية و"إبندبنت" البريطانية.
ليلة رأس السنة اتفق الشاب "هشام أحمد محمد" وهو لاجىء من مدينة حلب يعمل مدرساً في ألمانيا مع رفاقه على تمضية المناسبة في "كولن" نظراً لأنهم في عطلة والتقوا في الساحة العامة ففوجىء بـ"طوفان بشري" لم يره في حياته من قبل، وكانت أصوات الألعاب النارية وأضواؤها مخيفة لدرجة أن بعض هذه الألعاب أصابت وجوه مشاركين في الحفل، وبعضها كان يتساقط بين أرجل المتجمهرين وفوق رؤسهم.
ويقول "هشام" لـ"زمان الوصل" إن هذا الجو لم يرق له ولرفاقه لأنهم لم يعتادوا عليه فذهبوا إلى جسر على نهر "راين" ليس فيه أناس كثر كما في الساحة وقضوا نحو ساعتين إلى أن اقتربت ساعة الصفر وهو انتصاف الليل فعادوا إلى الساحة.
وهناك -كما يروي "كان الكثير من المشاركين في الحفل في حالة انطفاء من شرب الكحول والمخدرات"، ويردف "اتفق مع رفاقه أن يقفوا إلى جانب جدار لاتقاء السرقات والإصابة بـ"القواذف الصواريخ" التي كانت تنهال على الناس".
وبعد أن عمّت الفوضى بين المحتفلين وحصلت عمليات سرقة كان شاهداً على إحداها –كما يقول هشام- جاء البوليس الألماني وأمر بإخلاء الساحة وإخراج المشاركين منها وإلغاء الاحتفال، وحينها طلب من رفاقه أن يغادروا المكان لأن "الازدحام فيه كان غير طبيعي"، فوقفوا على طرف الساحة وحينها جاء أحد رفاقه وأخبره أن فتاة أجنبية تقف إلى جانبهم وتبكي، ولم يستطع فهم قصتها لأنها تتحدث الإنكليزية، ويتابع هشام: "ذهبت إلى الفتاة وسألتها عن قصتها وسبب بكائها فلم ترد، وبعد قليل جاءت الفتاة لتقف إلى جانبهم، وحينها عاد "هشام" للاقتراب منها وسؤالها عما بها ولم ترد بل بدأت بالبكاء، ويردف:" قلت لها نحن من سوريا ولسنا مخمورين وإذا احتجت لمساعدة فنحن على استعداد لمساعدتك".
حينها هدأت الفتاة وأبلغت الشبان أنها أمريكية تدرس في ألمانيا وأنها أضاعت رفيقها الذي جاءت معه لحضور الحفلة في كولن وأبلغتهم أن حقيبتها معه وفيها جوالها الخاص ولذلك لم تستطع التواصل معه، فتبرع هشام –كما يقول- بالذهاب معها للبحث عن الشاب الذي عرف من الفتاة أنه ألماني ويُدعى "سبايستيان".
ويتابع محدثنا: "سرت مع الفتاة خطوات ففوجئنا بعدد كبير من المخمورين يحاولون الاقتراب منها وملامسة جسدها وشعرها وحينها –كما يقول- وضعتها خلف ظهري وبدأت بالصراخ في وجه المتحرشين الذين كانوا يتكلمون بلغة ليست الانكليزية والفرنسية أو الألمانية".
ويضيف محدثنا أن رفاقه عندما سمعوا صوته وهو يصرخ جاؤوا إليه شكلوا دائرة حول الفتاة منعاً من التحرش بها وبدؤوا بالهجوم على الشبان الآخرين الذين كانوا يريدون الوصول إلى الفتاة بأي طريقة ولما يئسوا ورؤوا كثرتنا تركونا ومشوا" وهنا –كما يقول الشاب السوري- رأى "كايلتلين" تبتسم لأول مرة لأنها أدركت أن هناك من يحميها.
وحينما سألها عما يميّز "سباستيان" ولباسه قالت له بأنه يحمل حقيبة بيضاء صغيرة لي ويلبس جاكيت أسود ويتميز بشعره الطويل، وأضاف محدثنا: "آنذاك تقاسمنا أنفسنا كمجموعات للبحث عن الشاب وبعد فترة طويلة نسبياً فقدنا الأمل فقد كنا كمن يبحث عن "إبرة في كومة قش" وكنا على موعد مع السيارة لتأخذنا إلى حيث نسكن".
وأخرج هشام من جيبه نقوداً وحاول إعطاءها للفتاة لأنها لم تكن تحمل شيئاً وطلب منها أن تعود إلى منزلها ولكنها -كما يؤكد- رفضت أخذ النقود وقالت له:"لن أخرج من هنا حتى أجده ولو بقيت إلى الصباح".
ويضيف محدثنا أن "هذا الأمر حملّه مع رفاقه مسؤولية فوق طاقتهم ولم يكن بالإمكان تركها وحيدة في هذه الظروف"، ويردف قائلاً: "عندها قررنا أن نتقاسم كمجموعات ونعاود البحث من جديد، وبعد قليل رأى من بعيد شاباً بالمواصفات التي ذكرتها الفتاة، فطلب منها أن تقف في مكانها وذهب إلى الشاب ذاته فعرف أنه المقصود، وكان لقاء مؤثراً بعد ساعات من الفقدان امتزجت فيه الدموع بالعتاب".
وروى هشام أنه فوجىء في اليوم التالي أن مواقع النت والصحف كانت تعجُّ بأخبار تتحدث عن الجانب السييء لما جرى، ولم يذكر شخص أو وسيلة إعلام المواقف الإيجابية في الحادث".
والغريب –كما يقول– أن الاتهامات طالت لاجئين سوريين وبالذات من قبل النازيين واليساريين والمتطرفين الذين يقفون ضد استضافة اللاجئين.
بعد أسبوع من رأس السنة اتصلت "كايلتلين" مع "هشام" وأخبرته أن صحيفة "نيويورك تايمز" تود التواصل معه وكتابة تقرير عما جرى" ويضيف الشاب أن "التقرير الذي نشرته الصحيفة انتشر كالنار في الهشيم، إذ سرعان ما أجرت معه صحف ومجلات كثيرة لقاءات عن الموضوع ومنها "إندبنت" و"واشنطن بوست" و"دير شبيغل".
وأشار الشاب السوري إلى أنه لم يكن يتوقع للحظة أن يعرف أحد بالقصة خارج الدائرة الضيقة المحيطة من رفاقه، وفوجئ من الصدى الذي أخذه الموضوع رغم أن هذا الموقف في مجتمعنا العربي والسوري أقل من عادي، ولا يستحق كل هذه الضجة"، لافتاً إلى أنه لم يقصد من هذا العمل سوى رضى الله عز وجل وحمد الله أن الرسالة وصلت، وكشفت عن المعدن الحقيقي للسوريين، وليس الصورة السلبية التي تحاول "بعض وسائل الإعلام المغرضة تسويقها عنهم".
وختم محدثنا أن "المستهدف من الحملة ليس السوريين فحسب بل كل لاجىء موجود بألمانيا وأنه شخصياً ضد تعميم التصرفات السيئة على بلد معين، فهناك أناس سيئون يشوّهون سمعة أوطانهم وسمعة اللاجئين عموماُ في ألمانيا، وبالمقابل هناك أناس طيبون وهم الغالبية والحمد لله".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية