أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قصة صنم صقيع المشاعر ورأس السنة ودعاء الموالين

كثير من الأحياء الموالية اليوم غارقة في الحزن والفقر والضنك والعتمة - أرشيف

قبيل رأس كل سنة تطلق وزارة الداخلية التابعة للنظام تحذيرا مضحكا ومخجلا في آن معا، يطالب بالكف عن تداول واستعمال الألعاب النارية (المفرقعات)، في بلد تغمره أصوات الرصاص، ويهيمن عليه السلاح بشتى أنواعه.

وهذا العام ومع دخول سلاح ومسلحين جدد إلى الميدان السوري، وفي مقدمتهم الدب الروسي الذي استجلبه النظام، لم تتأخر داخلية النظام في ممارسة شعيرتها السنوية وتقليدها فارغ المضمون، لتوصي باجتناب المفرقعات.

في الجانب الثائر من سوريا، ليس هناك مكان لإطلاق الرصاص احتفاء برأس السنة، نظرا لعدة اعتبارات أهمها عدم اهتمام أغلب التشكيلات بهذا اليوم من منطلق ديني، وربما من منطلق إنساني يرى الفرح العلني الفاقع في وسط سوداوية الحزن "قلة حياء"، و"انعدام وجدان"، وربما يكون من أسباب ذلك شح الذخيرة الذي يلجئ إلى توفير كل رصاصة لضربها في صدر "العدو المتربص".

وعلى الطرف الآخر، هناك النقيض، حيث تتيح وفرة الذخيرة وانتشار السلاح بيد الكثيرين الفرصة لـ"التعبير"، بإطلاق أكبر كمّ من الرصاص، وكلما زاد عدد وتواتر الذخيرة المطلقة في الهواء، كان ذلك أدل على مستوى "الفرح" وعلى "الهيبة"، من وجهة نظر من يطلقون النار.

قبل أن يقرر بشار الأسد ومخابراته فتح نيرانهم –بكل أنواعها- على الشعب السوري، كان حمل السلاح واقتناؤه مقيداً، وإطلاق النار أمرا لا يمكن أن يقدر عليه إلا "ذوو العزم" من أصحاب المراتب، حتى في الجيش كان الجندي أو صف الضابط يخرج للحراسة وفي يده بندقية خاوية المخزن، أو مليئة المخزن، ولكنه لايستطيع ضرب طلقة واحدة منها إلا بأمر، وإن داهمه ما داهمه، فالويل كل الويل لمن تضيع رصاصة من رصاصاته التي استلمها، أياً تكن مبرراته، لأن فقدان رصاصة سيدخله في تحقيق طويل ربما ينتهي بتوجيه تهمة الخيانة إليه.

تبدل الحال كثيرا، وكثيرا جدا، بعد أن قرر النظام نشر سلاحه بين أيدي مواليه، ونثر الذخيرة عليهم كـ"الرز"، فصار إطلاق النار لغة كل المناسبات، ليس فقط في التعامل مع الطرف المعارض المنادي بحريته وخلاصه من الطاغية، بل أيضا بحق الموالي الذي يهتف ليل نهار بلسان حاله ومقاله "بالروح بالدم".

صار السلاح والرصاص وسيلة لحل أي إشكال أو خلاف تافه ينشب، فما أسهل أن يرفع أحدهم بندقيته في محطة محروقات ليطلق النار إن لم يفسح له الآخرون "الدور"، غير عابئ باشتعال المحطة كلها وتفجرها، وما أهون أن يستل آخر قنبلة من جعبته ويهدد بسحب مسمار أمانها، إن لم يحصل على بضعة أرغفة ساخنة في الحال، وما أبسط أن يشهر مسدسه للحصول على "جرة غاز"، أو عدة لترات من المازوت للتدفئة، وأبسط من ذلك كله أن يضرب 5 أو 10 أمشاط من الرصاص "احتفالا" بما يراه مناسبة مهمة.

فعندما "ينجح" المرشح الأوحد في "الانتخابات"، تغرق سوريا في بحر من أصوات الرصاص، يصم الآذان، وعندما تصدر نتائج الثانوية أو حتى التاسع، يتبارى جنود وضباط النظام في تعريف كل محيطهم بمعنى عبارة "أزيز الرصاص"، وإذا ما حل رأس السنة تحولت أحياء النظام الموالية وثكناته وحواجزه إلى ساحة معارك، تراق فيها صناديق الذخيرة، التي يشتريها النظام من قوت ودم السوريين، بمن فيهم الهاتفون "بالروح بالدم".

لم يعد جنود وضباط النظام يبالون بحزن الموالين ولا غضبهم، وهذا التبلد في الشعور بات امتدادا طبيعيا لتبلد سبقه تجاه مشاعر المعارضين والثائرين، انسحب على الموالين الذين كانوا وما زالوا حتى هذا اليوم يؤيدون الاستهتار بمشاعر كل من يناوئ طاغيتهم، بل ربما كانوا أول المتسابقين إلى ساحات الاحتفال والرقص والدبكة على بعد كليومترات قليلة من مكان دمره النظام بالطيران أو المدفعية، أو قصف أهله بالكيماوي.

صار للمؤيدين أحزانهم وأتراحهم، وهذا شيئ أقل من طبيعي، فالحرب نار لايمكن أن ينجو من لهيبها حتى موقدها، مهما ظن أنه قادر على ضبطها.. ودارت الأيام وبات تبلد المشاعر وانحطاطها محل شكوى وتذمر من بعض الموالين، عندما صاروا يحسون بوقع "الفرح الفاقع" في عز سوادوية الحزن عليهم شخصيا، فصار هذا "الفرح" عارا وإطلاق الرصاص "قلة حياء"، بعدما كان في "واجبا" و"رجولة" و"شهامة" عندما كان الأمر يتعلق بإغاظة الآخرين والشماتة فيهم، وفتح جراح عميقة في ذواكرهم المثقلة بالمآسي.

كثير من الأحياء الموالية اليوم غارقة في الحزن والفقر والضنك والعتمة، كثير من البيوت الموالية غارقة في همّ قتيل أو قتيلين أو ثلاثة، غارقة في هم شاب أقعدته إصابة خطرة وهو يقاتل على جبهة "الكرسي".. كرسي الرئيس، غارقة في همّ تدبير مصاريف الطعام والشراب، غارقة في همّ تدبير الدفء في غمرة الشتاء البارد وصقيعه، وهي فوق ذلك كله غارقة مع يوم رأس السنة في صقيع المشاعر الذي نحتت صنمه بأيديها، فلما نالها من قسوته وجفوته ما نالها، هبت تدعو عليه بعد أن كانت تدعو له، ولات حين دعاء!

إيثار عبدالحق - زمان الوصل
(106)    هل أعجبتك المقالة (97)

محمد علي

2016-01-01

مقال جيد و شكرا ، لدي اعتراض على مسمى النظام او حكومة النظام او حنى كلمة الموالي ،،، نحن في سوريا في مرحلة احتلال علوي صفوي ايراني مشترك من خمسون عاما الى يومنا هذا و جاء الاحتلال الروس. يجب علينا ان نسمي الامور باسمائها و ان لا ن نختبئ وراء اصابعنا ،،،، العلويون ليسو مواطنون سوريون و ليسو من منطقتنا اتو تمهيدا للفرس و ساعدهم الغرب للتحكم و صيانه مصالحهم و اسرائيل و تدمير المنطقه و هذا هو حال جميع الحكام العرب ، الى متى سنظل مترددين بالحديث بصراحه خوفا من الغرب و حفاظا على اللحمة الوطنية و المواطنة و هؤلاء جميع يقتلوننا و يهجرونا ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي