هو ليس بطل رواية هرب من بين دفتيها وجاء ليسرد انتصاراته على الورق، وإن كان لا ينسى بأنه الوجه الآخر لبطل رواية "أحدب نوتردام" بظهره المقوس الأحدب وعشقه الطاهر لأميرة لطالما ظل يقرع لأجلها الأجراس.
تشوه عاموده الفقري ليس بداية لنوائب الدهر التي أقسمت أن لا تأتيه فرادى، فلرئيته الغضتين منها ألف نصيب ونصيب، نقص تروية و"أكسجة" حلت لتكمل كرنفالها المأساوي في حضرة جسد هزيل نحيل هو جسد "عباس محمد عرابي" اللاجئ إلى لبنان من "رأس العين" القلمونية، الذي تحالف عليه الأطباء أيضا، مؤكدين لوالدته "أم رامي" التي كانت تزورهم بالخفية عن "أحدبها" أن زواج عباس يعني موته، فكتبوا تقاريرهم وذيلوها بعبارات "لا يصلح للحياة.. لا يصلح للزواج" وألقوها في وجه أم ما برحت تفكر به عريسا كأي شاب من عمره قد تجاوز العشرين وبات من حقه الاقتران بزوجة يسكن إليها وتسكن إليه، مستندين في تقاريرهم على الضعف الشديد برئتيه وقلبه جراء نوبات الربو الشديدة التي تعصف بجهازه التنفسي.

*الآباء يأكلون الحصرم..وأولادهم معهم يأكلون
عباس الذي ينظر لرجل والده المبتورة عن آخرها يغبطه في سره وهو الذي شكل عائلة وأنجب أطفالا رغم إعاقته البالغة، ويسأل نفسه، لماذا لا يتفوق عليه بإرادته وحبه للحياة.
ومابين رغبته الجامحة في الزواج وخوف أمه على تدهور صحته إذا ما تزوج تحسم العائلة أمرها بتزويج عباس الذي أبى أن يقترن إلا بفتاة مثله من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد كان له ذلك.
يقول "أبو رامي" والد عباس ذي الرجل المبتورة "طلبت ابنة صديق لي من بلدة "فليطة" وهي ذات وضع صحي خاص لولدي عباس، وتمت الموافقة وأشهرنا الزواج الذي أثمر بحمد الله حفيدتي "نبيهة" بعد عام من زواجه".
*عائلة هادئة وأمل دائم
يتعثر عباس وهو يحمل ابنته نبيهة من خيمته لخيمة جدها لتجلس في حضنه لتصبح عليه ويقبلها، يتعثر بسبب ظهره المقوس وأنفاسه التي أنهكها الربو الحاد، لتكتمل جلسة الأنس..ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة وطفلة، هم نواة لمجتمع سوري جديد..لم تغيِّب عنه الإعاقات وفقدان الأطراف وتشوهها، جمالية حضور الأحلام والحكايا التي لا تعرف لليأس مكانا ولا عنوانا.
عبد الحفيظ الحولاني - عرسال -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية